الفصل الأول

1.5K 68 11
                                    

صوت الصرير المزعج لباب المنزل مصاحباً لرائحة العطن والرطوبة الممزوجة بكومة الأتربة التي إستقبلتها مرحبة بحفاوة والتي كادت أن تزكم أنفاسها ضاعفت من المشاعر السلبية التي تراودها منذ قررت اللجوء لذلك المأوى البغيض على نفسها ، هدوء قاتل الا من أصوات قرع أحذيتهما على الأرض الخشبية للمنزل الظلام يلقي بستاره على المكان بطبيعة الحال ولكن ما جعلها تشهق متراجعة للخلف هو دوي الرعد الذي شق سكون الأجواء من حولها فجأة مصحوباً بهزيم الأمطار .. وكأن الطبيعة تشاركها مخاوفها .. خطواتها القليلة التي تقدمتها لداخل المنزل كادت أن تتراجعها دون تفكير، ولكن قبضة والدتها التي أحكمت حول معصمها حالت دون ذلك ،،،،
- " لا تخافي مي انه فقط صوت الرعد .. انتظريني هنا حبيبتي سأشعل الضوء وأعود سريعاً "
كادت والدتها أن تبتعد لمكان القابس ولكن كطفلة سمعت للتو قصة مرعبة لا فتاة ناضجة في العشرين من عمرها تشبثت بذراع والدتها بإصرار وهي تتبعها بقلب كاد أن يخرج من بين ضلوعها، لم ترى ابتسامة والدتها التي تتحسس طريقها نحو القابس بينما تحتضن هي ذراعها وهي تتلفت حولها مذعورة، تحاول الرؤية على الضوء الخافت للقمر الذي توارى خجلاً خلف ستار السحب الكثيف
هل من الممكن أن تزدك إضائة المكان رعباً أم إنها فقط تتوهم !!
توترت عضلة في فكها وهي تترك ذراع والدتها أخيراً .. تتأمل البهو الواسع للمنزل، بسقفه المرتفع عن العادة وكأنها في إحدى القلاع التي تراها في أفلام الرعب ، الجدران المتآكلة التي تراكمت عليها رؤوساً لحيوانات محنطة تناظرها بتحدٍ كاد يصيبها بنوبة قلبية ، تحيط كل منها مسبحة ذات أحجار كبيرة بمزيج من اللونين الأحمر والأسود ، ابتلعت ريقها بصوت مسموع وهي توليها ظهرها فالمسكينة بعد أحداث ليلتهما القاسية لن تتحمل هزرها الآن ومخاوفها الغير مبررة !!
كادت أن تلتفت مجدداً لتواجهها بعد ان اغتصبت ابتسامة متوترة ماتت على شفتيها في لحظتها وعيناها تتسعان برعب عجزت تلك المرة عن إخفائه، صرخة مرتعبة تبعتها بركضها نحو باب المنزل وهي تسحب والدتها خلفها بينما تقول بتلعثم ،،،،،،
- " لا لا لا لا لن نبقى هنا "
زجرتها والدتها وهي تنفض يدها بعنف، لا تعلم ما الذي أصاب وحيدتها فجأة لتصبح على ذاك الحال، ولكنه ليس وقت الدلال بكل تأكيد فما حدث قد حدث وانتهى الأمر وعلى ابنتها ان ترضى بما هو متاح في ظروفهما تلك ،،،،
- " ما الذي تفعليه أجننتي ، القليل من الظلام وبعض الحيوانات المحنطة أغلوا عقلك ؟ أين سنذهب برأيك بعدما طردتنا زوجة أبيكِ المصون في منتصف الليل، لابد ان تحمدي الله ان جدك كتب منزله بإسمك قبل وفاته، والا كنا الآن نجوب الشوارع بحثاً عن جدران تأوينا من ذلك البرد "
طفرت الدموع من عينيها رغماً عنها ، هي تعلم أنه لا مكان لهما سوى ذلك الذي كادت أن تتخلص منه ببيعه لولا خوفها من العودة اليه لعرضه على المشتري، لم تكن يوماً مقربة من جدها، بل لم تراه في كل حياتها سوى مرة لعينة واحدة، ومما سمعته لم يكن متعلقاً يوماً بأحدهم على الإطلاق فلماذا هي ؟ سؤال أرق نومها مضاعفاً كوابيسها التي لا تنتهي حول ذلك المنزل البائس الذي تكرهه كما صاحبه .. أما والدها ،، اعتصرت عيناها الدامعتان وهي تفكر ،،،
في المرتان اللاتي وطأت فيهما قدماها أرض ذلك المنزل كان والدها هو سبب الزيارة ، إحداهما لتشكو والدتها فعلة والدها الذي تزوج بأخرى والآن وقد فارق كل من والدها وجدها الحياة عادتا بسبب زوجته التي كتب منزلهما بإسمها لتبيعه دون إكتراث بقاطنيه وتلقي بهما في وحشة الطرقات .. ابتلعت غصة في حلقها وهي تعترف لنفسها أن أبغض الأماكن لقلبها هو نفسه مأواهما الوحيد ولكن ،،،
اختلست نظرة أخرى نحو تلك الرأس المحنطة التي رأت عيناها تتبعان حركتها منذ قليل ،، هل تتوهم !!
***

يوكاريست حيث تعيش القصص. اكتشف الآن