الفصل الرابع

591 53 4
                                    

تدلى فكها وازى جحوظ عينيها اللاتي كادتا أن تخرجا من محجريهما ، شعرت وكأن أنفاسها انقطعت فجأة مصاحبة لتلك البرودة التي انتشرت في أطرافها بوحشية وهي تطالع المشهد المقبض أمامها فبرغم ظلام الغرفة الا ان الضوء اللاهب المحيط بابنتها تكفل بتوضيح الصورة بشكل مفزع ، فها هي وحيدتها تجلس على ركبتيها وسط نجمة خماسية مرسومة على أرضية الغرفة حالكة السواء باللون الأبيض ، تتخللها العديد من الرسومات لأحرف غريبة متفرقة بلغة لم تفهمها بينما استقرت على كل رأس من رؤوس النجمة شمعة مشتعلة سوداء اللون تنبعث منها رائحة كرائحة الموت تزكم الأنفاس ، عادت بنظراتها لابنتها اللاهية عنها على ما يبدو لتلاحظ لأول مرة منذ دلفت للغرفة الرداء الأسود الغريب متهدل الأكتاف الذي ترتديه والذي لم تراه من قبل ولا تذكر أن ابنتها امتلكت مثله يوماً ، يداها مضمومتان أمام وجهها الذي انعكس عليه الضوء لتراها في تلك الصورة كمسخ مشابه لابنتها ، تردد كلمات بلغة غريبة على ما يبدو تقرأها من الكتاب المفتوح أمامها وهي تتحرك للأمام وللخلف بشكل رتيب ، خطوة واحدة تقدمتها الأم لداخل الغرفة لتشهق بفزع عندما توقفت ابنتها فجاة عن ما تفعل وهي تلتفت نحوها بحركة مباغتة، تناظرها بسخرية وبرأس مائل وكأنها تخبرها بأنها تعلم جيداً ما تعانيه الآن، صرخة مكتومة انطلقت من الأم وهي تتراجع الخطوة التي تقدمتها واضعة كلا كفيها على فمها بذعر وهي تلاحظ عينا ابنتها اللاتي استحالتا تماماً للون الأبيض ، تبعتها بصرخة أخرى أقوى من سابقتها وقوة خفية تدفعها بعنف لخارج الغرفة ... صفق الباب من خلفها بقوة جعلتها تشعر بإهتزاز الجدران من حولها ، تحاملت على ألمها وهي تعتدل وعيناها المتسعتان عن آخرهما لا تفارقان الباب المغلق أمامها ولأول مرة تشعر بالخوف يدب في أوصالها ومن من ؟ ابنتها !!!!!
المنزل يرتج من حولها لا تعلم هل بفعل زلزال أم بفعل تلك القوى الخفية التي أصبحت موقنة تماماً بأنها تسيطر على وحيدتها
الخوف والعجز تكالبا عليها ودموع القهر قد وجدت أخيراً طريقها لعينيها بعد جمودها السابق، دقيقة وأخرى والحال كما هو بينما تحتضن الأم جسدها المرتجف مغمضة العينين بخوف وعقلها يحاول استرجاع آيات من القرآن دون جدوى .. فتحتهما فجأة عندما عم الهدوء المنزل حولها مع انطلاق صوت هاتفها الذي تركته بجوار فراشها بالآذان !!
***
بحذر كانت تتأمل ابنتها التي تلتهم الطعام بشراهة وصمت كعادتها مؤخراً ، تتذكر هيأتها التي قذفت الرعب بقلبها بالأمس ، لا تلك لم تكن ابنتها ، مستحيل أن تكون !!
بمجرد خروج ابنتها لعملها أسرعت للغرفة متناولة عباءتها وخرجت بعد وقت قصير وكأن الشياطين تطاردها لخارج المنزل ، لن تمكث به وحيدة خاصة وأحداث ليلتها المرعبة لا تفارق مخيلتها .. سارت في الطريق الخالي من المارة تتأمل الأرض الخالية من البشر حولها ووقتها فقط رنت بداخل عقلها كلمات أم مجدي ،،،،،
( المكان هنا بيقولوا كان عمار ومليان ناس هو الي سلط عليهم الي شغال معاهم وخلى الناس هربت علشان يشتري الأرض الي حوالين البيت دي كلها بتراب الفلوس )
لقد صدقت للأسف ،،
تقدمت من الورشة التي أخبرتها عنها أم مجدي بالأمس لتجدها مغلقة ، زفرت بضيق وهي تفرك كفيها ببعضهما وبعينيها تطالع شرفات المنازل علّ حظها يسعفها وتجدها ، دقائق مرت بلا جدوى فالتفتت منتوية العودة وعندها وصلها صوت طفل على ما يبدو يركض من والدته وهي من خلفه تنادي بإسمه .. ارتطم بها جسد صغير جعلها تلتفت وهي تبتسم له ابتسامة لم تصل لعينيها ، قبضت والدته على ذراعه مؤنبة وهي تبتسم بحرج للسيدة الأكبر سناً قائلة  ،،،،
- " معذرة ،، هو دوماً كذلك عندما يتعلق الأمر بالذهاب للمدرسة "
بادلتها ام مي الإبتسام بتوتر لتنظر المرأة حولها وهي تسألها بفضول عندما لاحظت عيناها اللاتي تبحثان عن ضالتها بيأس ،،،،
- " أتبحثين عن أحدهم؟ "
- " أ أ آه هل تعلمين بنيتي أين تسكن السيدة أم مجدي "
أومأت لها ايجاباً وهي تعاود الإبتسام لتشير بيدها نحو شرفة بعينها  ،،،
- " تلك هي شقتها "
ثم أشارت لباب أحد البيوت وهي تستطرد ،،،
- " ستدلفين من تلك البوابة انها في الدور الأول ، أعتذر منكِ لن أستطيع إصطحابك حتى لا يتأخر عن مدرسته "
شكرتها بامتنان وهي تتقدم نحو المنزل بإصرار علها تستطيع انقاذ وحيدتها من ذاك المصير ،،،
***
لا تعلم كيف وصل بها الحال لما أجبرت الآن على فعله بينما تجلس الآن مرتجفة في صالة المنزل برفقة أم أيمن وذلك الرجل الذي أخبرتها بأنه سيساعد ابنتها ومساعده على ما يبدو .. نظرات الرجل للمكان مريبة وما أرعبها حقاً عيناه اللاتي تتركزان بين لحظة وأخرى على موضع بعينه وكأنه يرى ما لا يراه سواه !!
فتح باب المنزل لتلتفت أربعة أزواج من الأعين نحو مي التي توقفت وهي تطالعهم باستفهام ، لكزت أم مجدي والدتها في خاصرتها لتغتصب الأخيرة ابتسامة متوترة وهي تقول بينما تتحرك نحو باب المنزل لتغلقه ،،،،
- " ادخلي مي انها خالتك ام مجدي جارتنا "
تجاهلت تماماً كلمات والدتها بينما عيناها لم تحيدا عن ذلك الجالس على أحد المقاعد يطالعها بصمت ، سحبتها والدتها دون ان تستطيع ان تكسر تواصل نظراتها مع ذلك الجالس يرمقها بثبات ، جلست على المقعد المواجه له وبداخلها شعور بالنفور يتعاظم ومشاعر أخرى أقواها الغضب ، غضب لم تستطيع تفسيره وهي تحيد عنه بينما تسأل والدتها المرتبكة بحذر وهي تشير بعينيها نحوه ،،،
- " من هذا ؟ "
ابتلعت الأم غصة ألم وهي تبتعد مربتة على كتف ابنتها بإشفاق لم تستطيع كبحه لتحتل المقعد بجانب أم مجدي بدون كلمات .. أجفلت مي عندما وقف الرجل وبدأ في التحرك في اتجاهها ساحباً أحد المقاعد الخشبية ،، وضع المقعد أمامها وجلس عليه بهدوء أمام نظراتها المتشككة وذلك الصوت البعيد في أعماقها يخبرها بأن تبتعد عنه ، بحدة لا تعلم سببها وقفت وهي توجه حديثها لوالدتها التي ارتبكت لتهتف بينما ترمق أم مجدي التي شهقت وهي تتفل في صدها بغضب ،،،،
- " هل من الممكن أن أفهم من هذان الرجلان ؟ ما الذي يحدث هنا ؟ "
ابتلعت الأم ريقها ولسانها عاجز عن التفوه بحرف ، نطق الرجل أخيراً وهو يجذبها بعنف لتسقط على المقعد أمامه ،،،
- " ستعرفين الآن "
ثم بدأ يهمهم بكلمات لم تفهمها ولكنها بدأ تشعر بالحرارة تغزو جسدها ، عقلها يغلى بينما صوت الطنين في أذنيها يكاد يذهب عقلها .. جعدت بين حاجبيها بألم وهي تصرخ به واضعة يديها على إذنيها علها تهدئ من ذلك الطنين المزعج ولكن دون جدوى ،، جسدها يختض بقوة وأناملها تتحرك بسرعة وبشكل عشوائي .. عيناها بدأتا تستحيلان للون الأحمر تزامناً مع جحوظهما الواضح لترفع وجهها فجأة ترمق الرجل بغضب عارم لم يهتم به ،، فرقعة بإصبعه لم تفهم سببها تبعها شعورها بذراعان قويان يكبلان كلا ذراعيها خلف ظهرها .. أخذت تتحرك بعنف محاولة تخليص يديها من أسرهما ولكنه تابع التمتمة بصوت أعلى جعلها تشعر بأنها على وشك فقدان وعيها .. صرخة قوية أنطلقت حنجرتها كحيوان جريح تبعها سقوط رأسها على صدها فيما يبدو مفارقة للوعي ،، شهقت الأم وهي تمسك يد أم مجدي بينما عينيها ترمقانها بتساؤل أجابت عنها بحركة مطمئنة من رأسها رغم انها تلعن نفسها بداخلها على التورط في ذلك الأمر ،، صوت قوي لصفعة الرجل على وجنة ابنتها جعلت الأم تكتم فمها بكلتا يديها بينما عيناها تتسعان بذهول ، صفعة تلتها أخرى وأخرى بينما ابنتها لم تؤتي بأي رد فعل ،، طحنت أسنانها وهي تقف منتوية الصراخ على الرجل ودفعه لخارج المنزل الا ان صوت ضحكة ابنتها الغريبة من خلف شعرها الداكن الذي انساب على وجهها استوقفتها مشدوهة ،، جذبتها أم مجدي من معصمها لتعاود الجلوس بفاه مفروغ وعقل يجاهد لاستيعاب المشهد أمامها .. صفعة أخرى تبعها ارتفاع رأس مي لتستقر عيناها الحمراوان على ملامح الرجل وهي تحرك رأسها بهدوء مائلة للجانب وكأنها تتأمله بتقييم ، ثم هدرت بصوت غريب لا يشبه صوتها أبداً ،،،،
- " ادينفيرنوم ad infernum; "
( الى الجحيم )
لطمة أخرى على وجنتها تبعها بنبرته الغاضبة ،،،
- " انت مين وعاوز منها ايه "
نظرة ساخرة ارتسمت على ملامح مي جعلت السيدتان تقتربان بأجساد مرتجفة من بعضهما البعض وكأنهما يلتمسان الدعم من بعضهما لتتبعها بقولها ،،،،
- " سومنياموس Somniamus "
( لا تحلم )
طفح الغضب على ملامح الرجل من مماطلة ذلك اللعين الذي يصر على الحديث بلغته القديمة في تقرير واضح لعدم استجابته جعله يشتم ما بين أسنانه وهو يعيد همهماته بصوت قوي ارتجت له جدران المنزل من حوله قابلها الأخير الذي اكتفى بالإعلان عن وجوده بضحكة قبيحة ساخرة تبعها بفقدان مي للوعي مجدداً ،، الساعات تمضي ولا استجابة تذكر مما أصابه بالإحباط ولكنه في الأخير وقف بإنهاك وهو ينظر من فوق كتفه للفتاة التي على ما يبدو استنزفت ليميل على ام مجدي هامساً ،،،،،
- " غداً في الثانية عشر مساءً تحضريها المقابر ولا تنسي المبلغ المتفق عليه "
أومأت المرأة برعب وهي تحييه ومساعده الذي حل أخيراً وثاق مي ليهرع خلف سيده ،،،
رغم الرعب الذي كاد يقتلها حية الا انها كانت تتمزق لرؤية وحيدتها على تلك الشاكلة ، تلعن غبائها الذي جعلها ترفض الإصغاء لمخاوفها منذ وطأت أقدامهم أرض ذلك المنزل الملعون ،، تربيتة مؤازرة من كف أم مجدي انتزعتها من صخب أفكارها لتتساءل ،،،،
- " ماذا قال ؟ "
- " غداً سينتظرنا في المقابر ولا تنسي إحضار النقود التي طلبها "
ارتجفت الأم وهي تشعر بالبرودة تنتشر في أوصالها ولكن رغم ذلك تحاملت على نفسها وهي تومئ موافقة بينما تتلمس لا ارادياً الإسورة بيدها ،، أغمضت عينيها وهي تزفر بخفوت مبتهلة في سرها أن يمر الغد على خير

يوكاريست حيث تعيش القصص. اكتشف الآن