VI

1.1K 206 141
                                    

- أدريان.

ناديته، كنت مستلقيًا على الأريكة أراقب السقف بملل وعقلي مشغول بأمر وظيفتي الجديدة، لم يا ترى هذه المرة أشعر أن أمر قبولي يهمني؟

ربما لأنني فقدت المال الذي كان يقرضه أبي لي، أو لأنني أحب الطهو والطعام، لا أعلم، سمعت مرة إذا كان الأنسان يود النجاح في شيء ما فعليه حبه أولًا.

بقيت اتأمل السقف بشرود، لو شاهدني أحد لظن بأن في السقف فلم أو مسرحية، ربما فعًلا هناك، فأنا أتأمله وعقلي يرسم بأحداث حياتي في الفترة الأخيرة عليه، أتفكر بكيف لشخص في عقده الثالث أن يكون بهذا الفشل، لا يمتلك وظيفة وتشاجر مع أبيه لسبب كسله، الفراغ ينهش روحه والوحدة تعانقه كحبيب وفي لا يطيق فراقه.

لكن.. أظن أن حالي ما يزال أفضل من أشياء أخرى، وقد أستطيع معالجة ما يزعجني دون أن أستسلم ويتفاقم الأمر رغم أنني أشعر بإحباط شديد، ما فائدة أن أبقى متفرجًا والأحداث تزداد سوءًا معي يومًا بعد يوم دون أن أقدم على خطوة؟ علي ضبط الصنارة قبل أن ينقطع الحبل.

وجدتني أغفو دون إدراك فوق الأريكة مرة أخرى، لكن قبل أن أغفو بالكامل سمعت صوت شيء يهتز في رأسي مصدره أدريان، ثم نمت بعمق.

● ● ●

داعب طبلة أذني نغمة هادئة، ظننتني أحلم ولكنني أدركت أنه هاتفي، مددت يدي ورؤيتي مشوشة بحثًا عنه جانبي حتى لمسته واستشعرت برودته، لم أستطع تمييز أسم المتصل لكنني فتحت الخط.

- أهلًا سيد راني، يسرنا قدومك اليوم إلى المقابلة في الساعة الواحدة ظهرًا.

ماذا أقول ماذا أقول؟!

- سأفعل ذلك.

ثم سددت الخط، أشعر بارتجاف أناملي مثل شجرة صغيرة تقف أمام رياح قوية، تهتز وتترنح من صفعاته التي يرميه عليها.
وأشعر أيضًا بأن هناك شيئًا يشد معدتي ويقوم بسحبها، انها تؤلمني لشدة توتري.

وددت البقاء نائمًا، وأبقى أتقلب أسفل لحافي الصوفي، ولكن الكسل سيقوم بدفن محاولاتي بالنجاح.

الكسل، وخوفي من المستقبل إن بقيا يسيران معي في الطريق فلن أصل إلى حيث أريد، أما إن يتركاني أتوه أو حتى لا أمضي أي خطوة لأنهما يربطان قدمي.

لم يا ترى لدينا التوتر من المجهول؟ نظنه يحمل السيء ولكنه قد يحمل الجيد أيضًا.

- هو بالأرجح سيحمل ناتج ما تفلعه في حاضرك، مستقبلك هو نتيجة ما تفلعه الان.

أردف أدريان، يا له من متجسس.

تنهدت ثم قمت حتى أغسل وجهي، متأملًا أن يمر هذا اليوم على خير.

تجهزت، ارتديت قميصًا أزرق اللون مع بنطال أسود، عدلت الأكمام وارتديت حذائي الجلدي، تبقى نصف ساعة وستنتهي بالطريق لذا سأخرج الأن.

● ● ●

لم تكن المقابلة بشكل حوار، هم طلبوا مني إعداد صنف من الطعام ومراقبتي وأنا أعده، ابتلعت ريقي ورفعت أكمامي، ارتديت القفازات وبدأت العمل، سأقوم بإعداد اللحم مع المعكرونة.

أصوات غليان الماء، رائحة التوابل الحادة، ألوان الطعام المتعددة، سخونة بعضها وبرودة الأخرى، مزج اختلاف النكهات والصفات هذه يعطيني شيئًا لذيذًا.

نسيت أمر الذين يشرفون عليه، وتاه عقلي بالذي بين يداي، فأنا والطعام قصة حب وفية.

مضت ساعة وعشر دقائق وكنت قد انتهيت، رتبت الطعام وزينته بطريقة شهية، وقدمته للذين سيقيمونه.

مسكت امرأة ممتلئة الوجه ببشرة غامقة الشوكة الفضية، أكاد أرى شعري المجعد بها لشدة نظافتها وبدأت تتذوق كما فعل الشخصان الأخران الذين معها، ملامحهم ساكنة، بينما وضعي أنا عكس ذلك تمامًا، فأشعر كأنني قنبلة على وشك الانفجار.

وضع أحدهم شوكته بهدوء وعقد يداه ببعضهما، يبدو في الخمسين من عمره، شعره أصفر اللون وحاجباه خفيفان جدًا.

- راني شيروا، ثلاثون سنة، من الحي رقم ١٢.

هززت رأسي، لديه صوتٌ مبحوح.

- إذًا سيد راني، كيف اكتسبت مهارة الطهي؟ ومتى بدأت بذلك؟

اكتسبت مهارة الطهي؟ أهذا يعني بأني ماهر في ذلك ونلت إعجابه.
ركز ركز، يجب أن أجيبه جوابًا جيدًا.

- إنها عادة منذ الصغر، كنت أحب الطهو مع أمي ومساعدتها.

المرأة التي بدأت في التذوق تقوم بتفحصي من الأعلى إلى الأسفل، كأنها تبحث عن شخص وسيم ليواعد أبنتها.

أردفت بصوت غليظ نحوي:

- حسنًا إذًا، أبليت جيدًا وسنرسل لك غدًا أمر قبولك أو رفضك.

لكن الذي قرصني حقًا سؤال السيد الأشقر

- ما أمر بقعك الفضية؟

يجب علي أن أختلق كذبة بسرعة.

- أوه، إنها مجرد ألوان من أخي الصغير.

ضحكت بتوتر وحككت أذني بشكل تلقائي، لكن الشخص الثالث الذي كان معه عقد حاجباه ليسأل:

- عن ماذا تتحدث؟

سأل

- أنا أجيب السيد عن سؤاله عن أمر بقعي.

أجبت.

- أسف لكنني لم أسأل عن شيء، أيضًا أي بقع؟ لا أرى شيء.

هل يمزح؟ كنت أود سؤاله ولكنني شعرت بدوار شديد ثم رأيت كل شيء حولي يرتدي الأسود وذهبت الى سبات عميق.

فيروسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن