الفصل السادس

2.7K 96 2
                                    

رواية عشق بالمقلوب 🌸

الفصل السادس

" سنُشهر زواجنا يا فريدة ، من سيتحملك ثلاثة أشهر لحين شفاء قدمك ، أنت بحاجة لمن يقوم بخدمتك في أدق تفاصيل حياتك "
" لا ، لا ، لن يكون الأمر هكذا ، أنا أحلم بالتاكيد "
حاولت أن أستفيق فأجده أمامي في كل مرة ، يونس .. ليتني ما رأيت وجهك ولا وافقت علي عرضك
" ومن قال بأني سأوافق على مساعدتك لي ..  "
إقترب مني بعد أن صرف والدته لا أعلم كيف ولماذا بعد مغادرة الطبيب .. لأمكث بمفردي معه..
"ومن سيساعدك إذا ؟ "
توردت وجنتاي لأهمس
" صفية "
" هل ستترك صفية زوجها ثلاثة أشهر لأجلك .. ربما تساعدني ، لكن لن تتحمل الامر برمته يا فريدة ، لا تصعبي علينا الأمر "
أغمضتُ عيني أتألم من كسر ساقي ، ومن تلك الحلقة التي أدور بها ..
إستقر أمام فريد يداعب قفصه بأصابعه .. اختلجت عضلة فكه ولم أعي السبب .. هل شعر بالشفقة لوحدتي .. !
إقترب مني وهو يقول
" بماذا همست أمي إليكِ ؟ "
تنهدتُ بعد أن أيقنت بأنها عدالة السماء ، فقد سقطت  كما خططت  لحماتي من قبل ..
" لقد قالت لي ليت عنقي الذي كُسر وليست قدمي "
" لقد تنبأت بالكسر قبل قدوم الطبيب ، خبرة "
" نعم يا ابن الخبرة ، لقد اقتص الله لها "
تمدد جواري وكأنه زوجي منذ عشرات السنين ، والغريب أنني لم أستهجن الوضع
" أتعلمين شيئا ، .. لم أتوقع يوما تجاوزكِ مع أمي .. وعلمت دوما أني لست رادع لكِ ولست مدافعا عنها وانما أنتِ رقيبة نفسك يا فريدة "
ثم إلتفت ليعاقر عيني
" أنا أثق بعقلكِ كثيرا "
تنهد ليردف
" لقد توقعت مشاهدتكِ في مرتي الأولي بملابس ناعمة وشعر مسترسل طويل ، برائحة كالكمثرى "
عقدتُ حاجبي
" من أين تلك الكمثرى ، هل هناك عطر للكمثرى ، أنت تهذي "
أمسك شعري الملفوف
" هل هو طويل .."
نفضت يده عني
" أريد دخول الحمام .."
***
ملئتُ حوض الاستحمام ، إستخدمت فقاقيع سائلة برائحة اللافندر ، لا أحبها .. يناسبها الفانيلا أو الياسمين ..
لابد لتلك القذرة التي تعلو السرير بالداخل أن تستحم ..
عدتُ إليها لأقول
" الحمام جاهز .."
حاولت النهوض لم تستطع بفعل سقطة ظهرها فلازال يؤلمها .. حملتها ..توجهت الى الحمام ، شهقت عندما شاهدت الماء وصرخت بي
" وكيف سأدخله واخرج منه أيها الذكيّ ؟ "
" هكذا "
حاولتُ إسقاطها بملابسها داخل حوض الإستحمام بهدوء لكنها صرخت وتشبثت بعنقي ، لن أتحمل هذا الشعر المبعثر من جديد .. يكفي الفضيحة التي سترافقني مدى الحياة من أمي ..لما حدث اليوم .
أخبرتها أن تشهر زواجي عند اقاربي وتخبر الجميع بأنه وجب إتمامه .. بينما أخبرت -فريدة- إبراهيم وصفية اللذان ولحسن الحظ مسافران في رحلة ولن يعودا إلا بعد أسبوع .
أجلستها على حافة الحوض بعد أن حثني خجلها على الخروج ..
" أخبريني فور إنتهائكِ ، وإن إحتجتي مساعدة .. تذكري بأني زوجك الآن بالإشهار والإعلان يا فريدة "
أوصدت الباب خلفي لتطمئن .. أشعر بخجلها وخوفها مني ، لست وحشا كي أنالها وهي بهذا الحال ، أو لأكون منصف ، لن أنالها وهي بذاك المنظر .
بعد لحظات..
غفوتُ فوق مقعدي منتظرا لها .. لم تنادِ ، ربما نادت ولم أسمع ..قمت من فوري لأفتح الحمام ولا أجدها ..
ذهبت لغرفتها ، الباب موصد ، وصوت أنين باكٍ يتسرب عبر بابها
" يا الهي ، أنا آسف يا فريدة .. إفتحي الباب .."
" لا استطيع القيام مجددا ، إنعم بالنوم أمام التلفاز ، عله يسليك ، لا أعلم سببا لوجودك هنا سوى زيادة الأعباء فوق كاهلي .."
طعنني صوتها ، شعرت بألمها ، لابد أنها عانت كي تقوم وتجفف نفسها وترتدي ثيابها ..شارفت علي نزع شعري من قوة يدي وغيظي وغضبي من نفسي .
بعد مرور الوقت .. حاولت بحركة معتادة لإقتحام الغرف  بأن أُسقط المفتاح من الداخل لأقوم بجره لأفتح الغرفة .. و أدخل ...
وقفت عند الباب أطالعها ببلاهة ..
لم أحلم يوما بجمال كما رأيت .. هل هذه فريدة ..
شعرها قصير .. أسود داكن بعد ازلة التراب عنه ، جزء منه يخفي نصف وجهها .. متناسق مع بشرتها الناصعة .. أنفها ، شفتاها ..
جانب وجهها الذي يواجهني خطف لبي..
هدوئها وهي نائمة ألهب قلبي ..
تنهدت بعشق لم أطن بأني قد أصل إليه يوما .. عشق ساقني مدله في ثنايا ذلك الكيان الراقد أمامي ..
لامست وجهها بأصبعي هامسا
" فريدة "
فتحت نصف عينيها لتصيبني برمح فتنتها .. لتكتمل هالة النعومة والرقة الغير معتادة عليها .
تسارع خافقي ، أشتعلت ثورتي ..
جن جنوني عندما همست هي الأخري بهسيس خافت
" يونس "
ولم يكن مني إلا تلبية النداء ، إقتربت ، لم أستطع أن أبتعد مجددا ، إلتصقت ، وقد رنوت أخيرا إلى نصفي الآخر .
إرتشفت ، وقد كنت في الحب فقير ، فأغنتني بحلاوتها ، و أسقتني من دلالها .. فريدة في كل شئ ، فريدة بحبها .
***
الألوان تعصف بكياني ، القصير ، الشفاف ، الطويل و المفتوح ، أمسكت بأحدهم وتخيلي لفريدة وهي ترتديه يزيد ينهك رجولتي .. ويطيح بعقلي .
قررت اليوم الخروخ بعد أن أعددت لها ما إشتهت ، وساعدتها في أشيائها الخاصة دون خجل فقد كُشفت الأرواح فتعرت ، والأجساد فالتحمت .
كانت هادئة ، خجولة ، بوجه جديد لم أعتده منها ، فدوما ما كان قناع الصلابة هو المواجه لي ، و أكتشفت أنها كائن بونوبو طيب ، بينما أنا الشمبنزي الشرير .
لم أترك فرصة أو مناسبة الا وبادلتها قبلاتي ، و أعلنت عن أشواقي ، أواجهها بكوب الماء فور نظرها اليه ، أدس خفي في قدمها ، يتسع قليلا عليها .. كثيرا في الحقيقة ، إلا أنني أدللها كعروس جديدة وكحبيبة ، حريص على الزود بأحلامها .
الأحمر ، الجنزاري ، الطويل ، الشفاف ، إنتقيت مجموعة مثيرة من ملابس النوم ، على ذوقي الخاص ، تمنيت ألا تقذف بي خارج غرفتها ركلا عندما تراهم .
نقدت العامل بالمال ، لتكون وجهتي المتجر المجاور .
أدوات الزينة ..
وهل تحتاج حبيبتي لشئ يزيدها حسنا بعيني .
ولكن .. لا ضرر من ابتياع طلاء اظافر فرنسي بمستلزماته .
أحمر شفاة شفاف ليبرز شفتيها .
لم أهتم بتلك الأشياء من قبل ، لكني أستعد وبصدر رحب أن أهتم و أهتم .
عطر الكمثرى ، طال أنفي حيث إبتاعته أختي يوما ولم يعجبها ، ومنذ ذلك اليوم رسخ أسمه في ذهني ، كتميمة حظ لن أسعد إلا وزوجتي - التي كانت في علم الغيب وقتها - تضعه .
دسست محفظتي بجيب بنطالي الجينز ، الآن .. إنتهيت .
سرت حيث سيارتي .. أحمل الحقائب مستمتع بأختياري كل شئ يخصها و .. يخصني ، فهي لن تضع من ذلك العطر الا لي ، ولا من أحمر الشفاة الا لي ..
شعرت بشغفي بها يزداد ، وغمرني إحساس حقيقي بأني سعيد.
***
أغلقتُ تطبيق الواتس بعد أن تحدثت الى صفية ، تطمئن على حالي .
إبتسمت وكلماتها تتردد بذهني
" ياله من عجول ، هل ...  و أنتِ بهذا الحال "
إتسعت إبتسامتي عندما التزمت الصمت فكتبت
" فريدة ، هل لا زلت معي ! "
أرسلت لها وجه خجول فلم تتطرق للأمر مجددا .
كيف تنسي وهج انفاسه وكلماته بالأمس ، لقد أمطرها بكلمات تحمر خجلا كلما تذكرتها ..
قربها من سخونة جسده كالبركان ، حتى أشعلها .
لا تذكر من منهم أطفأ شغلة الآخر ، من منهم إمتص بنهم الحب و دلل الآخر .
بعد أن هدأ التياعنا حاولت النوم ، لكن عقلي ظل متيقظ ، شعرت بيديه تحتضن يدي ، كيف برجل أن تكون يده دافئة هكذا ، واسعة هكذا .
هي ليست يد .. بل أرض ، أرض زراعية خصبة .. منتجة ، هي أساس الدفئ بل وتصدره .
ولأول مرة منذ وفاة جدتي أشعر بالدفئ فأغمض عيني ولا أعي بأني نمت قبله ..
أهتمامه بتفاصيلي ، ساعدني على الوضوء ، على إرتداء ملابس الصلاة ، رتب وسادتي كي لا يتعب ظهري من الجلوس فأستند عليها ...
إفطاري  .. ولوهلة شعرت منذ زمن بعيد بأني مدللة.
***
" هذا لأجلي يا يونس "
رقتها وهي تتناول أدوات الزينة جعلتني أجثو على ركبتي أمام مجلسها .
عيناها تلمع فرحا بهدية كهذه ، تشممت العطر ثملة ، أعجبها ، وذبت في نعومتها ورائحتها التي تليق بها .
إمتدت يدي إلى الحقيبة الأخرى ..
أخرجت أحدهم فشهقت .. تضع يديها علي فمها ..
شرعت في تهدئتها بكلمات ظنتها وقاحة ..
و إذا بها تدفعني لأسقط أرضا وتتبعثر الملابس حولي ..
و إذا برنين الباب ينذر بقدوم ضيف .. " أمي "
هببتُ واقفا كمن لدغ أبحث عن مصل الشفاء ، و كأن " أمي " ستضبطني و أنا أقفز من فوق سور مدرستي .
أسرعتُ حتى لا أنال تقريعا أنا في غنى عنه.
أمي..
أميرة ..
عبد الرحمن ..
وما إن فتحت الباب حتى تفشى الجمع بالمنزل ..
جرى عبد الرحمن إلى غرفة فريدة بدون إستئذان ، هممت بالركض خلفه لأمنعه ، فإذا بأمي تمسك رسغي ..
بعينين متسائلتين .. فهمت مغزاها ولم أجب .
و إذا بالصغير يجري نحوي وهو يحمل قميصين ممن إبتعتهم ، يغني ويرقص ، يحاول أن يرتديهم ..صرخت به
" أيها ال ..."
لم تفلتني أمي ..  وضعت الحقائب أرضا .. ونظرت لعبد الرحمن بحزم ، حتى ترك ما بيده ووقف جوارها ..
" مبارك يا يونس ، هذا غداء العروس ، بارك الله لكما بني "
وبعين دامعة إحتضنتي ، وربتت فوق ظهري ، بعد أن فطِنت بأن الأمور تسير على ما يرام .
قبلتني أميرة بخجل مما فعله ابنها ، وهموا بالمغادرة ..
" تفضلي أمي ، لا يليق مغادرتك بسرعة هكذا "
إبتسامة مقلصة علت شفتيها بحب ، وكأنما إستشعرت سعادتي ، فقررت الإنسحاب
" بل العيب مكوثي في بيت عرسان ، هنأك الله بها يا حبيبي "
قبلت رأسي ويدي بدموع فرح باردة وكذلك أميرة ، أما عبد الرحمن فأمسكته من أعلى ياقته ، وركلته خارجا لأهمس
" ستتسبب في طلاقي أيها الأحمق "
" لم أفعل شيئا "
همهمت أشاور له بيدي ، و أغلق الباب .
تنهيدة راحة سرت بعروقي ، أتمنى رضاها ودعائها ..
" يونس "
إلتفتُ إلى مصدر الصوت .. ولبيت
***
يحمل صينية بها طعام شهي ، تمتلئ بما لذ وطاب ...
سألته
" هل غادروا ..!"
" نعم ، لم تشأ أمي إزعاجك ، تُبارك لكِ يا عروس .."
" أنا لم أنزعج إلا من عبد الرحمن هذا .. لقد .. "
تعالت ضحكاته عندما تلعثم قولي.. حرجا
وضع الطعام فوق السرير فصرختُ رغما عني
" لااا "
إلتقطتُ أنفاسي وقد بدأت طباعي في الظهور ، لكن لا بأس لنتعلم سويا خبايا أنفسنا ، خفضت صوتي لاستدرك
" لا أحب تناول الطعام في السرير .."
و إذا به يحملني ، يضعني برفق على طاولة السفرة ، ويذهب لإحضار الصينية من الغرفة ..
قبضته المحكمة أسفل فخذي وفوق ظهري ..
صلب هو يونس ، ليس قشة سهل كسرها ، وإنما حزمة من القش الصلب ، المتين .. كال.. ال .. السند..
ها هو في يومين ، يتسلل لأعماقي ، يتشعب كالأشجار عميقة الجذور بداخلي
" أمي أعدت الطعام لأجلك "
ناولني ملعقة أرز يعلوها خضروات ولحم .. يطعمني في فمي وعينيه تحكي قصص العشق ..
تناولتُ منه الملعقة
" الكسر في ساقي وليس في يدي "
أجابني بوله دسم يعلو محياه
" ليتها يداكِ "
شهقت ، قطبت حاجباي ، فتنحنح
" أ .. أقصد بأن هذا أو ذاك ، لن ينقصك بعيني يا فريدة ، أنت ست النساء "
لامس ذراعي بحب
" أنت هشة للغاية "
تنهدت بتعب
" أقتربت منكِ ، ظننتكِ ستكونين كأي زوجة تحافظ علي بيتها وزوجها ولكن "
قاطعت كلماته بحاجبين مرفوعين و أنف مجعد
" ولكن ماذا .. "
" ولكني أحببتك ، لستِ كأي زوجة أنتِ"
فعلا أنا لست كذلك ، فقد حاولت عرقلة و إسقاط والدته يوم كتابنا ..
أغلقت هاتفي وتجاهلت رسائله ..
تزوجني بقدم مكسورة ..
لا أستبعد أبدا ، إن حملت طفله وأنا في هذا الحال ...
كيف يرى وسط كل هذه الضوضاء مجالا لرؤية الهدوء والاستمتاع به ، إستمعت لقوله
" إمرأة تحدت الصعاب لتقف علي قدميها ، تحافظ على نفسها ، رغم ألمك ووحدتك نجحتِ يا فريدة ، حققت ما تتمناه أي أنثى ، كنت كعقرب الساعات ـ يمشي ببطئ لكنه يحدث التغيير ويبدل الكون من ليل حالك لنهار مشرق ، ليت كل العالم يراكِ بعيني "
أغمضت عيني ودمعي يسيل يرطب وهج كياني الذي سقته كلماته عن آخره .
هكذا يراني ، نجمة ..
مقاتلة ..
قوية .. وهشة  ..
عينيه ثاقبة ، ترى الظاهر والباطن ، تعريني ..
تصقل ثقتي بنفسي .. ياااه يا يونس ..
أين كنت منذ زمن..
أتشمم أصابعه التي تعبث بوجهي تزيل دموعي ..
لمساته الحانية تفكك عظامي وتبنيها من جديد.
أشعاره تخبرني بأني أنثى لم أعرفها من قبل ..
قبلت كفه بأنفاس حارة ..
أطعمني مجددا ..
ثم حملني إلى غرفتي ، ليتدثر بعطري من جديد.
***
بنبضات خافقك انا اهتديت
و من تلك الدعابات الحانية ابتسمت
و من بين ثنايا اسمك كان أُنسي و ونسي " يونس "

خاطرة هدية من بيبو .. بدر البدور..

***

عشق بالمقلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن