الفصل الثالث

620 53 1
                                    

نهضت في الصباح من نومها على شعور غريب يكتنفها بعدم الراحة ، تململت في الفراش وهي تعقد بين حاجبيها بضيق قبل أن تعتدل في جلستها فجأة وهي تتلفت حولها في الغرفة الخالية الا منها .. طنين مزعج يجتاح أذنيها حتى كاد يدميها ، وضعت يديها عليها وهي تصرخ منادية والدتها .. تركت الأم ما بيدها بسرعة وهي تركض نحو الغرفة بقلق لتفاجأ بابنتها الجالسة على الفراش ثائرة الخصلات بأعين حمراء متسعة عن آخرها بغضب والتي عاجلتها بالصراخ وهي تحكم إغلاق أذنيها بكفيها ،،،،
- " اغلقي ذلك الصوت رأسي سينفجر "
عقدت الأم حاجبيها بعدم فهم ، لا تسمع صوت مزعج في المنزل فقط سورة الكهف التي اعتادت تشغيلها يوم الجمعة هو ما يصلها والصوت ليس مرتفعاً لتلك الدرجة التي قد تزعج ابنتها بتلك الطريقة هل تعاني ابنتها من مشاكل في أذنها !!!
- " صوت ماذا حبيبتي انه القرآن الكريم "
- " اغلقيه "
الصرخة التي أطلقتها ابنتها وهي تعتدل فجأة على الفراش جاثية على ركبتيها وكفيها مقلصة المسافة بينهما بسرعة أجفلتها جعلتها ترتد للخلف مجفلة وهي تضع يدها على خافها للحظة متمتمة في سرها ب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، تبعتها ابنتها بزمجرة مخيفة لتركض السيدة لخارج الغرفة دون مزيداً من التساؤلات ،،،
اغلقت المذياع بسرعة ثم وقفت تضع يدها على خافقها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة ،، ماذا أصاب إبنتها، هل رأت كابوساً وبدل حالها بتلك الطريقة ، هل افتقدت منزلها ، هل تلومها على ما لا يد لها بها  ، قفزت للخلف مجفلة عندما وصلها صوت ابنتها التي تتمطأ خلفها بكسل وهي تقول ،،،،
- " صباح الخير أمي !! "
أغمضت المرأة عينيها وهي تزفر بارتياح قبل أن تقول لابنتها بلوم ،،،،
- " جازاكِ الله مي اتريدين إصابتي بنوبة قلبية !! "
ضحكت مي بانطلاق وهي تميل على والدتها مقبلة وجنتها تتمتم بإعتذار سريع ،،،،
- " معذرة أمي لم أقصد حقاً إجفالك بتلك الطريقة، سأغسل وجهي ثم اعود لتحضير الفطور "
نظرت الأم في إثرها بتشتت من تبدل حال ابنتها المفاجئ قبل ان تبتسم محركة رأسها وهي تلتفت متوجهة لمطبخ المنزل ،،،،،
***
الأيام تتوالى وحال ابنتها يتأرجح بشكل ملحوظ بين رائقة ومنزعجة بل انها تصبح مخيفة أحياناً وانعزالية أحياناً أخرى ، لم تهتم كثيراً فابنتها مزاجية بطبيعة الحال وهي قد اعتادت ذلك رغم أنه أصبح مضاعفاً مؤخراً يصاحبه شحوبها الواضح الذي لا تجد له تفسيراً خاصة مع شراهة ابنتها الواضحة ، ولكن ما أزعجها حقاً هو انقطاع ابنتها التام عن الصلاة وتعللها بالإنشغال بأي شئ واللا شئ هرباً من آداء فروضها التي كانت تحرص عليها في السابق .. تنهدت بخفوت و شرعت في صلاتها نافضة عنها تلك الأفكار لتحظي بسكينتها الخاصة بين يدي الرحمن ، اندمجت في الصلاة وبدأ صوتها يعلو وهي تردد سورة من القرآن غافلة عن حال ابنتها التي وقفت عن مقعدها فجأة ترمقها بنظرات لو رأتها لسقطت صريعة في التو ، صوتها يعلو وعيناها تدمع تأثراً وفجأة دفعت بشكل قاسي جعلها تتأوه ألماً وهي تفتح عينيها قبل ان تتسعا هلعاً وهي تطالع ابنتها التي سقطت أرضاً كذلك وذراعها مفرود خلف ظهرها بينما أصابعها معقوصة بشكل غريب .. تحاملت على ألمها وهي تنهض بسرعة، تصرخ بقلب ملتاع بإسم ابنتها التي على ما يبدو قد فارقها الوعي .. حاولت رفعها ولكنها كانت ثقيلة للغاية رغم نحافتها ، لن تكذب لو قالت ان ابنتها كانت في تلك الحالة كالجبل لا تتزحزح !! ،، جلست بجوارها بعد أن انهكت من كثرة المحاولات بإرهاق وعيناها تذرفان الدموع على وحيدتها التي لا تعلم ما بها ،، لا تعلم لكم بقت على تلك الحالة ولكن تململ ابنتها تحتها جعلها تمسح الدموع سريعاً عن وجنتيها وهي تسألها بلهفة ،،،،،
- " مي هل انتِ بخير؟ مابكِ بنيتي ؟ "
رمشت الأخيرة بأهدابها عدة مرات لتفتح عينيها مبتسمة لتتلاشى ابتسامتها فوراً وهي ترى والدتها تشرف عليها وعيناها كفيلتان بإخبارها بما يعتمل بصدرها .. اعتدلت بسرعة وهي تمسك كفي والدتها و عيناها تجوبان المكان حولهما بغرابة قائلة ،،،،
- " ما الذي أتى بي لهنا ؟ "
نظرت لها والدتها بدهشة وهي تسألها بشك ،،،
- " ألا تتذكرين كيف أتيتِ الى هنا ؟"
حركت رأسها نفياً وهي ترمق والدتها بضياع قرأته بوضوح في مقلتيها ،، سحبتها والدتها بسرعة لأحضانها مربتة على ظهرها بحنو وهي تفكر ، دقائق معدودة لتقبل والدتها رأسها وهي تقرر في نفسها ان ابنتها لابد وأن تعرض على طبيب نفسي ،،،،
***
لم تحتاج لإقناعها كثيراً فمي نفسها تشعر أن بها خطب ما وبعد جلسة مطولة مع الطبيب وإستماعه لمي بصبر كعادة الأطباء النفسيين أخبرها أنها ولابد تعاني من أعراض إكتئاب بسبب تراكم الأحداث مؤخراً ولم يبخل عليها بصنوف الدواء باهظة الثمن كذلك ،،،،
رغم مواظبتها على الدواء وحرص والدتها على تذكيرها بميعاده حتى في ساعات العمل الا ان حالتها للأسف لم تتغير ، تذهب لعملها صباحاً وتعود لتنزوي في غرفتها المظلمة بينما حديثها الشحيح مع والدتها جعل الأخيرة تعاني بصمت على ما آلت اليه أحوال وحيدتها وهي تشعر بالعجز أمام حالتها التي تتأخر يوماً بعد يوم ، طبيب وبعده آخر حتى يئست من تقدم حال ابنتها ،، زفرت بضيق وهي تستغفر في سرها لتهب واقفة فجأة وصوت طرقات سريعة على باب المنزل ينتشلها من أفكارها ، ركضت بسرعة فاتحة للباب لتشهق وهي تطالع ابنتها التي يحملها عدداً من الرجال .. لطمت صدرها وهي تنادي بإسم ابنتها بقلب ملتاع ليصدع من خلفهم صوت إمرأة وهي تقول ،،،،،
- " افسحي الطريق أختي رجاءاً حتى يدخل الرجال"
أفسحت الطريق لهم ليدخلوا وهم يتأوهون ألماً من ثقلها وعيناها قبل جسدها يلاحقونهم بخوف .. تربيتة خفيفة على كتفها جعلتها تلتفت لتلك المرأة القصيرة ممتلئة الجسد والتي على ما يبدو تماثلها عمراً وهي تقول مطمئنة ،،،،،
-" لا تخافي ان شاء الله خيراً قد تكون مرهقة بعض الشئ أو لم تتناول طعامها "
رمقتها الأم ببلاهه لتبتسم لها شارحة ،،،،
- " أنا جارتك أم مجدي ،، أسكن في أول الطريق المؤدي لمنزلكم، كنت ارى ابنتك الأيام الماضية وهي في طريق عودتها وتعجبت أن هناك من سكن بمنزل ذلك اللعين "
قاطع استرسالها تقدم الرجال بعد أن أنهوا مهمتهم لتشكرهم السيدة مربتة على كتف أحدهم وهي تقول ،،،
- " شكراً جازاكم الله خيراً "
- " على ماذا أم مجدي اتمنى ان تصبح السيدة الصغيرة بخير"
وبدون مزيداً من الكلمات غادر الرجال، تقدمت المرأة بأريحية وهي تغلق الباب خلفهم بينما توجه حديثها لوالدة مي ،،،،،
- " ماذا ؟ هل سنظل على وقفتنا تلك الن ترحبي بي في منزلك ؟ "
أفاقت الأم من شرودها معتذرة وهي تشير لها بالتقدم قائلة ،،،،
- " م م معذرة تفضلي، آسفة فالقلق أنساني تماماً قواعد اللياقة "
- " لا تهتمي حبيبتي انا فقط أمزح "
تقدمتها أم مي وعيناها لا تفارقان جسد وحيدتها الممدد على إحدى الأرائك بحزن بينما كانت أم مجدي تلحق بها وعيناها تتأملان المكان بغموض .. جلست المرأة تناظر مي بإشفاق حتي سمعت صوت والدتها التي أحضرت الضيافة وهي تسأل بلهفة ،،،،
- " اخبريني كيف رأيتيها وماذا حدث بالضبط ؟ "
تناولت المرأة كوب العصير وهي ترتشف منه رشفة طويلة قبل أن تضعه وهي تقول ،،،،
- " كنت واقفة في الشرفة ثم رأيت ابنتك تسقط فجأة مفترشة الأرض تحتها، تعلمين ان المنطقة مقطوعة نوعاً ما الا من منزلي وجارتي و صاحب ورشة تصليح السيارات، عندما رأيتها صرخت عليه ليحملها ولكنها، احم لقد كانت ثقيلة بعض الشئ لذا لم يستطيع حملها وحده "
حركت الأم رأسها وهي تسترق نظرة نحو ابنتها لتسألها السيدة بنفور واضح وفضول فضحته نبرتها  ،،،،
- " اريد سؤالك في أمر ما، الم تجدي غير ذلك المنزل لتقتنيه ؟ "
ثم مصمصت شفتيها بصوت مسموع وهي تستطرد من بين أسنانها ،،،،
- " بالتأكيد سمسار العقارات منعدم الضمير قد أخفى عنكم ان المالك السابق لذلك المنزل كان رجل لعين، دجال يعمل بالسحر الأسود "
تحمحمت الأم بحرج فنفور المرأة من حماها السابق واضح لا إلتباس فيه وهل تلومها هي نفسها لم ترتاح له يوماً !! لذا قالت بدون مواربة ،،،،،
- " لقد كان منزل والد زوجي وقد كتبه باسم ابنتي قبل ان يتوفاه الله"
هبت المرأة واقفة وهي تتفل في صدرها قائلة ،،،
- " وانتِ تعملين في السحر مثله أليس كذلك، سأذهب أنا "
استوقفتها ام مي ضاحكة رغم ما يعتمل بصدرها من ألم وهي تقول ،،،
- " بالطبع لا، ما الذي تتحدثين عنه انا اخاف الله ولا اقتنع بتلك الخزعبلات من الأساس "
تنهدت المرأة بإرتياح وهي تعاود الجلوس بأريحية قبل أن تميل علي مقعد الأخرى هامسة وعيناها تدوران في المكان ،،،،
- " اي تخاريف تلك التي تتحدثين عنها، لقد كان يقوم بجلسات تحضير في منزله هذا ويقولون انه كان متمكناً مما يقوم به والجميع كان يرتعب من مجرد ذكر اسمه "
ثم أشارت لها لتقترب وهي تتابع متجاهلة ابتسامة الأخرى التي تبدي عدم اقتناعها بسير الحديث ،،،،
- " يقال بأن المكان هنا كان مزدحماً بالسكان في مرحلة ما ولكنه قد سلط عليهم أعوانه ممن تحت الأرض حتى هربوا وقد باعوه منازلهم بأرخص الأثمان "
توسعت عينا أم مي بدهشة وهي تسألها بجدية ،،،،
- " أتعنين بأن كل تلك الأراضي الخالية حول المنزل كانت له؟ "
أومأت المرأة إيجاباً بدون تردد ثم نظرت نحو مي الممددة أمامها بحنو وهي تقول فجأة ،،،،
- " الم تفكري في عرضها على أحد الشيوخ ؟ "
رمقها أم مي بإستنكار وهي تقول مشيحة بيدها ،،،،
- " أي شيوخ ؟ اتقصدين من هم مثله من الدجالين الذين يبيعون الوهم للناس ويرعبونهم فقط لتحقيق غاياتهم؟ "
حركت ام مجدي رأسها بسرعة نافية وهي تغمض عينيها بنفاذ صبر قائلة ،،،،
- " هناك من هم موهوبين حقاً وهو ايضاً كان له شهرة واسعة في ذلك المضمار، لطالما سمعت حكايا غريبة عما كان يقوم به ولكن للحق لقد كان الجميع يكرهه ويهابه في نفس الوقت "
شعرت بعدم اقتناع ام مي بحديثها فآثرت الصمت وعندما طال شعرت بالحرج فأستأذنت بلباقة وعندما وصلت لباب المنزل التفتت هامسة ،،،
- " اذا احتجتِ لأي شئ إسألي عني صاحب ورشة السيارات في أول الطريق "
أومأت الأم بأمتنان حقيقي وهي تغلق الباب خلف تلك الجارة الودودة والتي يبدو جلياً عليها انها تؤمن بتلك الخرافات
لم تشأ إيقاظ ابنتها وهي تطالع مرور الساعات وهي لازالت تغط في نوم عميق شعرت بأنها في حاجته ، تنهدت بصوت خافت وهي تنهض عن مقعدها لتدلف للغرفة التي تتشاركها وابنتها بعد أن ألقت نظرة أخيرة حنون على جسدها المستكين ،،،،،،
تململت في نومها المؤرق لتعتدل على الفراش وهي تنفض الغطاء عن جسدها منتوية الذهاب والاطمئنان على ابنتها ،، توقفت تنظر للأريكة الخالية لابد أن ابنتها قد افاقت من نومها ولكن أين هي ،، تلفتت حولها، تبحث بعينيها عنها دون جدوى ، دلفت للمطبخ علها شعرت بالجوع ولكنه خالي منها كذلك ، فركت رأسها بتفكير وتحركت لتبحث في باقي أرجاء المنزل الضخم عنها ، توقفت فجأة عندما طالعت الضوت المتسرب من أسفل باب الغرفة المغلقة على الدوام والتي فشلت مراراً في فتحها ،، عقدت بين حاجبيها بشك وتقدمت من الباب ، شعور غريب بعدم الراحة يجتاحها وصوت صفير الرياح القادم من الغرفة أشعرها بانقباضة في صدرها لا تعلم سببها ، الغرفة مغلقة فمن فتح نافذتها إذاً !! هل تحتفظ مي بمفتاحها خفية عنها ؟ وعند ذلك الخاطر أدارت المقبض فجأة وللغرابة فتح الباب بسهولة !!
صوت صرير الباب أزعجها ولكنها لم تبالي وتابعت فتحه لتقف مسمرة أمام ذلك المشهد الذي هالها وجمد الدماء من عروقها !!!!

يوكاريست حيث تعيش القصص. اكتشف الآن