أبعدَ الستائِرَ الشذرية المنسدلة على النافِذة, أحسَ بالصقيعِ كشظايا يتسلقُ بشرتَهُ بلمحٍ من بصر, كان البردَ بأوج جسارتِهِ يحاولُ اختراقَ حُرمَةَ الغُرفة, التي لم تكُن تتسِم بدفءٍ يذكر على أيةِ حالٍ.
ضمَ كفيهِ لثانية يوازِنُ حرارتهما قُربَ وجهِه, ثمَ أبعدهُما يزفِرُ بتهدج كأثرٍ للبرودة المستوطنة في المكان. في هذا النُزُلِ القديم آثرَ البقاء, و دونَ تلفيقٍ, هذا النزُلُ لم يكُن سوى خيارك الوحيد عندما تفكِرُ يوماً بجرِ بدنِكَ إلى هذهِ المدينة الضامرة. عندما وصلَ القطار بهِ إلى هنا, و كمعلومةٍ غير ضرورية, وصلَ هنا بعدَ أن غادَرَ جميعُ الراكبين الستة في محطاتٍ قبلَ وجهَتِه. كانَ من السهلِ عليه استبصارُ طريقِهِ خارج محطةِ القطار, ومن السهلِ أكثرَ ملاحظةُ النزُلِ من الأفق, فقد كانَ يشخصُ باختلافٍ عن المباني المحيطة بهِ, وكأنهُ تِلك القصة الملونة بين صحفٍ رماية وسوداء. بتفاصيلٍ أجنبية أكثر, وشقوقٍ أقلَ بكثيرِ في طلائه, كانَ أطولَ ببضعِ أمتارٍ أيضاً, ورغمَ اختلافِهِ عن باقي مباني المدينة, إلا أنكَ ستدركُ بأن كل هذا لم يكُن سوى مظهرٍ فارغ حالما تطأ بقدمِك أرض المكان وتكتشِف اختلال مصداقيته.
كانَ موظفُ الاستقبالِ يحملُ في جوفِهِ ضجراً عظيماً ونبرة صوتٍ جافة ستشعرُك بانكَ أحمقٌ تائه حتى لو بلغتَ من النباغة القمم, السلالمُ تحدِثُ صريراً في كلِ مرة تركِزُ وزنَكَ عليها وكأنها ستهوي بِكَ من الإجهاد في أي لحظة, لا يوجدُ مصعدٌ, وأثاثُ الغرفِ الرتيب عليه بعضُ الغبارِ المتراكم وكأنَ احدهُم لم ينظِفهُ من أشهر, بدا هذا منطقياً إذ لم يكُن هناك أيُ نزلاءٍ يأتونَ هنا عادة, وكختامٍ لكلِ تِلك المميزاتِ الآسرة للبّ, لم يكُن هناك تدفئة مركزية, لذا سيكونُ عليكَ التكورُ على نفسك طول الليل حتى لا تستيقِظ نهاراً والسقمُ يثقِلُ كاهلَك.
ومع جميعِ تلكَ الأمور التي لا تمتُ إلى صلةٍ بأي شيءٍ متعلق بإجازة, هو كانَ راضياً تمامًا, لم يزعِجهُ الصرير أو خدمة الغرفِ السيئة أو حتى لسعاتُ الألمِ على يديه عندما اضطر لحملِ حقيبتِهِ إلى الطابِقِ الثالث. جميعُ ذلِك لم يكدِر برودةَ خوالجِهِ ولو ثانية, بل كانَ مقراً من أن كُل هذا جزءٌ ضئيل من الصورة الكبيرة, من بحثِهِ المجهول ذاك.
في التاسعة صباحاً وبعدَ أن كانَ قد أمضى ساعة كاملة مستيقظاً في غرفتِه, قررَ مغادرةَ المكانَ للسيرِ في المدينة, وضعَ لباسهُ من البارحة على جسدِهِ ثانية ولكِن أضافَ معطفاً اسودَ كانَ أولَ ما امتثلَ في عينيه عندما فتحَ حقيبتهُ باحثاً. مغادراً من البابِ الأمامي للمكانَ لم يلقي تحية الصباح, لم يكُن هناكَ أحدٌ ليرد عليه على كلِ حالٍ. داعبَت خواطرَهُ فكرةِ السؤالِ عن موعدِ الفطور, هذا إن كان يقدمُ هنا, لكنهُ غيرَ رأيهُ نهاية. لم يكُن جوعُهُ مُلحاً إذ كان قد لقمَ كيساً من حلوى الموز والشكولاتة في غرفتِه حالمَا استيقظ, لذا وجدَ من الذكي تجنبُ إحراجِ نفسِهِ ثانية عند موظف الاستقبال. يمكِنُهُ الصمود حتى يجدَ مطعماً أو متجَرَ بقالة في مطرحٍ ما.
أنت تقرأ
Juvenile | يافع
Short Storyطوبى للشتاتِ بيننا، بئساً لقلبي الأعجف. أركاديا, حيث يذهب جونغكوك باحثًا عن شيءٍ ما,عن معنًا ما, وعن فهمِ لأمرٍ ما في دواخله. -جونغكوك E: 040220 Cover by: @designsoliders