الفصل الأول

8.5K 132 3
                                    

تنويه هام

"هذه القصة من وحي الخيال, وليس لها أي علاقة بالواقع سواء شخصيات أو أحداث.."
**********

المقدمة

"كنت دومًا أكتب عن الحب وقصص الآخرين؛ ولكن الآن سأكتب عني..
ربما سيقول من يقرأ قصتي أنني آثمة، مخطئة، مذنبة.. ولكن لا أهتم..
واعلموا هذا إن عاد بي الزمن؛ لفعلت ما فعلته دون أدنى تردد وتفكير...
لم يقل أحد أن العشق مُحرمًا.. لم يقل أحد أن عليك أن تنتقي من تُحب..
لم يقل أحدًا أن عليك أن توجه القلب لأحد دون غيره, وتتجاهل الآخر..
لم أكن أعلم أن في مجتمعي هذا عليَّ أن أحب من فئة بعينها..
لم أكن أعلم أن الحب في واقعنا هو للصفقات..
لا شأن له بالقلوب..
عليك أن تدفن قلبك في أعمق حفر الأرض؛ حتى تستطيع العيش بسلام..
طوال حياتي كنت مُسيرة، مجبرة..
حتى أتفه الأشياء لم يكن لي خيار بها..
ولكن الشيء الوحيد الذي اخترته بإرادتي هو الحب..
ولذلك فسأتحدى العالم باختياري.."
"قصة حياة زمردة الراوي.. نهاية لم تُسطر بعد.."
***********
الفصل الأول
في حفل صاخب بمنزل أشبه بالقصور العصرية, والموسيقى تصدح بالمكان الجميع يتحدث ويتحدث، يضحك بتكلف على بعض الدعابات..
كانت تقف تنظر إليهم بملل تراقب الجميع..
تلك البذلات الأنيقة، والفساتين خلابة..
مظاهر تم الإنفاق عليها بسخاء.. رغم جمالها؛ ولكنها تخفي من القبح والنفاق ما يجعلك تركض ألاف الأميال بعيدًا عنها..
من يراهم يُخدع بمظهرهم البراق؛ وهكذا هو الحال..
تكاد تُقسم أن كل من يتحدث مع رفيقه, ويضحك بوجهه؛ يكن له البغض, ويود لو يرديه قتيلاَ..
فهذا هو عالم رجال الأعمال؛ مصالح متبادلة, وحين تنتهي وتنقضي مصلحتك؛ تُظهر مخالبك وتقضي على من أمامك..
هكذا تعلمت، وتربت في منزل عمها "زاهد".. أو "بابا زاهد" كما يحب أن تناديه..
رغم عدم انخراطها في عالم الأعمال؛ ولكن المنزل لم يكن يخلو من الحفلات والصفقات،
وهي بدورها عليها أن تكون حاضرة، أليست ابنة أخيه!.. ولها نصيب بالأموال؟..
شعرت بالاختناق مما تراه وذلك الزيف؛ فتركت الحفل وخرجت للحديقة رفعت رأسها تنظر للسماء تتنهد بتثاقل, ثم أغمضت عينيها تستنشق بعض الهواء, تنعم ببعض الصفاء..
فتحت عينيها وشردت تنظر للفراغ نظرات حزينة؛ كم تمقت تلك الحياة والكذب..
تود لو تبتعد، تعيش حياة هادئة لا حفلات, لا صفقات, لا حروب ونزاعات..
ابتسمت بسخرية وهي تنظر إلى حارس البوابة يجلس بهدوء وابتسامة رائقة, رغم بساطة مظهره, ودخله القليل ولكنه يبدو سعيدًا..
كم مرة راقبته من شرفة غرفتها هو وعائلته..
تلك الأسرة البسيطة المكونة من أربعة أفراد.. هو وزوجته, وطفليه.. في كثير من الأحيان كانت تتمنى حياتهم البسيطة..
لو أخبرت أحدهم بما تفكر؛ لسخر منها..
فكثير يتمنى حياتها المترفة؛
ولكن ماذا يعرفون عما خلف الأبواب المغلقة؟..
دائمًا منخدعون بالمظاهر..
أخرجها من شرودها صوت أحدهم,
يتساءل بخفوت ناعم:" زمردة.. ماذا تفعلين خارجًا؟.."
تجهم وجهها وهي تستمع إلى ذلك الصوت الكريه, كم تمقته وتود لو تحطم وجهه,
"عدنان" شريك عمها في الكثير من الأعمال.. من يتحين كل مناسبة ليلتصق بها, ويتغزل بجمالها بطريقة مبالغ فيها..
التفتت تنظر إليه بصمت هو في نهاية العقد الرابع من عمره, له جاذبية مقبولة في عالم الرجال..
تستطيع القول أنه وسيم بشهادة الفتيات حولها, ولكنها لا ترى تلك الوسامة, أو تتقبله بأي طريقة..
فهي تعلم جيدًا ماذا يخفي خلف تلك الواجهة الأنيقة المهذبة!..
ابتسمت بتكلف, وردت بهدوء:" لا شيء عدنان, فقط أردت تنشق بعض الهواء.."
ابتسم وتحرك يقف بجانبها ينظر أمامه, وأردف:" يزعجكِ ما يحدث بالداخل, أعلم أنكِ لا تحبين الحفلات, ولكن عليكِ الاعتياد عليها عزيزتي.. فهذه حياتكِ وما ستكونين عليه مستقبلاَ.. سيدة مجتمع.."
تلك النبرة التقريرية جعلتها تثور غضبًا, من يظن نفسه ليقرر حياتها, وما ستكون عليه!..
هل يظن حقاَ أن مخططاته هو وعمها ستتحقق, وتتزوج منه؟!..
إذًا هو واهم, لن تفعل ذلك.. لن تعيش بذلك المجتمع الذي تكرهه, كادت أن تنفجر بوجهه, وتصرخ معلنة عن تمردها؛ ولكنها عادت ترسم ابتسامة مصطنعة,
وتقول بدبلوماسية:" لكل مقام مقال سيد عدنان.. لندلف للحفل.."
لم تمهله الرد وتحركت من جواره بأناقة وخطوات رشيقة, وهو يتابعها بعينيه, ونظرة رغبة مستعرة بداخله, ثم تحرك خلفها..
في الداخل كان عمها يقف يضحك مع أحدهم, وعندما لمحها أشار إليها؛ فتحركت نحوه بتثاقل حتى وصلت, ووقفت بجانبه,
فتساءل بدفء:" أين كنتِ عزيزتي؟.. لقد اختفيتِ.."
نظر خلفها ليجد عدنان فابتسم بمكر, مكملاً بنبرة ذات مغزى:" يبدو أنكِ كنتِ مشغولة مع أحدهم.."
نظرت بطرف عينها لعدنان فابتسمت ابتسامة صفراء, تقسم بداخلها أنها لن تكون أبدًا ما يريدون لها..
بدأ الحديث حول الأعمال؛ ولم ينقذها منه إلا زوجة عمها "مشيرة".. وهي تسحبها خلفها لتلقي التحية على بعض نساء الصفوة كما تسميهم..
ظلت تتنقل من هنا لهناك وعلى شفتيها ابتسامة مصطنعة مقيتة؛ جعلتها تكره نفسها, وذلك النفاق الذي تنغرس فيه, حتي انتهى الحفل..
رحلت لغرفتها تنزع حذائها وتقذفه بقدمها بضيق, نزعت فستانها بعنف وحدة حتي كادت تمزقه,
وألقت بنفسها في حوض الاستحمام تحاول أن تنسى تلك الليلة وما بها....
أغمضت عينيها البنيتين تحاول الاسترخاء؛ ولكن صورة أحدهم قفزت بمخيلتها؛ جعلتها تفتح عيناها علي اتساعهما..
عينان زرقاوان بلون البحر الصافي, وابتسامة عابثة,
عقدت حاجبيها بدهشة لِمَ تذكرته الآن؟!..
تنهدت تتذكر تلك الليلة حين كانت تزور والدتها في ألمانيا, وصحبتها إلى حفل بسيط؛ لتعرفها على بعض الصديقات..
حينها لفت انتباهها ضحكات مجموعة فتيات تلتف حول شاب في العقد الثالث من عمره, ربما يكون في
"السادسة والعشرين"..
ذو جسد رياضي متناسق؛ وكأنه منحوت ببراعة فنية, بشرة بيضاء؛ لكنها اكتسبت اللون البرونزي من تأثير الشمس,
عينان زرقاوان صافيتان وقحتان تنظران لكل فتاة بالمكان بجرأة واضحة تكادا تجرداها من ملابسها,
ابتسامة ملتوية بإغراء صريح,
وطابع الحسن يزين ذقنه ليُكمل فتنة وجهه..
ضحكت والدتها بتسلية, وأخبرتها عن ذلك الشاب الوسيم..
"حيان" لاعب كرة سلة معروف, وعارض أزياء لماركات مميزة..
يجذب الفتيات حوله بكلامه المعسول المغوي..
وصادف أنه أحد أقارب والدتها حين لمحهما أسرع إليهما, ملقيًا التحية, ولم ينسى أن يرمق "زمردة" بنظرات متفحصة عابثة,
قابلتها بنظرات ساخرة, وتركته مع والدتها, واتخذت ركنًا بعيدًا عنهما..
تمقت تلك النوعية من الرجال؛ بل تمقت جميع الرجال..
هزت رأسها بعنف تنزع تلك الصورة من رأسها, تنهي حمامها ترتدي ملابسها,
تجلس على فراشها, وأمامها الحاسوب الخاص بها..
فتحته لتبدأ بالكتابة..
"الكتابة" هواية تعشقها كثيرًا كما تعشق القراءة..
لم تكن تعلم أنها تجيدها, فقد كانت تكتفي بالقراءة, وكتابة بعض الخواطر على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي..
مجرد كلمات تصف إحساسها؛ هالكن وجدت الكثير من التعليقات, والرسائل, وبعض المعجبين..
مع الوقت بدأت بكتابة بعض القصص عن أشخاص تعرفهم, وأشخاص من مخيلتها..
ووجدت جمهورًا كبيرًا يتابعها..
كانت تهرب من عالمها المزري.. لعالم آخر هي المتحكمة والمسيطرة به..
تُحرك الشخصيات, والأحداث حسب رغبتها.. تجد فيه مواساة..
عالم تستطيع تنفيذ كل ما ترغب فيه؛ بعيدًا عن واقع عليها أن تكون هي المُنصاعة, والمُنقادة به..
كل ليلة تجلس أمام شاشة حاسوبها تتحدث, وتتحدث مع أشخاص قابلتهم عبر الشبكة..
لم تراهم وجهًا لوجه؛ ولكن تشعر بالألفة اتجاههم.. تضحك وتمزح..
ثم تعود صباحًا لتكون "زمردة الراوي" واجهة المجتمع..
وليست "حروف  الزمرد"
ذلك الاسم المستعار الذي اتخذته لنفسها بعيدًا عن اسم عائلتها..
رغم أنه عالم افتراضي؛ ولكنك تجد به الكثير من الأصدقاء, يمكنهم أن يواجهوك بعيوبك, دون تملق أو نفاق..
أصدقاء بعالم غير ملموس, أفضل من هؤلاء المحيطين بها بواقع مزرٍِ كئيب..
**************

زمردة والقرصان (نوفيلا مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن