خسرت ذكرياتي في رهان

359 23 10
                                    

أعادها ثانية .. ينتظر مني الإجابة
_ " هل أنت مستعد لنلعب ؟
لكنني أعرف لعبته المقيتة و لكنها الطريقة الوحيدة لأتذكر حياتي ..
ما يجعل الأمر صعباً هو أنني أرى أمامي تلك الفتاة التي أحببتها في زمن مضي ولا أستطيع النظر في عينيها أنها ليست هي .. لا يمكنني أن أتخيله يتحرك أمامي و يتحدث بصوته القبيح وهو في صورتها .. يصيبني بالإشمئزاز و الحزن و يدفعني يائساً لأقبل بلعب لعبته
_ " أنا مستعد "
بفرقعة من أصابعه تهبط تلك الطاولة عليها علبة الشطرنج و يهبط بجانبها ذلك الخنجر .. فيقف و يمسك بكرسيه و يذهب لها و يجلس منتظرني
_ " هيا يا صديقي لا تتأخر فأنا متحمس ولا أريد أن ينطفئ حماسي هذا "
ها أنا قادم
قمت من السرير و أنا بثياب المستشفي التي لا يرتدون تحتها شيئاً .. أسير بصعوبة لأحضر الكرسي الآخر الموجود بالغرفة و أجلس أمامه .. مقابله علي تلك الطاولة الكئيبة التي تسقط دائماً بجانب الحائط
إنها ليست المرة الأولي .. إن ذلك الكابوس مستمر منذ سنين .. لقد مللت تلك الحياة التي ليست حياة علي الإطلاق
لا أعلم هل أنا حي أم ميت أم مجرد شبح تائه في لعنة أصابته
أنا فقط أتعذب هنا و المخرج الوحيد لي هو الموت هنا لأنني لن أفوز علي الشيطان أبداً عاجلاً أم آجلاً سوف ينتهي صبري و أموت
هناك لعبتين
اللعبة الأولي الفوز فيها سوف يخرجني من هذا المكان
تعلمون .. أنا لا أتذكر أي شيء من حياتي قبل وجودي هنا ..
لا أعلم يقيناً هل أنا كنت أتذكر من البداية و نسيت مع الزمن لأنني هنا منذ سنين كثيرة .. أم كنت فاقداً لذاتي من الأساس
كل ما أتذكره هي تلك الذكريات التي يذكرني الشيطان بها .. إنها فقط ذنوبي و آثامي و اللحظات البائسة الحزينة .. كل لحظة تمنيت نسيانها
كأنني محبوساً في هامش أفكاري حيث كل ما أردت نسيانه و تخطيه
ما عدا تلك الذكري التي لا أفهم لماذا يحاول أن يشوهها في داخلي
إنها تلك الفتاة ..
اللعبة الأولي هي الشطرنج .. لكن مع كل حركة له يذكرني بذنب فعلته و مع كل حركة لي يذكرني بذكرى كريهة داخل عقلي الكئيب

_ " لا تنظر إلي بتلك التعاسة و ذلك الإكتئاب يا سيف .. أنت من خسرت الرهان  من قبل يا صديقي "

أتذكر أنني كنت لاعب شطرنج ماهر لذلك إخترت أن ألعب الشطرنج و كان للشيطان رهانه
إذا فزت فسأخرج من سجني و إذا خسرت سوف تكون ذكرياتي كلها ملكه
و خسرت الرهان و خسرت كينونتي
أما اللعبة الثانية فهي عبارة عن خنجر بيد من ذهب و نصل من فضة
و الرهان بسيط .. إما أن أطعن نفسي أو يطعنني هو
إذا طعنت نفسي فأنا أعيش الموت حتي أموت .. أحس بالألم و أنزف حتي أموت و عندها لا أموت فعلاً أنا أنتقل
أنتقل بالزمن للخلف لأعيش ذلك اليوم .. اليوم نفسه كل مرة ، أعيشه حتي أراها و في نهاية اليوم أعود إلي هنا
أما إذا طعنني هو فسوف أموت فعلاً
قد تجدون الخيار الأخير هو أصعب الخيارات لكنه يصبح بعد فترة هو الخيار الأكثر إغراء في كل الرهانات
لقد قضيت سنين عديدة جداً هنا ، أحاول أن أتمالك بعض الصبر في داخلي حتي لا أختار الإختيار الذي يقتلني فعلياً
لكنني سوف أفقد ذلك الصبر قريباً .. و أنا أتعجب كيف أستمريت أقاوم كل تلك السنين
لدرجة أنني صرت أرى حياتي ذكرى بعيدة جداً كذكرى إحتفظ بها طفل قبل أن يقف علي قدمه في دنياه

_ " أختار الخنجر " مددت يدي لأمسكه فمد يده علي يدي .. أمازلت تصبر يا صديقي .. و كان يبتسم تلك الإبتسامة الحقيرة كأنه يعرف الوقت الذي سأطلب فيه منه أن يمسك بالخنجر هو و يقتلني
_ " ألازلت تريد أن تطعن نفسك .. ألا تريد مني ذلك "
_ سيف " لازلت متمساً بالأمل المؤلم يا صديقي .."

_ " كلاهما موت يا سيف ، و أنت بالتأكيد إعتدت الألم "
_ سيف " صدقني لا يمكن لأحد أن يعتاد ألم الموت يا صديق .. فالموت موت "

_ " لن تخرج من هنا حتي تكسبني في الشطرنج أو تدعني أطعنك "
_ سيف " صدقني لم يعد لدي ما أراهن به لألعب معك الشطرنج "

_ " صدقني حتي إن خرجت من هنا فأنت لن تحصل عليها يا صديق "

... لم أكن أنصت تلك المرة لأنني قمت بطعن نفسي في قلبي مجدداً للمرة المليون
الألم الشديد الذي لا يمكنني تحمله دون صراخ .. و الدماء تتدفق مني لكنني لم أصل بكامل النصل فأحاول الوقوف علي الحائط لأصدم بصدري الخنجر في مواجهة الحائط حتي يخترق ضوعي و الدم يتدفق و أسقط
شاحب اللون و الدماء تحيط بي و أنا علي الأرضية فأحاول دفع الخنجر أكثر بيدي المرتعشة الباردة الشاحبة .. ذلك الألم الفظيع .. شيء بالغ الصعوبة لا يمكن تحمله و عيوني تدمع فتختفي تلك الخطوط الحمراء في مقلتي البيضاء و تبدأ حدقة عيني تتسع و يصيبني ذلك الصداع الأليم و تبدأ الدنيا تظلم أمام عيني و تتهمش رؤيتي للأشياء البعيدة و تضيق الدنيا مظلمة
و آخر ما أراه هو إبليس جالساً علي الطاولة مستمتعاً بكل ما يجري و يلوح لي بيديه مودعاً ككل مرة

البرزخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن