وُقُوبُّ مَجْثَمٍ.

اليَومُ الأَوَل 'إِدراك الحقيقة'

الحَادِي عَشَر مِن نُوڤمبِر~الثَانِية عَشَر بَعْدَ مُنتَصَف الليل ~

'رَاحِلٌ أَنَا يَا أُمي' نطقت بِهَا ذَاتَ يَوم وَ لَمْ أَعلَم لِمَ عيناها أَمطرت ، تغرِزُ عَمِيقًا دَاخِلي ذَاكَ الشُعور المُهلِّك ، تُنبِت بِدَاخِلي إضطرابٍ لَمْ أَعرفه يَومًا
فَأَخبرتني بِحروُفٍ مُتثاقِلة 'أَرَاحِلٌ أَنْتَ يَا بُني؟ أَذَاهِبٌ ، بَينَ ثَنايا الحَياة سَتَختَفي؟ أَمودعٌ أَنتَ ، فِي طَريقكَ لِتتعرف عَلىٰ حروفٍ أُخرى ، رُبمَا لَا تُشبهك؟ أَمُسَافِرٌ لِموطِنٍ آخر ، تُدعى فِيهِ مُغتربٌ وَ مُستوطِن؟ رغبتكَ فِي الإقلاع ، ألازالت مُتواجِدة؟ أَلازِلتَ تَحلُم بِتِلكَ الدروب الغريبة؟ وَ تِلكَ الأوجه التي لَمْ تَكُن يَومًا مَألوفة ، تِلكَ المُدن وَ تِلكَ الحياة ، ألازِلتَ ترغبُ بِهَا؟ إِذهَب يا بُنِي عَلَّكَ مُدرِكٌ لِلصواب أَكثر مِني ، إِرحل حَيثُ تُصبِح أَنَامِلي غَيرُ قَادِرة عَلىٰ الوصول لَك ، إِرحل وَ أترك رائحتك تغيبُ عَنِي كَيفَمَا تَشَاء ، إِرحل إِن كَانَت تِلكَ مَشيئتكَ . لَكِن حذاري أَن تَنجرِف ، حذاري أَن تغدو شَخصًّا لا يُشبِهُ الرَاحِل مِن بِلاده هَذَا اليَوم ، أريدك حتى بَعدَ مضي السنين ، حِينَ تَقِفُ فِي مِرآةٍ مَا تُصبِح قَادِرًا عَلىٰ التَعرُف عَلىٰ رُوحكَ وَ جُسمانك ، كُن حَرِيصًا عَلىٰ أَن تظل كَمَا أَنتَ قَلبًا وَ قَالِبًا ، فَأَنتَ مُعجِزتي فِي تِلكَ الحياة . إِحذر أَن تَمل ، إِحذر أَن تسئم وَ تترك الحُلم المُبتغى يُغادِر بَعِيدًا أَمام ناظريك ، إحذر أن تخسر وَ تَعود كَمَا رحلت ، إِحذر أن تضيع عَن طريقٍ رسمتهُ بيدكَ مُنذُ سِنين . حذاري أَن تُصبِح ثَمِلًا بِحياةٍ لَا تَعنيكَ ، إِحذر أَن تُرافِق مَن لَا يَليقُ بِك . إِرحل وَ لَا تنساني رَجَاءً. تذكرني فِي كُلِّ حِين ، تذكر إخوتك ، أبيك وَزوجتك ، إجعل حَقِيقَة أنَّ هُنَاكَ حياة كَامِلة تَنتَظِر قَائِد السفينة، تَنتظركَ أَنتَ ، لا تُفارِقُك فَلَا تَجعل بريقَ الحياة يُغريك لتحيا مُستقِرًا مَعَ أرواحٍ أُخرى هَاجِرًا إياها ، إِذهب سَالِمًّا وَ عُد سَالِمًّا،إِذهَب وَ بِلا وَداع فَلا وداع يا مُعحزتي وَ إِلىٰ لِقَاءٍ قريب إِنْ شاء الله.'

فِي ذَلِّكَ الوقت لَم أُدرِك أسباب البُكاء الحاد ، لَم أُدرِك مَدى عُمق كلمات أُمي وَ صحتها. لَكِن هَا أنا الآن يا أُمي بَعدَ مُرور السنين ، أَدركتُ كُلّ حرف خرج مِن بين شِفاهُكِ يواسيني ، يُرشدني للصواب حيثُ يَجِب أَن أَكون ، أدركت مَا أشارت إليه مُقلتيكِ حِينَ إِهتزت ، لكنني الآن تائِهٌ يا مُرشدتي ، لَا أَعلم إِن كُنتُ لَازِلتُ كَمَا أنا أم لا ،الأرواح غريبة وَ تِلكَ الأرض أغرب . لَا أعرِف إن كَانَ المُبتغى بين يدي أم لا ، لَم يَكُن اللقاء قريبًا يَا أُمي وَ طَالَ فراقي لَكِ يا مُهجة الحياة ، أشعرُ أني ضللت الطريق فإدعي لِي الله أَن يَهديني وَ يُرشدني ، إلى حيثُ أردتِ أن أكون  ، وَ إِلىٰ لِقاءٍ قريب إِنْ شَاءَ الله~