الأيام تمر ثقيلة على أم مي التي لا تعرف للآن سبيلاً لإنقاذ ابنتها .. حالها الذي يزداد سوءاً بمرور الأيام ولولا وجود أم مجدي التي أصرت بنفسها على أن تنتقل للبقاء برفقتها لا تدري ماذا كان ليصيبها هي الأخرى ، وكم كانت ممتنة لسفر ابن الأخيرة للعمل في إحدى الدول العربية في ذلك الحين .. تنهدت بخفوت وهي تطفئ النيران على الطعام الذي إحترق بينما هي شاردة في عالمها الخاص ليأتيها صوت أم مجدي التي هرعت نحوها عندما وصلتها الرائحة المزعجة وهي تقول بإشفاق عندما طالعت الطعام ،،،،
- " قلت لكِ اتركي ما بيدك سأقوم أنا بالطهي فانا لم أعد ضيفة "
ترنحت في وقفتها وهي تمسك برأسها لتسندها صديقتها وهي تقول بتعاطف وهي تتحرك برفقتها لخارج المطبخ ،،،،
- " هيا ارتاحي الآن وأنا سأعده بعد قليل، استريحي "
إستندت أم مي على ظهر المقعد الذي أجلستها عليه صديقتها وهي تقول بصوت بالكاد خرج ثابتاً ،،،،
- " ماذا أفعل يا أم مجدي، لقد صار لها أكثر من شهرين وحالتها لا تتحسن، انها تذبل أمام عيناي يوماً بعد يوم ولا أحد من الشيوخ قادر على علاجها "
ثم اعتصرت عينيها وهي تعود لذلك اليوم الذي شقت فيه صرخة ابنتها سكون الليل وهدوء المقابر ،،،،،
الصرخة كانت مدوية ، مرتعبة ولكنها تخشبت فجأة من الخوف غير قادرة على الحراك .. دقيقة كاملة كانت وكأنها خرجت من الزمن والمكان لتقف وحيدة في مكان موحش ، مقفر الا من صرخات وحيدتها .. سحبة سريعة لذراعها من أم مجدي دفعتها للتحرك لاحقة بالرجال لتقف على فتحة القبر تحاول السيطرة على ترنحها المفاجئ، وعلى ضوء المصباح الذي يحمله الدفان استطاعت رؤية ابنتها ملتصقة بجدار القبر من الداخل وهي تصرخ .. تحرك رأسها بنفي وهي تتمتم ،،،،،
- " الصوووت ،، صوووت مخيييف و و هناك يد أمسكت بقدمي ،،، لا لا أريد أن أعود للمنزل، لا أريد العلاج سيقتلوني "
ثم اندفعت تدفعهم أمامها وهي تخرج راكضة رغم ترنحها الواضح لخارج القبر لترتمي على صدر والدتها التي وازنت نفسها بصعوبة وهي تلقفتها بانشداه مربتة على شعرها بآلية ،، تستمع بصمت لشهقاتها المتقطعة وهي تهمهم بكلمات لم تفهمها الأخيرة ولكنها تستشعرها بقلبها تمزق أحشائها .. بعدها لم يتحسن حال ابنتها بل ساء بشكل مفزع حتى اضطرت لحبسها في غرفتها بعد أن أصبحت عنيفة للغاية وكأن تلك الزيارة كانت حافز لأياً ما كان يحدث لابنتها .. صرخة مدوية أجفلتهما ليتبادلا النظرات قبل ان تندفعا نحو مصدر الصوت الذي لم يكن سوى غرفة مي !!!
بأنامل مرتعشة التقطت نظرة ام مجدي المرتعبة نحوها وهي تحرك رأسها نفياً في محاولة واهنة لإثنائها عن فتح باب الغرفة ولكن قلبها ، أمومتها التي تتوسلها الإطمئنان على وحيدتها جعلتها تبتلع ريقها وهي تتجاهل كل تحذيرات العقل لتدير المفتاح في باب الغرفة .. تأملت الفراش الخالي من ابنتها بوجل وهي تدلف للغرفة بخطوات حذرة قبل ان ترتد للخلف مجفلة وهي تلتصق بأم مجدي التي كانت متمسكة بساعدها بينما تحتمي بظهرها المقابل لها عندما وجدتها بجوار الفراش من الجانب الآخر ، جسدها معقوص بطريقة يراها الناظر وكأن جسدها قد أصبح رخواً خالياً من العظام مقلوبة على ظهرها ولكن جسدها يرتفع عن الأرض بينما أطرافها مثنية بشكل مفزع وعيناها سوداوان تماماً تناظرهما بغضب بينما افترقت شفتيها عن ابتسامة مرعبة تبدو كنوع من الوعيد من صوت إصطكاك أسنانها ببعضهما بغضب واضح .. ابتلعت ام مي ريقها بينما تحاول ام مجدي سحبها من ذراعها برجاء ولكنها كانت وكأنها قد زرعت في أرضها لم تقوى على تحريك عضلة واحدة .. بدأت مي تلتف حول نفسها ببطء لتجلس على أطرافها كحيوان بري مفترس قبل ان تقف دفعة واحدة بحركة مباغتة .. اندفعت ام مجدي لخارج الغرفة ساحبة صديقتها بينما كانت الفتاة تتحرك بثبات في اثرهما .. طرقات على باب الشقة جعلت مي تلتفت بسرعة نحوهم وهي تقول بصوت ليس لها ،،،،،
- " لن تستطيعوا مساعدتها "
ثم أخذت تضحك بهيستيريا وبصوت مرتفع تزامناً مع الطرقات على باب المنزل التي أصبحت أكثر عنفاً الآن .. ابتعدت أم مجدي التي تخلصت أخيراً من جمودها صارخة نحو الباب وقبل أن تصله .. اندفع رجلان أحدهما تعرفتا عليه السيدتان المرتعبتان المنكمشتان على أنفسهما الآن .. انه اخر دجال حاول مع مي ولكنه فشل كالبقية .. الرجل من خلفه كان يبدو راقياً بملابسه المهندمة وتلك النظارات الطبية الأنيقة التي تتوسد أعلى أنفه .. تجاهل الرجل نظراتهم المتسائلة وهو يتوجه نحو مي بخطى واثقة، متمتماً بكلمات مبهمة بحذر قبل أن يقترب وعيناه لا تفارقا عينا الأخيرة ،، دقائق لم يقطع تواصل نظراته عنها حتى وقف تماماً أمامها وهو يضرب قمة رأسها قائلاً بصوت خفيض ،،،،
- " نامي "
وقبل أن تسقط على الأرض استجابة لأمره وأمام النظرات الذاهلة حوله من الجميع حملها وهو يتحرك قائلاً من فوق كتفه ،،،،
- " أين غرفتها ؟ "
لم تستطيع احداهما الحركة او التفوه ببنت شفه وعندها اندفع الآخر نحوه وقد افاق من ذهوله ليشير له نحو الطريق للغرفة
***
بعد أن وضعها في فراشها أغلق الباب بالمفتاح الذي تركته والدتها سلفاً في باب الغرفة وهو يتحرك نحو بهو المنزل .. عيناه كانتا تدوران في المكان بفضول جعل ام مي تنقل بصرها بينه وبين باب الشقة المكسور ليقاطعها وهو يرفع يده قائلاً بينما يشير بعينيه نحو الغرفة الملعونة ،،،،،
- " تلك هي الغرفة أليس كذلك ؟ "
تبادلت ام مي النظرات مع صديقتها ثم عادت بنظراتها نحوه وهي تومئ ايجاباً دون كلمات .. وعندما تحرك مبتعداً قبضت ام مجدي على ذراع الرجل الآخر الذي كاد أن يتبعه وهي تقول من بين أسنانها ،،،،،
- " ما الذي يحدث ومن هذا الرجل ؟ "
ظهر الحرج على ملامح الرجل ولكنه قال بجدية أخيراً بعد لحظة صمت طويلة ،،،،،
- " انه الدكتور لبيب، عالم الماورائيات، لقد عملت معه لفترة وأخبرته بقصة الفتاة فأصر أن يراها بنفسه، عندما طرقنا الباب ولم يجب أحد كدنا أن نعود أدراجنا، ولكن صوت الصراخ جعله يطلب مني كسر الباب وهكذا فعلت، لو هناك من من الممكن أن يساعدكم سيكون بالتأكيد ذلك الرجل "
تركت ام مجدي ذراعه وهو تعود بوجهها نحو ام مي التي رغم اختفاء الدماء من وجهها الا انها اومأت بصمت قبل ان تتحرك نحو الممر الذي اختفى به الرجل الغامض منذ قليل ،،،،
وقفوا خلفه وهو يتلمس باب الغرفة وكأنه يحاول ايجاد سبيل لدلوفها ولكنه لم يوجه لأحدهم الحديث أو السؤال ، لم يستطيع أحد كذلك الحديث الجميع يتابع بترقب .. وبينما الصمت المهيب يسود الأجواء أخذ الرجل يتمتم بعدة كلمات مغمضاً عينيه قبل ان يفتحهما وهو يبتسم عندما سمع صوت الباب يفتح ذاتياً !!!
كان الجميع يتابع بصمت تفحصه للغرفة قاطعه وهو يعقد بين حاجبيه قائلاً بعملية ،،،،
- " الطاقة الموجودة بهذا المنزل تنبعث بكثافة من تلك الغرفة "
ثم التفت ليواجه السيدتان وهو يقول ،،،،
- " من الذي كان يسكن هنا قبلكم ؟ "
ابتلعت ام مي ريقها بتوتر قبل ان تقول بصوت بالكاد وصله ،،،،،
- " و والد زوجي "
عقد الدكتور لبيب بين حاجبيه وهو يسألها بشك ،،،،
- " وهل كان لوالد زوجك علاقة بالتحضير والسحر الأسود ؟ "
أومأت ايجاباً دون ان تستطيع الحديث .. اغمض عينيه للحظات وهو يتمتم ببضع كلمات خافتة ثم فتحهما دفعة واحدة وهو يلتفت نحو المكتبة في نهاية الغرفة .. تقدم بخطوات ثابتة يتفحص محتوياتها ، العديد من الكتب والمجلدات جميعها عن السحر وطرق التحضير ولكنه توقف عندما لفت نظره الكتاب المألوف .. أسرع بسحبه من مكانه بعينان متسعتان وهو يقول بذهول ،،،،
- " غير معقووول "
السؤال لاح بالأعين المحدقة به بانشداه ولكن صوت الرجل الآخر قطع الصمت وهو يسأل بفضول لم يستطيع السيطرة عليه ،،،،
- " ماذا هناك ؟ "
- " هذا الكتاب محظور، في الواقع جميع نسخه قد تم جمعها وحرقها ماعدا نسخة أو اثنتان وخارج مصر، كيف وصل له !!!! "
عقد الرجل بين حاجبيه بعدم فهم ولكنه لم يستطيع كبح فضوله وهو يقول مشيراً بعينيه نحو الكتاب الذي يقلبه لبيب بين يديه الآن ،،،،
- " ما هذا الكتاب يا دكتور ؟ "
رفع الرجل عينيه عن الكتاب يتفحص الوجوه حوله لدقيقة كاملة قبل ان يقول بتقرير ،،،،،
- " كتاب شمس المعارف الكبرى الأصلي "