المقدمة

15.6K 156 5
                                    

أغلقتُ القفص بإحكام ، تتبعت حركته بعيني ، رأسه المهتزة ، ألوانه التي حرصت على إختيارها مبهجة .. الأزرق المتداخل مع الأصفر والأحمر ، تدريبه الذي أصبح جزء هام من يومي .. تعليمه الحيل والكلمات ..
هو رفيق سنواتي الماضية ، وكاتم أسراري ، أقص عليه كل شئ يخص عملي ، وخوفي ، و قلقي ، وقهري ..
أحيانا أشفق عليه من وحدته ..
و أحايين أخرى أشفق على حالي " أنا " ووحدتي ..
على الأقل ، أنا أهتم به و أدلله ..
لكن أنا .. لا أملك تلك الرفاهية ...
" فريدة ، فريدة "
صوته الرخيم دغدغ أمنياتي ..
فهو الحبيب الوحيد بين العديد من الطامعين ..
والمؤنس الذي يشاركني بيتي ..
" فريد " ..
هكذا أسميته ، ففريد دوما لفريدة .
نحن من تفردنا بالوحدة ..
" جائع "
تلك هي الكلمة الثانية التي تدرب عليها .. ولا أعلم هل هي مرتبطة بقدرته علي فهم الكلمة وربطها بأحاسيسه ام لا ...
إلا أنه حان وقت طعامه حقا ...
فتحت القفص مجددا .. فباغتني بحركة خاطفة ليخرج بعيدا ويجوب غرفتي ...
ولحسن حظي .. النوافذ مغلقة ..
وكذلك باب الغرفة ..
ظل يردد
" فريدة .. فريدة "
لأردد أنا الأخرى وكأنه يعي كلماتي ...
"هيا الى القفص يا روح فريدة "
حاولت مجاراته الى أن اوقعت به داخل قفصه مجددا ...
" لا تتذاكى يا فريد مرة اخرى .. أنت لا تدرك مكري بعد .. لن ترى صفية ليومان .. "
سمعت صفيره .. هو يحب صفية .. أعلم ذلك جيدا .. لذلك سيعاقب بحرمانه منها ...
ثم ردد
"صفية .. صفية .."
حسنا .. ها هي نقطة اخرى تفوز بها صفية .. حب حيواني الأليف أيضا ..
سمعت نقيقه ..
عينه المتسعة بلونها القاتم ...
رفرفة جناحاه ..
احيانا أحسده .. فلو تركته يطير سيحلق بحرية ولن يعود لذاك القفص مجددا ..
بينما أنا .. أسيرة لماض يقيد روحي .

***

صوتها ينتشلني من احلامي .. حيث اقف بقامة مشدودة أواجه عدوا لا أعلم ماهيته .. تنين .. فينيق اسطوري ..
أسير نحوه وكأني مقاتل خارق القوى .. وإذا بذيله يسقطني أرضا ..
إستفقت من نومي .. وكدت أسقط من فوق سريري تزامنا مع دفعها وهزها لي كي أستيقظ ..
" لقد صحوت .. أقسم بأني إستيقظت يا أمي "
"لم تبدُ لي هكذا "
نظرت إليها بتشكك .. فهي كعادتها تريدني أمامها ليل نهار .. تطربني بأني أُماثل والدي طولا .. وجمالا ( قطعا ) .
فردت جسدي مجددا على سريري .. أمرر يدي فوق عيني ورأسي ..
" القهوة "
لقد علمت كيف تجذب إنتباهي .. تلك الماكرة ..
قمت فربتت على ظهري .. ثم خللت شعري بأصابعها .. ثم جذبته بقوة بعد أن إنتبهت لعيني المغلقة .. مع صرخة عنيفة
" هيا "
ذهبت -هي- فقمت -أنا-..
انتفض جسدي إثر صرخة أخرى من الخارج بصوتها .. فمددت يدي نحو قهوتي ..
اشم رائحتها .. ( رائحة القهوة .. لا أمي )
لم تخبرني يوما بأن أبي كان يعشقها .. او هي مثلا تحبها .. ربما اميرة تدمنها .
لا .. لا يحب احدهم القهوة مثلي ولا أعلم لذلك سببا ..
ربما لونها الذي هو بين الابيض والاسود .. وهي المنطقة التي أُمثلها ..
ربما لطعم الهيل الذي يتخللها فينعش مسامي .. الهيل المنبعث من بين حبيباتها الثمينة ..
إرتديت قميصي .. مع رشفة من كوبي .. من قال أن القهوة تشرب مُرة .. ماذا لو حُلت بملعقة سكر ..
من قال أنها يجب أن توضع في فنجان .. في كوب أشهى ...
تناولت بنطالي .. حزامي .. جوربي ..
ورشفة اخرى ...
قهوة بالهيل .. ملعقة سكر .. لون بني فاتح يعبُر صفاء الكوب الشفاف ...
هكذا يكون مذاق القهوة .
فرشاتي تهذب شعري الثائر . ..
أخيرا .. انتهيت ... وقبل رنين هاتفي لتذكيري بموعد الخروج ...
إبتسامة سكنت ثغري .. وهذا الخاطر يجول برأسي وأنا أُغلق باب غرفتي ...
" ستسعد بك أمك كثيرا يا يونس "

***

عشق بالمقلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن