الفصل الخامس

595 55 2
                                    

وقفت على باب الغرفة تتأمل ابنتها النائمة بحزن يعتصر قلبها ، دموعها تنسكب على وجنتيها بسخاء وبصمت مطبق ، تخشى لو وصلها صوت بكائها أن تفيق ووقتها لا يعلم ما ستفعله الا الله وحده ،، تحركت مدفوعة بغريزتها الأمومية وهي تلاحظ تحرك جفنيها السريع مصحوباً بقطرات العرق التي بدأت تتجمع على جبهتها رغم برودة الطقس .. يد حازمة استوقفتها قبل أن تصل لفراش ابنتها لتلتفت مجفلة .. وضعت أم مجدى سبابتها على فمها مطالبة اياها بالصمت وهي تصحبها لخارج الغرفة قبل ان تغلق الباب بخفوت خلفهما ، تلك التي توسلتها ام مي البقاء لخوفها من المكوث وحيدة برفقة ابنتها !!
زفرت ام مجدي بخفوت وهي تضع يدها على خافقها هامسة ،،،
- " ما الذي تفعلينه يا ام مي "
- " لقد كانت ترى كابوساً لم أستطيع التحمل فقط أردت إيقاظها ... طمأنتها "
فسرت أم مي بتلعثم وهي تفرك كفيها ببعضهما بتوتر وحزن حفر أخاديده في أعماق قلبها لتربت أم مجدي على كتفها بمؤازرة ، تأمل فقط أن تمر تلك الليلة على خير وأن يقوم ذلك الرجل الذي طالما سمعت عن كراماته بحل مشكلة تلك البائسة ، صوت صرير باب غرفة إستوفقها عندما همت بالحديث .. سحبت صديقتها بخفة لتتواريان خلف أحد جدران المنزل وأعينهما تنظر بترقب لباب غرفة الإبنة المفتوح بينما هي تتحرك بآلية في طرقة المنزل ،، أجفلتا عندما ارتسمت ابتسامة شيطانية على فمها وهي تلتفت برأسها فجأة نحو مكانهما ، كتمتا شهقتهما ولكن الأمر لم يستمر .. التفتت مي مجدداً لتتابع طريقها دون اكتراث، صوت صرير آخر لباب غرفة علما يقيناً أيهم خاصة ومي لازالت في طريقها .... نحو الغرفة المغلقة على الدوام !!!
قفزتا فجأة عندما بدأت أضواء المنزل حولهما في التراقص ما بين النور والظلام لدقائق وبعدها عم السكون ،،،،
التفتت أم مي التي عاودتها نوبة البكاء بل يبدو وكأنها لم تفارقها من الأساس لتقول من بين دموعها ،،،
- " أرأيتِ ما يحدث لمي يا أم مجدي ، ماذا سنفعل الآن ؟ "
صمتت المرأة قليلاً بينما أصوات غريبة تأتيهم من خلف باب الغرفة المغلق .. عقلها عاجز عن التفكير والرعب التي ظنت نفسها قد تجاوزته بعد أحداث اليوم يثبت خطئها .. دقائق من التفكير قطعته فجأة وهي تقول بجدية ،،،،
- " لقد أخبرتني سابقاً أن الأمور قد هدأت تماماً عندما صدح صوت الآذان من هاتفك ... إحضريه بسرعة "
رمقتها أم مي بعدم فهم لوهلة قبل ان تتسعا عينيها بإدراك متأخر وهي تهرول نحو غرفتها .. عادت بعد لحظات تلهث وهي تفتح الهاتف على برنامج الآذان ثم ضغطت عدة ضغطات متتالية ليصدع صوت الآذان في المنزل .. صرخة من صوت غريب لا يشبه صوت ابنتها خرجت من الغرفة تبعها السكون التام ،،،،،
الدقائق تمر ومي لم تخرج بعد من الغرفة .. القلق يتآكلهم بلا هوادة ولكن أم مجدي قطعت دقائق الصمت وهي تقول بجسارة تحسد عليها ،،،،
- " هيا أم مي لنسمي الله ثم ندخل لنطمئن عليها "
- " أ أ نا خائفة "
- " سمي فقط بالله "
بخطوات حذرة اقتربتا من الغرفة .. وجيب قلوبهما يعلو والألسن تبتهل الى الله .. سحبت أم مجدي نفساً طويلاً قبل أن تزفره على مهل وهي تفتح باب الغرفة والذي انفتح بسهولة على غير المعتاد ، ضوء القمر الخافت الذي تسلل على استحياء من نافذة الغرفة الزجاجية تكفل بتوضيح المشهد أمام أعينهما المتسعة هلعاً .. مي مكومة على الأرض أمام الكتاب الغريب المفتوح وسط النجمة الخماسية المحاطة بالشموع السوداء كريهة الرائحة والتي على ما يبدو أطفئت من نفسها .. مالا على جسدها الفاقد للوعي وهم يحاولون رفعها عن الأرض بصعوبة بسبب ثقل جسدها مما اضطرهما لسحبها بصعوبة لخارج الغرفة وبمجرد تجاوزهم لبابها صفق خلفهم بحدة جعلت الجدران ترتج من حولهم ،،،،،
***
في اليوم التالي كانت مي طبيعية تماماً مما أثار تعجب المرأتان ولكن فضول أم مجدي التي على ما يبدو أصبحت صديقة والدتها المقربة جعلها تسألها بحذر ،،،،
- " هل انتِ بخير حبيبتي ؟ "
نظرت لها مي بابتسامة ودود وهي تجيب ببساطة ،،،
- " نعم خالتي أنا بخير ماذا هناك ؟ "
لا يبدو عليها أنها تتذكر أحداث ليلتها السابقة ،، لقد أخبرتها أم مي بالفعل إنها بعد تلك النوبات المتفرقة والفجائية التي تصيبها لا تذكر شيئاً عندما تعود لطبيعتها وها هي مي تثبت بما لا يترك مجالاً للشك أنها بالفعل لا تذكر أهوال ليلتها السابقة ،، الساعات تمضي ببطء شديد والأمور تبدو في ظاهرها طبيعية ولكن بداخل كل منهن مشاعرها الخاصة ، فأم مي تتمنى مرور الوقت حتى تنتهي تلك المأساه على خير وأم مجدي تشعر بالخوف من القادم وترجو أن يكون ذلك الشيخ الذي تطوعت بإحضاره قادرٍ على شفاء تلك المسكينة بينما مي تشعر بالتوتر لزيارة صديقة والدتها الأخرى والتي أصرت على إصطحابها لزيارتها متعللة بانها تمتلك ابنة في نفس عمرها تريدها أن تتعرف عليها ،،،،،،
***
كانت أم مي ترمق ابنتها بين لحظة وأخرى بقلق بينما كانت أم مجدي التي تجاور سائق سيارة الأجرة تطالعهما في المرآة بصمت .. تحاول طمأنة السيدة بنظراتها بقدر استطاعتها رغم تخوفها من القادم والذي برغم سنوات عمرها التي تجاوزت الستون لم تختبره سابقاً .. توقفت سيارة الأجرة أخيراً بينما لم تغفل الأم عن إجفال ابنتها التي على ما يبدو قبضها شكل المقابر بينما أزكمت أنفها رائحة الموت التي تنبعث حولهم .. ربتت أم مي على ذراعها الذي أمسكته وهي تقول بينما تلاحظ اقتراب الرجل بصحبة مساعده وشخص آخر يرتدي جلباب بسيط مهرولاً خلفهما ،،،،
- " لا تخافي ستكون بخير"
- " ما الذي أتى بنا الى هنا، لا يوجد منازل قريبة أمي هل تنتوين زيارة المقابر في ذلك الوقت ؟ "
معها كل الحق فالساعة قد تجاوزت العاشرة ولولا خوفها من رد فعل ابنتها ان علمت سابقاً وجهتهم لكانت أخبرتها بالتأكيد .. لذا ربتت على ذراعها وهي تقول بخفوت حذر ،،،،،
- " انتِ مريضة حبيبتي .. أعلم انكِ لا تذكرين شيئاً مما يحدث لكِ ولكنكِ في الفترة الأخيرة صار يحدث معكِ العديد من الأمور الغريبة وهذا الرجل سيساعدك فلا تخافي"
عقدت بين حاجبيها للحظة بعدم فهم ثم سرعان ما اتسعتا حدقتاها بادراك وعقلها يسترجع الأحداث السابقة كومضات مؤذية ، الغرفة المغلقة ، صورتها ، الكتاب الغريب وكلماته الأكثر غرابة ، الهمس المرعب في أذنها وشعورها الدائم بأن أحدهم حولها ، وأخيراً الكوابيس اللعينة التي تهاجمها مؤخراً والتي أصبحت أكثر شراسة من السابق .. رجفة انتشرت على طول عمودها الفقري لم تغفل عنها والدتها وقبل ان تتكلم أتاها صوت الرجل يقول بحزم ،،،،
- " اتبعوني "
نظرت الأم لابنتها وهي تتوقع ثورة ، انفعال أو ربما رفضاً قاطعاً ولكن لدهشتها لم يحدث أياً من ذلك فقط أطرقت مي برأسها وهي تتبع خطواتهم باستسلام تام ،،،،
توقف الرجل أمام قبر مفتوح لتسمع أم مي همهمات أم مجدي التي بدت فزعة رغم ثباتها الفترة السابقة وهي تستعيذ بالله في سرها .. أشار الرجل لمي بالتقدم وهو يقول بعملية ،،،،
- " ستنزلين للقبر ثم تدورين حول الكفن سبع مرات وانتِ مغمضة العينين "
اتسعتا عينا مي بخوف وهي تقول بتأتأة من بين أنفاسها اللاهثة ،،،،
- " ه ه هل س س أنزل و و حيدي ! "
أومأ الرجل ايجاباً بعد ان استطاع بصعوبة تفسير جملتها بينما قبضت أم مي على ذراع صديقتها وهي تميل عليها هامسة بذعر ،،،،
- " ماذا وحدها !! قد تموت هلعاً هناك "
حاولت ام مجدي اصطناع ثبات زائف ولكن رعشتها فضحت توترها الذي يوازي الأخيرة وهي تقول ،،،،
- " الرجل يعلم جيداً ما يفعله لن يضرها أو يضر نفسه إذا ما حدث لها شئ هناك "
لاذت الأم بالصمت وهي ترمق ابنتها التي سحبها الرجل الآن من ذراعها بينما ترمقها من فوق كتفها برجاء غير منطوق .. أشاحت الأم ببصرها و تلك القبضة الباردة التي تعتصر قلبها لم ترحمها .. كادت مي أن تبكي وهي تتبع خطى الرجل الأكبر سناً .. تطالع ظهره المقابل لها بخوف وصوت من أعماقها يأمرها بالركض الا انها تجاهلته تماماً .. ابتلعت ريقها عندما أشار لها وهو يقول بنبرة شبه آمرة ،،،،
- " انزلي وكما أخبرتك واياً كان ما سيحدث حولك حذاري ان تفتحي عينيكِ "
أومأت بطاعة غريبة حتى على نفسها .. لو تلك هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كوابيسها الدائمة فستتحمل .. احتضنت ام مي ذراع صديقتها بخوف وهي تتابع نزول ابنتها درجات السلم على الضوء الخافت من المصباح الذي حمله الدفان على ما يبدو حتى اختفت من أمامهم .. لسانها يبتهل لله أن ينجي وحيدتها بينما تشاركها الأخرى الدعاء .. دقيقة مرت فالثانية لتشق سكون الأجواء الرتيب صرخة مدوية زلزلت الأرض من تحتها وأفقدت الجميع اتزانهم وقد أدركوا دون التباس لمن تكون !!!!

يوكاريست حيث تعيش القصص. اكتشف الآن