الفصل الثاني عشر

1.1K 47 1
                                    

السلام عليكم .. رواية وردة ورق 🌸

الفصل الثاني عشر

لا يستطيع نسيان جريرته للآن ، رغم خروج عابد من المشفي وتحسن حالته ، إلا أنه سيظل تحت الملاحظة الطبية ما تبقي له من عمر ، يحتاج للسيطرة الدائمة علي إنفعالاته ، ملتزما بتحليلات دورية للحفاظ علي ما وصلوا إليه من تحسن .
" أرجوك ، لا تخبر أحدا بما تعلمه "
كلمات موجزة بسيطة بصوت عابد الواهن ، شهدت علي جرمه في حق رجل لطالما كن له الاحترام والتقدير ، جملة واحدة ، دموع غزيرة ، إضطراب في مؤشرات الرجل الحيوية عبرت عن قهره ، نعم فهذا هو قهر الرجال .
تذكر وقتها ضيمه ومرضه وإستصغار نفسه أمام ياسمين  يوم واجهته بالحقيقة ، يشعر بقهر  عابد بتفاصيله وبدقة ، حين يضغط أحدهم بقوة علي جرحك الحديث الذي لم يلتئم بعد .
إستشعر الخنوع والاذلال والجور علي الحق والنفس ، فقد جارت ياسمين علي رجولتهما معا.
ياسمين  وحدها من تستحق العناء وليس أحدا آخر ، هي من تستحق القهر والعذاب وربما القتل .
إنسابت الكلمات من شفتيه بسرعة
" سأتزوجها "
رفع عابد حاجبيه بصدمة ، لم يستطع أن يكررها فينتبه مراد لما قاله ، صمت ودموعه تجيبه شكرا علي صنيعه فأردف
" سأسمح لك بالزيارة لتخبرهم بطلبي ، من تريد رؤيته "
أجاب علي الفور
" أسما "
وقد كان.
واليوم بعد مرور أسبوعان علي خروج عابد وتحسن حالته الصحية ، ينتظر أدهم  بسيارته ليُزف إليها  .
وعند الوصول
يستمع الي أصوات ، الزغاريد ، التصفيق ، يستشعر السعادة قبل أن يصل إليها.
خافقه مضطرب بشدة ، ترقبا ، تنبؤا ، تكهنا بما سيحدث ، يستشعر خطرا يُزج داخله ، يُقدّم خطوة ويؤخر أخري الي أن إصطدم بيد أدهم القوية تمنعه التراجع
" لقد سقطت في شباكها يا رجل ، لا مجال للتراجع الآن "
نظر الي عمق عينيه وكأنه بحلم ، لا لم يحلم بزواجه هكذا ، سيسلم إسمه وشرفه الي ياسمين  ، التي لم تحافظ علي نفسها فكيف لها أن تصون إسمه .
حاول إسقاط يد أدهم
" إبتعد عني ، لا ... لا أريد "
تعالت ضحكات أدهم ، يضرب مراد علي صدره بقوة
" ألست رجلا يا هذا ، هل تخاف ياسمين  ، إنها أليفة ! "
بعد لحظات ، هو الآن في حالة إنعدام توازن ، تفكير  ، تعقل .
دفعه أدهم الي الداخل لتسقط عيناه عليها فور دخوله ، تخرج من غرفتها بفستانها الأبيض ، رموشها الطويلة يراها رغم بعده ، عيناها البنية التي تشبه جذوع الشجر بخشونتها ، فمها يحدده لون شفاف يزيده جاذبية ، حاجباها مقتربان عابسان ، وهنا فقط إنتبه لدوره ، الي فعلتها ، الي إنتقامه .
إقترب من عابد يصافحه بحب حقيقي ، جلس أمام المأذون ليعقد قرانه عليها من جديد ، وخلال لحظات أصبح إسمها مقترنا باسمه مجددا ، وعِرضها عِرضه ، بل وكلها ملكه.
رغم حقدها عليه إلا أنها وافقت ، رغم تسببه في إهانة  قلبها وحزنها وإنهيارها إلا أنها وافقت ، رغم تأكدها من نيته لكنها أتمت الأمر ، بعد أن خرجت أسما لتخبرها بطلب مراد الزواج منها مجددا ، تخبرها بوجه يملؤه البشر والسرور ، فزوجها إستعاد صحته بعد أن إطمئن قلبه علي ستر فضيحتها .
بعد أن تخلص مراد من شعوره بالذنب نحو  خالها بطلبه من الإقتران بها .
عليها أن تنفذ الأوامر ، عليها أن تتجرع كأس المرار عن آخره .
خالها رغم تحسن حالته كثيرا إلا أنه لا يتحدث إليها سوي " مبارك " ،  " صباح الخير "  ، هكذا فقط ، بني بينهما حاجزا سميك من التجاهل والإنعزال ، لم تجرؤ علي الرفض من أجله ، فهي لن تحيا أبدا دون وجوده يزين عمرها.
اليوم زفافها الي مراد ، إختارت أثاث المنزل الذي بدله لأجلها ، أوكل ديكورات الجدران الي أدهم  ليبدع في عمله ويسلمه منزله خلال أيام بديكور عصري أنيق يتناسب مع نارية الطباع زوجته .
سدن تؤازرها رغم مكوثها جوار والدها بينما تتسوق هي وأسما إستعدادا للعرس .
أصرت أن تزف الي زوجها من بيته ، خالها ، أبيها الحقيقي الذي ما زال غاضبا ، سألت عن مازن تود قربه في يوم كهذا ، فطمئنتها أسما بأنه بخير ، فقد أخبرها عابد عن علاجه و إعادة هيكلته .
رأته يدلف بصحبة أدهم الي المنزل ، زغاريد قوية غزت المنزل الواسع ، ضرب الدفوف يقرع بسعادة ومرح يداعب الآذان ، سعادة تغمر الوجوه والقلوب .
وسيما بحلته السوداء ورابطة عنقه التي تماثل الأخيرة في لونها ، قميص ناصع البياض يجعل من وجهه الأسمر جذابا مهندما ، حذاءه الثمين اللامع دليل علي أن قدمه لم تطأ الأرض قط وربما نزل إليها من السماء عبر مروحية فاخرة .
هل يحق لها أن تنظر إليه وتتمناه رجلا تتعلق بساعده ويصبح ظهراً وعضداً تتكأ عليه .
هل يحق لها أن تأمل بحياة جديدة معه رغم كل ما مر بهم ، أجابها جموده عندما أقترب منها ليجلس جوارها ، هكذا إكتملت الصورة ، عريس بجواره عروسه والجمع سعيد .
--------------------------------------------------------------
تجلس كملكة جوار ياسمين  ، ترتدي فستان باللون الأسود مناقضا تماما لفستان جارتها العروس ، مرصع بخيط رفيع عند الأكمام باللون الفضي اللامع ، ووشاح رمادي يعتليه وشاح آخر بالأسود المتلئلئ ، اللونان مناسبان لبشرتها البيضاء ، يموت شوقا للمسها ، يمنع عنها قبضته بالقوة ، لازال يراقب من بعيد ، أسبوعان وهو يموت ، حقاً يموت بعيداً عنها ، والدته تتحدث إليها ويطلب منها أن تضغط علي مكبر الصوت ليستمع الي صوتها الرنان ، رغم بؤسه إلا أنه يعشقه، لو يعلم ما يؤرقها لبدده علي الفور.
نظرات أدهم تربكها ، تجلس جوار ياسمين  تمنعها أسما من الحركة خوفا علي جنينها ، لقد حضر الي الزفاف بدون دعوة ، يتحدث الي والدها وكأن شيئا لم يكن ، لا يقترب منها ولا يتحدث إليها إلا أن نظراته تقتلها ولهاً .
قامت هاربة الي المطبخ ، وفي ثوان قليلة لحق بها.
تقف أمام طاولة المطبخ تلتقط أنفاسها ، شعرت به خلفها يلف يديه القوية حول بطنها هامساً
" كيف حال ابني ! "
كتمت دموعها من شوقها إليه
" بخير "
مرر يديه فوقها بذات الهمس
" وأمه "
لم تجب ودموعا تحفر طريقها للهبوط
" إشتقت إليكِ فاكهة الخلد"
" فاكهة الخلد ستشقيك كما أشقت آدم "
أدارها اليه يجفف دموعها بأصابعه
" أنا أدهم ، لست آدم "
مرر أصابعه فوق عبراتها حتي جفت ، ومن ثم فوق شفتيها بلطف
" إصمتي سدن ، أنا أحبكِ وفقط ، لست مفوه ، لست شاعر ، لكنك تعلمين "
خفضت بصرها عنه فقال
" أجيبيني "
شهقت من بكاء قد جف
" أجل ، أعلم "
" و أنتِ "
" أحبك .. آ .. أدهم "
قال برقة
" اذا لتعودي "
" لا "
" بل أجل ستعودي ، كل شئ متوقف لحين عودتكِ سدن ، أنا في إجازة من عملي لأكون بقربكِ ، لا أذهب لبيتنا إنما أمكث جوار أمي ، كالمرأة العانس بإنتظار عريسها ، هل يرضيك ِ هذا ! "
إبتسمت ويداها تفترش صدره تعدل من رابطة عنقه
" من قيدك بها"
" مراد "
" ومن عبث بها "
زم شفتيه فهي تعلم كرهه لرابطات العنق ، هو لا يرغب في أي شئ قد يقيده حتي لو رابطة من القماش اللطيف غير المؤذي.
" أنا "
أعادتها لوضعها الصحيح وهي ترتب ذقنه
" من قص شاربك "
تلعثم قليلا ، يعرف حبها ترتيبه وقص الزائد عنه فأجاب متوجسا
" ريان "
شهقت بقوة
" تستحق إذا هذا المنظر المروع لقد قص جزءا والآخر قضي عليه ، ألم تنظر في مرآه قبل قدومك ، إنه حفل زفاف أدهم "
خرج  يضع  يده فوق فمه ، تبعته سدن لتجلس مكانها ، أشارت له من بعيد بأن يزيح يده عن فمه ففعل .
لقد أزالت شاربه بالكامل مخبرة إياه بأن هكذا أفضل .
أذعن إليها وترك ذاته ووجدانه وشاربه لها علها ترضي عنه وتعود ، نال وعد منها بأن تتحدث إليه فور إنتهاء الزفاف .
فُُض الجمع ، غادر العريس بصحبة زوجته ، يجلس مالك بينه وسدن ، مستندا بكوعه علي ذراع أدهم ، فأسقطه الأخير بكدر يود صرفه عن مجلسه الخاص هو وزوجته ، فالآن موعد حديثهم .
" مالك حبيبي ، هلا أحضرت لي كأس ماء ، أشعر بالعطش "
أومأ له مالك برأسه ليقول
" سدن زوجك يريد الماء إذهبي وأحضريه "
عاجلته سدن
" هو لا يريد الماء هو يريد صرفك ، فحفاظاً علي كرامتك إذهب الآن مالك "
قام حانقا وهو يردد
" إذهب ، إذهب ، أريد أن أستمع لحديثكم "
صاح به أدهم
" لقد سمعتك !"
تنحنح ينظر إليها ، فعاجلته
" هل أنت شاذ ؟"
لم يجب
" المال الذي أنفقته لعلاج تيم ، من أين تحصلت عليه ؟"
لم يجب
" المنزل الذي نحيا فيه ، من أين إشتريته ؟"
لم يجب
إستلت هاتفها لتردف
" فسر لي هذه الصورة بالكلمات أسفلها "
إلتقط منها الهاتف ، قال
" متي كنتِ ستواجهيني سدن بما يعتمل به صدرك ِ، الرسائل بتاريخ قديم ، قبل إختطاف ريان ومالك ، كنت أنام جواركِ وقلبكِ يحمل كل هذا الغضب تجاهي "
" لم أكن أهتم "
" والآن ، هه ، الآن تهتمي ، بعد أن إتسعت الفجوة بيننا ، غاضبة مني ، لا تجيبي علي رسائلي ، تختبئين كالجرذ بغرفتك تجنبا لرؤيتي ، الي متي كنت ستنتظرين سدن "
حان دورها لتتبني الصمت  ، قام ليصبح فوق رأسها وهي جالسة بوهن أمامه
" هل الشاذ يسعد مع زوجته حلاله ويستمتع بها مثلي ، هل أسدد أقساط منزلنا شهريا بمال حرام مكدس فأستعير منه قسطا لمنزلي ، بالنسبة لتيم .. تيم "
تقطع صوته ألما
" تيم من أنفقت عليه من هذا  المال ، و أمي وعلاجها فلم أكن أملك شيئا في ذاك الوقت "
ثم جلس منهكا
" أما عن هذه الصورة فلا أعلم من حاك شباكها إلا عادل "
كانت تعلم ، أخبرها قلبها أن زوجها برئ ، سمحت للشيطان بالدخول بينهم فدمرها وشق علي قلبها كمدا ، أخطأت فكان جوابه أن إنصرف دون كلمة إضافية، إنصرف بعد تبدلت الأدوار و وجب عليها هي الآن ترضيته.
-----------------------------------
الأسبوع الأول  لها في منزله ، لم يتبادل معها الحديث ولو بكلمة واحدة ، بعد إنتهاء العرس ، وزيارة أسما وسدن بصحبة زوجها المتجهم في اليوم التالي  ، عم الهدوء البيت ، لم يأتِ خالها متعللا بمرضه ، تسلل و أدهم لغرفة المعيشة التي باتت غرفتها ليمرحوا قليلا  وتركها مع عائلتها ترحب بهم علي طريقتها .
لا يتحدث إليها ، دوما بغرفته ، لا يتناول طعامه بصحبتها .
وقفت تدلك يدها بكفها الأخر بتوتر أمام غرفته ، لا تجرؤ علي إقتحام عزلته ، وتخجل من الإقتراب منه .

وردة ورقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن