رملَ يحثُ المسيرة متخطيًا الحافة الفاصلة بين أرضِ القطار المهتزة والأخرى الخاصة بالمحطة. الأجواء رحيمة كنوعٍ من الترحيب عكس الذكرى الأخيرة لهُ عنها هنا, والمكان مكتظٌ بكمٍ هائل من الوجوه, عددٍ لم يقترن مع نظره منذُ مدة ليست بهينة.
ثوانٍ من تقليب عينيه يمنة ويسرى حتى تراءى لهُ جسدُ مقتضب البنية, وجهُ تلونَ برقة بعبق الزمن, وأعينٌ بأجفانٍ متهدلة تأسرُ أعينٌا دافئة, دافئة إلى حدٍ هدَجَ خوالجه ورفعَ في صدرِه نحيبًا مكبوتًا من الشوق.
"افتقدتُك صغيري."
همست والدتُه في عنقه عندما احتضنها على عجل. بطيشٍ دثرَ حقيبته على الأرض ورمى ذراعيهِ على كتفيها ثم ظهرها قاطعًا النور عن عينيه. حتى هي توسعت أنظارها من فعلِه الذي خالف طبعَهُ المتحفظ.قادتهُ إلى سيارتها التي تركت خارج المحطة. وقد كانت لا تزالُ غير نظيفة وبذاتِ الخدش على الباب الأيمن الذي لم تصلحه بعد. دون تفكير وضع بدنهُ في المقاعد الخلفية بعد تثبيتِ حقيبته في الخلف. لم تناقش والدته أو حتى تذكر الأمر عندما أدارت المفاتيح مشغلةً المحرك. فكما كانت رحلةُ الذهاب قبلًا في المقاعد الخلفية, تفهمت رحلة العودة كذلك.
رانَ طيفُ الصمتِ للفترة البادئة من الرحلة, أخذ يعبثُ بأصابعِه عندما باغتها الفراغُ من حمل أي شيءٍ, وأعيُنُه تلاحقُ الأشجار المتسابقة مع السيارة بصبيانية خارجًا.
شغلت والدتهُ راديو السيارة عندما توقفت حركتهما عند إشارة مرور, راغَ إليه بوضوحٍ يشتد نغمٌ ما كلما رفعت والدتُه الصوت حتى ناسبها علوه. خمسُ ثوانٍ ربما هي كلُ ما أخذه الأمر ليألفه وتعصِفَ بهِ ذكراه.
"ذكريات الماضي, فريدريك شوبان."
تمتم و بالكادِ هناكَ أيُ صوتٍ يسنِدُ أحرفه, ولكن وبطريقة ما أمسكت والدتُه خيط الحديث الرقيق."تعرِفُها؟"
تساءَلت تحدق ناحه عبر المرآة فوق رأسِها.
"لا بد بأن هذه القناة معطلة فهذا كلُ ما يصدعُ منها طول اليوم. أتعلمُ أنني وضعتُ المسجل على هذه القناة أولَ مرة عندما أقللتُك إلى محطة القطارات؟ وهم لم يتوقفوا عن تشغيلها منذُ ذاك الحين."كانّ دوره ليعلق انتباهه بها عبر المرآة, كانت هي قد أعادت نظرها إلى الطريق. لا يذكرُ بتاتًا سماعَ أي شيءٍ في دربِ البداية لرحلته عندما كان في هذه السيارة الضيقة.
"كنتُ أكسلَ من تغيير القناة منذُ ذاك الحين صدقًا."
استضحكت بخوت وهي تدورُ المقبض.لم يردف بالمزيد رغم ما خالجه من استنكار, سحب تركيزه إلى السيارة. يبدو أن لا أحد احتلَ المقاعد الخلفية منذُ يوم أقلته إذ أن حتى الكتاب الذي ترك هناك لم يتحرك حتى ولا يزالُ مقلوبًا على وجهه.
أنت تقرأ
Juvenile | يافع
Short Storyطوبى للشتاتِ بيننا، بئساً لقلبي الأعجف. أركاديا, حيث يذهب جونغكوك باحثًا عن شيءٍ ما,عن معنًا ما, وعن فهمِ لأمرٍ ما في دواخله. -جونغكوك E: 040220 Cover by: @designsoliders