انتحرت

169 16 11
                                    

تعلمون .. أحياناً بعض أعمال الخير التي نفعلها بنية صافية تحول دون إنحراف قلوبنا
قد تكون الصدفة التي أنقذتك من لحظة ضياعك بسبب عمل خير قديم أو دعوة من قلب صادق صافي .. و كأن ملاك قد صار إليك ليسعفك.
.
كنت أسقط من الدور الثاني مبتسماً ضاحكاً منتظراً موتي في ثواني تلك الحظة التي إعتقدتها ستكون كأجزاء من الثانية .. لكنني كنت كما لو أنني أسقط من الدور المائة .. كيف بعدت المسافة كل ذلك
كنت فقط أتساءل و أتذكر و أضحك أكثر
كيف كنت أنهي ذلك اليوم مكتئباً حتي تغفل عيناي فلا أنام بل أغمضهما لأجد نفسي في الغرفة الملعونة كالسحر .. أعاني مع إبليس
ليظل يذكرني بآثامي و خطاياي و كل ما ندمت علي في حياتي ليدفعني لأطلب منه ليقتلني بنصله
أنا أعرف يقيناً أنه ان سمحت له بقتلي فسوف أموت حقاً
و آخذ الخيار الوحيد الآمن فأقتل نفسي لأتألم أشد الألم حتي أستيقظ في العالم الحقيقي في اليوم الوحيد الذي أتذكره .. لأنه يذكرني به بتشبهه بزينب طيلة الوقت
لأعيش ذلك اليوم سنين و سنين حتي صرت يائساً مجنوناً لكنني لم أجعله يقتلني في النهاية .. حتي إن استيقظت مجدداً سأقتل نفسي مراراً و تكراراً
حتي انصدمت بالأرض ساقطاً علي ظهري
.
و بدأت المباني و كل شيء ياتلاشى من حولي .. و تلاشى الأسفلت فصرت أسقط من جديد علي أرضية تلك الغرفة اللعينة
لقد كان كل ذلك الواقع الواهي الأليم الذي ظللت فيه سنين و سنين هو خدعة من خدع إبليس أيضاً
لقد كان حلماً بائساً خدعني به ذلك الشيطان لسنين و سنين
و سقطت .. لكنني سقطت علي السرير المشئوم هذا ولم أسقط علي الأرض
.
كان إبليس هناك منتظرني مبتسماً تحرك حتي وقف عند موضع قدمي و هو ينظر إلي
_" يالك من محظوظ يا سيف .. لازال هناك رمل في ساعتك "
.
و كأن هناك صاعقة تصدمني بقوة .. و كأنها تعيد تشكيل الغرفة حولي .. مع كل صعقة يتلاشى الشيطان من أمامي و هو يبتسم .. و يبدأ في الظهور أشخاص بملابس بيضاء و زرقاء .. إنهم أطباء و ملابسي تحولت لرداء المستشفي
تحرك إبليس كأنه يمشي خلالهم حتي إقترب من أذني و همس
_ " لا تحسب أنك هربت .. فأنا موجود في حياتك دائماً لكن لا أحد يراني "
وإختفى
إلتفت لأراهم كانوا يصعقونني بشيء يسبب صدمة كهربية ليقوموا بإنعاشي
و ها أنا استفقت و عاد قلبي لينبض و ارتسمت السعادة علي وجوههم بالمقابل أنهم نجحوا في إنعاشي
تذكرت كل شيء
و ما الذي أتى بي إلي ذلك السرير
.
في يوم ما عندما كنت أسافر لبلدي في أثناء الدراسة و في ذلك الجو البارد  وجدت متسولاً نائماً في الشارع بدون غطاء ..
عندما رجعت للسكن إقتطعت من مصروفي و أحضرت من أصدقائي بعض المال للخير و ذهبت فاشتريت غطاء ( بطانية ) .. أخذتها و ذهبت ليلاً إلي ذلك المكان الذي وجدت فيه ذلك المتسول الذي لا أعرفه و وضعت الغطاء عليه و غادرت دون أن يراني أو يعرفني و راقبته من بعيد لأتأكد أنه صحي و أدركها
.
و أثناء عودتي للسكن صدمتني سيارة
و تم نقلي للمستشفي .. و كانت حالتي خطرة فنقلوني للعناية المركزة
هناك و في لحظات بدأ قلبي يتوقف عن العمل و دقت الأجهزة الكثيرة لتصدر ضوضاء إنذار فإجتمع الأطباء و المسعفين حولي ليحاولوا إنعاشي
.
في تلك اللحظات التي توقف فيها قلبي كنت في مرحلة تشبه الحلم
لقد استمرت تلك السنين الكثيرة لفترة دقائق أو ثواني محدودة
كنت قد عشت مئات السنين عالقاً في عذاب شديد
لكنها كانت فقط اللحظات التي توقف فيها قلبي عن النبض
.
.
                                                عدت للحياة
ياله من شعور جميل عندما تشعر أنه مازال أمامك عمر لتعيشه .. و مازال أمامك الكثير من أعمال الخير تفعلها .. مازالت أمامك لحظات سعيدة تعيشها
لعلكم تتساءلون عن ذلك اليوم الذي كنت عالقاً فيه
لقد مر هذا اليوم منذ فترة منذ ثلاثة شهور قبل ذلك الحادث .. لكنني كنت دائماً نادماً عليه .. كنت أتمنى أن أعود بالزمن لأعيشه من جديد لربما قد أغير ما صارت إليه الأحداث بعدها
لقد ردت عليا زينب في اليوم الثاني بأنها لا تفكر بموضوع الزواج الآن و أنها تتمنى لي السعادة في حياتي مع شخص آخر أفضل
و كنت أتساءل و ألوم نفسي علي تسرعي في التقدم إليها و إخبارها بحبي لها وهي لا تعرفني .. كان علي أن أجعلها تعرفني بأن أكون صديقاً لها في البداية ..في الواقع أنا لا أعرف لكن ما أعرفه أنه لا يمكنك الذهاب إلي شخص لا يعرف عنك شيء و تخبره بأنك تحبه
فقط لأنك تحب أن تراه و أن قلبك معجب به و يطير فرحاً برؤيته
فالحب أكثر من ذلك
.
لكنني تعلمت شيئاً جميلاً من معاناتي تلك و هو ألا نظل عالقين في الماضي
إذا توقفت للنظر في الماضي سنكون قد رحلنا
و الشيء الآخر الذي تعلمته هو كيف تكون الذنوب البسيطة تلك مؤلمة بطريقة أخرى .. تخيلوا كيف تكون مؤلمة عندما تتعذبون بسببها في الجحيم
.
و الشيء الأخير الذي تعلمته هو
أن أنتبه للطريق جيداً حتي لا تصدمني سيارة مجدداً  XD

البرزخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن