الحادي عشر
رأيكم أسـقـيتكَ الـشـهدَ لـكـنْ بـتَّ تـسكبُني
من دونِ ذنبٍ وتسقي اليأسَ شريانيوكـنـتُ أدفــعُ عـنـكَ الـحـزنَ مـجـتهداً
فــعـدتَ تـنـفـخُ فــي نـيـرانِ أحـزانـيكــم انـتـظرتُكَ أنْ تــروي ظـما كـبديْ
وأنْ تـــداويَ جــرحـي أيـهـا الـجـانيمــا كــانَ ضــرّكَ لـو أبـقيتَ صـحبتنا
وكـــنـــتَ جـــنـــةَ آمــــــالٍ وريـــحــانِاذهــب فـمـا عُــدتَ ظــلاً أسـتريحُ بـهِ
مــا كـنـتَ إلا سـحـاباً فــي حـزيـرانِ#منقول
نوبه من الصمت اجتابته ،عقله يصارع وقلبه يُنازع دقات تريد ،ترغب ،تتمنى،… ..ظل بحجرته ما بين خواطره ورسوماته ،يصارع بين نعيم الجنه وجحيم النار… ..لينتهي بقرار حاسم…
أنه لا يُريدها فلتفعل ما تشاء فهو لم يحافظ على قلبه البكر من الحب لتكن تلك القاسية قليلة الحياء نصيباً لقلب يبحث عن الحب .
سيساعدها لأجل عمه رحمة الله عليه ولأجل والدتها صديقة والدته المقربة بل أمه الثانية… لكنه حرمها على قلبه… .
طرقات انتشلته من دوامات التفكير التي ابتلعته منذ أن آتى… ليسمح للطارق بالدخول… لتكن رحمة اسماً على مسمى
وقفت على الباب تتطلع له بقلق يهز نظراتها ،لتهمس بقلق لا تُخفيه نبرتها المرتعشه
-مالك يا ابني ..؟من ساعة ما جيت وأنت قافل على نفسك يا قاسم ومأكلتش .
ابتسامة دافئة رسمها قاسم على وجهه لينهض قاطعًا المسافه الفاصلة بينهم ،يُخبأ حزنه خلاف ملامحه الجامدة
-أنا كويس يا مرات عمي بس برتب شغلي .
تقدمت رحمة تربت على كتفه وبعينيها الف سؤال يحفه الأمتنان لتهمس بنبرة ملبدة ببدايه بكاء
-ربنا معاك… .متشكرة علشان الي عملته مع ياسمين يا قاسم ،..ثم رفعت ذراعها وحاولت خلع أحدى اساورها الذهبية ،قائلة
-خد دي يا ابني… بدال الفلوس .
قبض قاسم على كفها التي تتحرك على ذراعها .قائلا بنظرات حاسمة ونبرة مُحتدة بعض الشئ
-أنتِ بتعملي ايه… ؟… .بتشتميني..كده للدرجادي شيفاني قليل .
انتفضت ترمقة بنظرات مُستنكرة تدفع بها اتهامة لتهتف بحنو
-لا يا ابني دا أنت كبير… كبير قوي
ابتسم قاسم مُردداً بإبتسامة لم تتعدى حدود شفتيه
-خلاص ،يبقا متعملهاش تاني يا أمي .
اتسعت عيناها بدهشة
-ليتابع بيقين وهو يتقدم مُقبلا رأسها
-أنتِ أمي… واسمحيلي أناديكي أمي… تنهيدة كادت تمزق اضلعه حزناً ليسترسل بجمود
-وياسمين أختي وعلي .
وأد بكلماته أملًا ،كان ينازع ليطفو فوق احاسيسه…
لم تكن هي بأقل حزناً فلم يوأد بكلماته مشاعر وليدة لكن وأد املًا بداخلها… في أن تحظى طفلتها بقلب قاسم حتى ترتاح .
نظر قاسم للأساور هامساً بعتب
-عايزه تقلعي هدية عمي ،دا أنا منساش فرحته وهو واخدني معاه نشتريها ..يومها قالي وهو ماسكهم
(ذهبا يرتدي ذهب فيستحيل الذهب حديداً مع قلب كالماس )
ضغط بكلماته على ذكرى يلمع وهجها بالقلب كالجمر لتنهمر دموعها بغزارة .
هتف بإصرار وتحذيراً ليناً
-طول ما أنا عايش يا رحمة القلوب ،مش هتقلعيهم مش هتنزعي ذكرى طبيب القلوب من قلبك وايدك .
ضحكت هامسة من بين دموعها
-طبيب القلوب ،لسه فاكر يا قاسم… ؟
ضحك مشاكساً وهو يداعب لمعات عينيها المتألقه بالذكرى
-أنتِ كنتي بنت الشيخ الكبير ولقبك كان راحة القلوب وعمي كان شيخ المسجد الطيب الكريم وكان أهل المكان بينادوه بطبيب القلوب .مفيش حد كان يقصدة بقلب مجروح الا ويرده شافي معافي… بريق دموع لاح بعينيه ليهتف موارياً حزنه
-وحشني الكلام معاه ،
همست وهي تنتزع اقدامها ،
-روحله وكلمة يا قاسم ،صدقني هتشوفه يا ابني ..
القت جملتها وغادرت فقاسم يضغط بقوة ويُذكرها بما يعكف الجميع على محوه من ذاكرتها دخلت حجرتها تسيطر على ارتعاشة شوقها لترن بأذنها كلماته .بل آخر كلمات ملأ بحرارتها أذنها
-لما تشتاقي للشيخ ،اتوضي وصلي وادعيلي يامَنية القلب… .هتلاقي أنفاسي بتملا صدرك ....همشي بس رحمة زي ما كانت رحمة لازم تكون سيف للحق وسوُط عذاب للي يهينها ويهين ولادها… سايب راجل يامَنية القلب .
بللت موضع سجودها بدموعها ،دعت ودعت ودعت حتى جف حلقها ،لتجلس بعدها وترفع مصحفه رفيق دربها وتقرأ ما تيسر من القرآن الكريم .
********************
اصطدم بها في طريق خروجه ،فأشاح برأسه غاضاً بصره ..
هتفت وهي تتخصر
-قاسم هو أنت مدرس ايه ..؟
التقط نفساً عميقاً مُلبد بالضيق ليهتف بنفاذ صبر
-تربية دينية…
شهقه ساخره ارفقتها بضحكة عابثة لتهتف بإزدراء
-تربية دينيه ،يعني مالكش لزمه بقا .
مسح وجهه بكفيه ،يحاول امتصاص غضبة وابتلاع أحزانه ليهتف بتساؤل اربكها
-هو الدين عندك مالوش لزمة… ؟ ..
ارتبكت من سؤاله ،وزاغت نظراتها فيما رنى عقلها لصورة اب رافقة دينه حتى مثواه الأخير
همست بدمعة توخز عينيها
-لا طبعاً… .بس يعني دي مادة مش بتتحسب ولا احنا بنهتم بيها يا قاسم .
بتهكم مريرة ،نطق حروفه
-يبقا والدك الي كان بيتعلمة مالوش لزمة .
واستحالت القطة لنمرة شرسة ،تحفزت وقست نظراتها… اقتربت تواجهه هاتفة من بين أسنانها
-أياك يا قاسم ..تلوث اسمه بكلامك .
ابتعد عن مرمى بصرها .ليهتف ببرود جاهد ليُظهره
-وأياكِ يا بنت عمي… ..تستقلي بيا ولا بدراستي وافتكري اني دارس نفس دراسة عمي .
سار خطوات قليلة ليهتف بنبرة لاحياة فيها
-بكره في رحلة وهتروحيها زيك زي البنات ،الصبح هتلاقي لوازمك مع والدتك… .يا بنت الشيخ .
ضغط على حروفه وكأنه يذكرها بما نسيت وبما جحدت نفسها .
التمعت عيناها بفرحة وركضت لحجرتها تُمني نفسها بفسحة لطالما تمنتها.
*********************
*جلست على فراشها تبكي من أثر صفعة عمرو…
دخل عمرو الحجرة هائجاً يتوعدها
-الصبح هتروحي تعتذري لمُدرستك .
صاحت هنا وهتفت بإعتراض
-مش هيحصل ،أنا مغلطتش .
اقترب عمرو يهتف بسخرية
-وهتعتذري لسيف عن الي عملتيه .
نهضت تلوح بذراعها ممتعضة
-مستحيل ،دا محافظش على كرامتي.
صاحت ماجده تستوقفهم
-في ايه… ؟
هتف عمرو وهو يرمق اخته بغيظ
-بنتك شتمت مُدرستها ،بوظت دفاتر سيف واتجازى بسببها وبسبب عنادها ،والراجل جه هنا وبنتك بهدلته ورمتله شبكته فوشة وطردته .
شهقه مستنكرة اطلقتها ماجدة لتعاود النظر لهنا مستفهمة
-الكلام ده حصل يا هنا ..؟
هزت رأسها معترضه بعناد
-ايوه بس هو مدافعش عني .
صاح عمرو وهو يقترب متحفزاً لضربها مره أخرى
-بهدلتيه قدام المسئول وأذتيه عيزاه يضرب المسئول علشان عيونك وأنتِ اصلا الي غلطانه .
صاحت بغرور وهي تتقدم رافعة رأسها بأباء
-ايوه مش خطيبته .
ضحك عمرو متهكماً
-لا يا شيخه .
سدت ماجدة أذنها بكفيها صارخة
-بس بس…
توقف الأثنان عن الشجار ،ليلوح عمرو بعدها ويخرج من الحجرة .
رفعت ماجدة سبابتها محذره متوعده
-وأنتِ يا هنا… هشوف سيف وبعدها ليا حساب معاكي .
خرجت من الحجرة وأغلقتها خلفها بقوة
***************
حاول إلهاء عقلة بالقراءة ،فلم يتصور في أقصى خياله جموحاً ان تفعل هنا مافعلته اليوم ،لطالما حذّرها من الأقتراب والعبث بعمله .ولكنها لم تفكر سوى بنفسها وقد تملكت منها غيرتها عليه .
دخل ياسين الحجرة لاوياً عنقة
-أبا درويش… ..
لم يعيره سيف انتباهاً ،وظل على جموده… وصمته ..لكن ياسين اقرب هاتفاً بنفس التواء عنقة والذي ارفقه بالتواء لفمه قائلا
-أبا الحج درويش ..
رفع سيف رأسه ينفخ ،القى نظره على أخيه ليتسائل بنفاذ صبر
-عايز أيه يا ياسين ..؟
اقترب ياسين هاتفاً
-أبا درويش… أنا عايز اتجوز .
هتف سيف بغيظ ،وقد نفذت طاقته على الاحتمال
-ياسين أنا مش فاضيلك .
انحنى ياسين غامزاً
-حماك عمرو بره وعايزك ضروري .
أغمض سيف عينيه ملتقطاً نفساً طويلا ،ليفتح عينيه ناظراً لياسين وقد هدر من بين شفتيه نفخاً
هز ياسين رأسه مستفهماً بفضول
-هو في ايه… ها ..ها… ها؟
نهض سيف وتركه يُصارع فضوله اللعين لكن هيهات خرج خلفه ،وجلس على مقُربة منهم يترهف السمع .
هتف عمرو بخجل
-بعتذرلك يا سيف عن الي حصل .
ربت سيف على كتف عمرو قائلا
-ولا يهمك يا غالي… حصل خير .
ليتابع عمرو بجدية ورجاء
-طيب مش هتنزل تتعشى… ؟
ضحك سيف مستنكراً
-أختك خلت فيها عشا… لا يا عم أنا كده تمام .
شعر عمرو بالأسف الشديد ليهتف بحماس
-طيب تعالى نطلع ناكل بره واهو نتمشى .
وقبل أن يتفوه سيف بالأعتراض أو الموافقة كان ياسين امامهم يُبدل تيشرته امام أعينهم ..هاتفاً
-معاكم والإ وربنا اعملكم فضيحه. واحد يأكلني كنتاكي وواحد بيتزا .
استسلم سيف وغادر يبدل ملابسة فيما رقص ياسين بسعادة.
هتف عمرو وهو يتجه للباب
-هغير واستناكم تحت .
ودعه ياسين قائلا
-سلام يا وش الخير ..
*******************
دخل سيف الصف بآليه ،لم ينتبه لعدم وجودها لأنه كان يتعمد الإشاحه عن موضع جلوسها ،وأثناء انهماكه بالعمل دخلت الأُخرى تتلفح بغرورها… .طرقت تستأذن الدخول
ليعقد سيف ذراعيه وينتبه لها قائلا
-نعم،… ..!
ابتسمت بكبر وتقدمت قائلة
-الحصة…
قاطعها وهو يتقدم مُشيراً للخارج
-أسف حضرتك عارفه أني مبدخلش حد بعدي .
تقدمت ناحية مقعدها ،دون أي مراعاه لإعتراضة ..بل ضربت به عرض الحائط… .صاح سيف بغضب
--بره…
ابتسمت ببرود ،وتقدمت جاذبه حقيبتها ،لتهتف متعمدة إغاظتة واللعب على أوتار غضبه
-اهدا يا مستر… .أنا اصلا مش هحضر الحصة ،أنا بس جايه اخد شنطتي .
خرجت تتهادئ في خطواتها خلاف ابتسامتها المُنمقة التي ترسمها على وجهها… صفع سيف الباب خلفها بقوة وهو يهمس ترافقاً مع اهتزاز رأسه المستنكر
-يا خساره يا هنا…
جلست في ركن منزوي ،تصارع دموع ندمها ،فنبرته الكارهه تخنقها ونفوره الساكن مقلتيه يقتلها ويخنق انفاسها ما قصدت اهانته أو جرحه .لكن شيطانها غلبها وتمرُدها طفا على مشاعرها .
*********
استعدت صباحاً وانتظرت الباص ،فرحلة اليوم مهمة ستتكفل فقط بإغاظته ،… .رنين هاتفها وإنارته بإسم مي جعلها تُهندم ملابسها وتمسك حقيبتها…
هبطت للأسفل جلست بأريحية بعدما القت التحيه على الجميع…
دخل سيف الباص يعتلي ثغرة إبتسامة جذابة خلاف جاذبيتة التي اضفتهاعليه ملابسة الأنيقة وخصلاته التي تمردت على تصفيفته ،وزينت جبهته … .نظرة واحدة ادركت أنه لم يعد هناك مكاناً شاغراً سوى بجانبها… .
جلس بجانبها متصنعاً عدم الاهتمام ،دقائق واخرج كتاباً رفيقاً لفراغه وفتحه لينشغل عن الجالسة بجانبه…
ظلت تتأفف بضيق ،لتهتدي أخيراً لفكرة انشغالها بالهاتف واللعب به .
وقفت نجوى من على مقعدها لتعلو راس سيف وتهتف
-دي رحلة يا مستر ،يعني فرفشة ونعنشة مش وقت قراءة خالص .
ابعد سيف الكتاب واستدار يواجه نجوى وابتسامة انارت وجهه
-طيب يا ستي… ..هنفرفش هنعمل ايه ..!
هتف هنا بحدة
-لو سمحت ممكن اعدي ،
ابتعد سيف مردداً ببرود
-اتفضلي…
غادرت عبراتها تخنقها من فرط غيظها وغيرتها على وسيمها ،بدلت المقعد مع تامر ،
جلس تامر بجانب سيف الذي كاد ينفجر من افعال هنا التي تُثير الجدل حولها حتى باتت سيرتهم عِلكة تلوكها الأفواه ويقتات عليها الأعداء…
بينما ظل قاسم بجانب ياسمين لا يتفوه بأي كلمة يولي اهتمامه لرسوماته فقط ،لكن الأخرى كانت تتطلع من نافذة الباص بإنبهار طفولي غير عابئة بما يدور حولها ،
وما بين حين وأخر تتأمل ملابسها الجميلة كعروس مُعجبة بفستانها ،فهذه الملابس أحضرها قاسم وأعطاها لوالدتها لتذهب بها لرحلة المدرسة حتى لا تظهر بمظهر أقل من صديقاتها بل أفضل منهن جميعاً… ..
كانت سعادتها لاتُخفى عليه وذلك آثار روح الفنان بداخله ،فبدت انامله أكثر سحراً تنطلق على الورق تخط بأريحية تسابق فرحتها وتعبر عما يجيش بصدره .
أبت هنا أن تتركه لنجوى وعادت لمقعدها مُرغمة ،فيما كانت نجوى تتحدث مع سيف وتشاكسة فتنطلق ضحكات سيف المستمتعه التي صُوبت لصدر الأخرى ،واججت نيرانها مداعبه دموعها .
ذهبت نجوى للسائق وأمرته بتشغيل الكاسيت الذي ضج بنغمه أغنيه محببه…
مليش بعدك بلاش بعدك يا هاجرني
وليه يا حبيبي تنساني وليه بتظلمنيهو عشان انا حبيتك تجرح وتظلم فيا
حرام عليك يخرب بيتك، ع اللي انت عامله فياوعشان خاطري كلمني وبلاش تغيب عني
ليه سايبني في نار؟
وليه تبقى دي نهايتي انك تغيب عني
مش ده يبقى حرام؟مين عذبك وجرح قلبك بتخلصه فيا
ده اللي عملته كتير فيا ارحم بقى شوية
هو عشان انا مش قدك تجرح وتقسى عليا
حبيبي يخرب بيت عقلك ما كفاية تقل علياوعشان خاطري كلمني وبلاش تغيب عني
ليه سايبني في نار؟
وليه تبقى دي نهايتي انك تغيب عني
مش ده يبقى حرام؟
بكت على أثرها هنا فلم تجد غير محرمة ورقيه ممدودة لها ببرود ونبرة اكثر بروداً
-اقفلي الشباك علشان الهوا ميطرفش عينك وتدمعي وحد يفتكرك بتعيطي أو بتحسي مثلا زي بقيت الناس .
ارفق كلماته بإبتسامة ساخرة ،لكن قلبه رغم ذلك يؤلمة…*---------------------------------------
-