٤-رسالة الرمال.

463 51 109
                                    

ينثر شهقاته في غبشة الليل، والذي عن جانبه يزفر ضيق الأنفاس في رئتيه. البحرُ يرقدُ مهيباً أمامهما, يبتلعُ الهواء, قليل الكلام, وكل ما بينهما.

"توقف عن البكاء! حتى لو اعتكفت هنا قروناً تبكي عينيك حتى تصبح كفيفاً لما تغير شيء!"
فكت كلماتُه قيد اللسان وفرَت, منقبضة وقاسية كما لم يرد.

أنت لا تفهم! لن يمكنك أبداً الفهم!"
عمت فوضى حولهما من الأحرف والنشيج.

"حسناً! لربما لا أفهم! ولكن أصدقني القول أن نحيبك هذا لن يأثرَ من بؤسك!"
حاولَ شذب نبرته, لم يكن حتى يقصدُ الثوران, الخطبُ هو أن صوت البكاءَ يزحفُ على أعصابه ويشوش تفكيره.

آثرَ الطرفُ الثاني الصمت, لكن لا السكون. بدا واضحاً مجاهدته ذعف مشاعره وحرارة شهقاته, لكن استمرَت جلجلة صوت البؤس حتى وقتٍ متأخر تلك الليلة.

•••••••

عندما استيقظ في اليوم التالي كان البردُ يكتنزُ أكبرَ نصيبٍ من وجوده كالعادة. لحق الجوع بأفعاله حتى أكلَ ما ابتاع البارحة. قرر المكوثُ في غرفته لفترةٍ أطول. سحبَ قدميه إلى إطار النافذة المطلِ على امتدادِ المدينة, ضمهما إليه يعصرُ أربطته في غير راحة , راجحاً الدفء على سلامة أطرافه.

نخر صوت مضغ الحلوى تجويف رأسه وقد أسندَ جبينه إلى النافذة. ها هنا وفي عنوة اللحظة أدرك كونه مضللاً عن رغبته الأخيرة.

لم يعلم ما عليه فعله اليوم, قد يعيد زيارة البحر و يسير في الأرجاء, ولكن أكثرَ ما بدا مضنٍ في الإلحاح هو زيارة المطعم المغبر كرةً أخرى. لم يرد من خيبة فراغه أن تعاود الزيارة, لكن إن لم يحاول فلا طريق أخرَ للمعرفة. كان بحقٍ محتاجاً إلى وجبة طبيعية تملأَ جدران معدته دائمة الاحتكاك والتذمر.

رتبَ ما يطالُ من حوله وغير ملابسه قبل أن يغادر غرفته ثم النُزُل كأجمع. وأخذَ يسيرُ دونَ ظلفٍ واحد أكيد في أرجاء المدينة.

مرَ على بعضٍ من الأماكن في هذا اليوم, بدأً بالمطعم والذي أمضى طول الطريق يصلي في صدره رجاءً لإبصار حركة من وراءِ زجاجه المغبر. ولحسن حظه قد فعل.

استقبلهُ تايهيونغ بذات التفاصيل الملولة المنثورة على بشرته السمراء. وكأنهُ لم يكُن فقيداً البراحة. لم يرتعش حتى مع شفيف الريح الباردة التي انسلت مع دخوله المتطفل, لكنه طلب بجفاء أن يسارع بإغلاق الباب.

بقي هادئاً في المجلس الذي اتخذَ حتى عندما تراجع تايهيونغ من مكانه واختفى من مدخلٍ وراء المنضدة, وكالمرة السابقة عاد بطعامٍ هو لم يحدد, ولكنه أحنى برأسه كشكرٍ مكتوم للأسمر على أية حال.

Juvenile | يافعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن