الفصل الثاني

1.9K 42 1
                                    

رواية وردة ورق 🌸

الفصل الثاني

ينظر لوجه أخته الشاحب ، يشعر بأن هناك الكثير مما لا يعرفه
" ما الذي أوصلها لهذا الحال زينب ؟ "
دموعا ساخنه تحفر تجاعيد وجهها ، لا تعلم أين صغيرها للآن ، ولا تعلم ما تعانيه ابنتها التي كانت كالقنبلة التي نُزع عنها صمام الأمان ، لم تكن تتخيل يوما أن ما يحدث بينها وبين زوجها سيكون سببا في أنهيار ابنتها علي هذا النحو ، لقد كانت هي أيضا بأهمالها  سببا مباشرا لإنهيارها بهذا الشكل .

وماذا تفعل وهي منهكة الروح والجسد ، هل ترمم جدار صغارها وروحها مهشمة ، لم تحظ يوماً بالإهتمام رغم أن زواجها منه كان محض إختيارها ، ولطالما رفض عابد ووالديها رحمهما الله هذا الزواج إلا أنها قبلته بدافع الحب .

وهل الحب يكسر !
هل يذِل !
هل يمحو الأسم والهوية !
هل يُهلهل الروح ويثقُبها !

" ما الذي حدث بينكم زينب ؟ "
كرر سؤاله مجددا لينال جواباً ، لكنه لاقي الصمت .
خلل أصابعه بين أطراف شعرها القصير  ، ولا يعلم سببا لفعلتها ، يبدو أن أهمال أخته سببا في ذلك ، لطالما تحدث إليها عن ضرورة أحتواء ابنتها في هذا السن ، إلا أن سلبيتها امتدت الي عالم الصغيرة .
" أعدي حقيبتها زينب ، سآخذها الي بيتي ، عل مالك يبدل مزاجها ويملأ فراغها  قليلا "
نظرت الي الأرض وهي تستعد للوقوف ، تركته مستجيبة لطلبه ، شعر بحركتها تحت أصابعه
" حبيبتي ، صغيرتي ، من تتفنن في إنهاك قلبي ! "
تبع كلماته بقبلة فوق شعرها المشوه ، شعر بدموعها الرطبة تلامس كفه فقال هامساً
" هشش ، سأخطف صغيرتي الي عالمي الخاص ، غرفة ملونة مزينة بصور روبانزل بشعرها الذهبي الطويل الملتف حول جسدها ، سندريلا بفستانها السماوي البراق الذي ينافس السماء بأتساعها ، وحذائها الكريستالي المتلألأ في قدميها "
إبتسمت من بين دموعها
" والأميرة النائمة بين طيورها المغردة والطبيعة الخلابة حولها "
" حيث صراخ مالك وتسلط أسما وتأفُف سدن "
إتسعت إبتسامتها وهي تحاول نَصب جسدها أمام خالها ، وما إن فعلت حتي ضمها الي صدره ، مشدداً من ضمه إليها حتي إستمع لشهقاتها تعلو وتعلو ، إنتظر حتي هدأت بين يديه ليقول بهدوء
" ما رأيك بجولة صغيرة بسيارتي قبل الذهاب لبيت العنكبوت "
إبتسمت تلعق شفتيها وتكفف دموعها
" موافقة "

--------------------------------------------------------------------

أستلقي علي بطنه فوق السرير الطبي مستسلماً لأيادي طبيه ماهرة ، تغلغلت يداه بين عظامه وفقراته لتزيل عنها الألم بحرفية ، كان يكتم آهاته وألمه فهو يشعر بعظامه تئن خلال نومه ، فما بالها في صحوه .
" تتحسن حالتك مراد! "
يعلم جيدا أنه لم يتحسن قيد أُنمله وإنما علاجه الطبيعي يسكن قليلا من الألم
"  تعطيني دوما الأمل بالحياة "
مرر الطبيب جهازا دافئا فوق فقراته العلوية قائلا
" هذا الجهاز يعمل علي تدفئة الفقرات كما تعلم ، لتقوم بعملها كما يجب "
إستمع الي كلمات الطبيب في ملل فقد ألقاها علي مسامعه مراراً دون جدوي ، لا بأس من تقليل الألم ولو للحظات ،لكنه يعي جيدا بأنه ليس علاج نهائي لمرضه.
لامست أصابع الطبيب يديه القوية المتألمة ، ظل يفردها ويثنيها بلطف
" هل تمارس الرياضة كما أتفقنا ؟ "
تجاهل الطبيب إصبعه المتورم وقد بدأ مرضه في تشويه عظامه ، عدل من وضعية جسده ليواجه الطبيب بصدره
" أجل ،  القليل و ببطئ كما أمرتني "
ساعده علي النهوض
"  نحن نريد تقوية العضلات لا إنهاكها "
التقط قميصه ليرتديه بهدوء ، منصتا الي طبيبه
" أراك  بعد غد في موعدنا "
عاد الي منزله منهك القوي ، يجلس شارد الذهن ، يعاني صدقا من مرضه ، يتألم نفسيا وجسديا ، عمله ، حياته ، مستقبله ، كل شئ أصبح رهينة لمرضه .
" مرحبا مراد ، كيف حالك ؟ "
" بخير أبي "
تفرس في وجه ولده
" هل زرت الطبيب اليوم ؟ "
اومأ برأسه ، فاستطرد والده
" هل من جديد !"
تنهد بيأس ليجيب
" لا ، سأنام قليلا "
أوقفه والده قائلا
" أود الحديث إليك "
" أسمعك أـبي ، تحدث "
جذبه والده ليجلسا سويا متجاورين يحفه بحنانه ودعمه
" أرغب بتزويجك بني "
أجابه بسخرية
" ومن تلك التي ستوافق علي مريض مثلي ، أبي أنا أُعاني من صعود الدرج ، أتألم من فتحي لزجاجة مياة ، أصابعي تتألم من لفة مفتاحي داخل رتاج الباب ، كيف سأتزوج لأتحمل مسؤلية أمرأة وأطفال ، أنتهينا من هذا الموضوع أبي ، لا تفتحه مجدداً ، فيكفي ما نالني من الزواج حتي الآن "
" أنت بحاجة لمن يرعاك ، لمن يهتم لأمرك "
" يكفيني أنت ! "
" لن أدوم لك بني "
قبل رأسه بحنو
" بل ستدوم أبي "
الأفكار تنهشه وتؤرق مضجعه ، يخشي عليه من الوحدة فليس في العمر بقيه ، لو تنصت اليّ مراد ، سأبحث عن زوجة لك ، ستتزوج وإن إضطررت لتكبيل يديك .

وردة ورقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن