رواية عشق بالمقلوب 🌸
الفصل العاشر .. الأخير
ورقة أخرى تختفي من مكتبي ، وهذه المرة ورقة هامة ، سيتوقف عليها صفقة اليوم ..
وللمرة الثانية تُسرق الأوراق مني .. في عملي الجديد .
صوت يأتي من خارج مكتبي ..
إقتربت من الباب ، لأستمع لذاك الهمس
" هذه الورقة ستتسبب في رفده ، بل تدمير مستقبله نهائيا "
إنتفض جسدي ، و إنقبض قلبي ، تدمير ، أذى ..
عن أي أذى تتحدث تلك ..
فتحت باب مكتبي لترتعد ويسقط الهاتف منها لأستغل إرتباكها
" مع من تتحدثين ؟ "
" م.. ع ..، مع عميل سيدي "
" ما أسمه هذا العميل الذي يرغب في تدمير مستقبلي ! "
رمشت بعينيها في إرتباك ، إلتففت حول مكتبها لأجلس مكانها بينما هي لا إراديا تتنازل عن كرسيها لي .. لتقف أمام مكتبها ... وكأنها عروس ماريونت أحركها كيفما أشاء .
جلست أفتح أدراج مكتبها بوجه بارد ، بينما هي ترتعد أمامي ..
لم أجد شيئا فسألتها مباشرة ..
" أين الورقة الخاصة بمناقصة ( .. ) "
أجابت بتردد
" أي ورقة ! "
خبطت على مكتبها بقوة ، فانتفضت كالفأر الذي يخشي إنقضاضة القط ..
" لقد سمعتك تتحدثين الى أحدهم ، من يهمه تدميري يا ترى !.. أقسم بأن أدمر مستقبلك وحياتك جميعها ، أنت لم ترِ الوجه الآخر لي على ما يبدو "
تناثر العرق حول وجهها .. لتجيب
" علي ، إسمه عليّ ..حصل على هاتفي وطلب مني تلك الورقة تحديدا "
" وبماذا وعدك "
" المال "
" أين هي ؟ "
إقتربت من حقيبتها لتخرج ما أبتغيه .. وفي كلمات مقتضبة قلت
" لقد إنتهى عملك معي ، إستعدي للمغادرة "
***أطرُق بابها والغضب يشتعل بأوصالي ، غضب يتصاعد تدريجيا كالنار التي تلتهم العشب ولا تفرق بين أخضر أو رماد ، منذ غادرت مكتبي وعلمت الفاعل ، وشعور الانتهاك يثير أعصابي .
فتحت لي بعين متسائلة ، رحبت بي ثم أفسحت الطريق لأدخل ، وتسقط عيني على " عليّ " .
رفعت قبضتي و أنا في طريقي للدخول مشيرا اليه
" أنت .."
ليقف متحفزا لمواجهتي ..
أقترب منه خطوة ويبتعد عني خطوات .
" لماذا تلاحقني ؟ "
" وما شأني بك ؟ "
لازال يراوغ إذا ، ، يلتف حول الاريكة ليحتمي بظهر والدته ، فصحتُ به
" تحاول تدميري ، وكأن بيننا حروب وليس رحم ، زوجتي ابنة خالتك يا هذا ، عندما تدمر مستقبلي ستدمرها بالتبعية "
إحمر وجهه ليقول
" عليك أنت ، و هي اللعنة "
شهقت والدته ، إلتفتت اليه في بطئ ، لتواجهه بخزيه
" ألم ننتهِ بعد يا علي ، ما الذي فعلت ! "
صاح بها ، وخرج من حمايتها الى مواجهتها..
" لم ولن ننتهِ يا أمي ، كيف تسامحيها وقد كانت سببا في موت أختي ! "
صرخت به
" بل نحن السبب في موتها ، ما فعلته بفريدة كان السبب ، هي من وجب عليها لومنا ، بل وقطعنا ، لقد حاولت أن أسترضيها لتسامحني ، فلماذا لا تفعل أنت ! "
إلتقطت أنفاسها لتردف
" ما تفعله أنت الآن لن يعيد أختك ، ولن يريحها ، لطالما كانت فريدة أختا لها ، لا أصدق ما فعلت ، كنت أبحث عنها لانال عفوها بينما أنت ترجو الانتقام ، لماذا ، ولمن ! "
كلماتها كبلتني فلم يتبقَ لي شئ .
ألجمته بحديثها ، إنتظرت إعتذارا ، لكنه رفع عينيه بتحدي ، ليقول
" أنت ، من أين أتيت ، هل كان الأمر ينقصك "
" في الحقيقة كان ينقصك أنت "
" هي لا تستحق رجل مثلك "
سكن جسدي ، وقلت متعجبا
" عفوا ! "
تقطعت حروفي عندما أدركت قوله جيدا
" هل تكن مشاعر ما ، لزوجتي يا هذا ! "
أشرت الى صدري ، أنسبها لقلبي ، ليزداد حدة
" أحمل مشاعر لتلك المتحذلقة المغرورة ، لطالما إستحوذت على كل شئ ، الإهتمام من الجميع ، الدلال الذي أفسدها "
" أنت لا تعلم شيئا بعد عن فسادي "
إلتفت لأجدها أمامي ، فريدة .
دلفت بدرامية حازمة ، وملامح صارمة ، أعادت الي ذكرى عملي معها كمديرة .
لم أكترث بكيف ومتي أتت بقدر ما آلمني حديثها
" ماذا تعلم أنت عن فساد إمرأة عاشت بمفردها سنوات ...، عن إمرأة بلا أهل أو سند في تلك الحياة تصارع لبناء ذاتها "
صمتت لتلتقط أنفاسها فأكملتُ عنها
" بل كيف كنت تنام وتحيا يا مدعي النخوة والرجولة وابنة خالتك لا تعلم لها أرضا ، تنتهك بيتها لتنزع عنها ملكيتها وتلقيها كالقمامة لتتخلص من جرمك "
أكملت الحديث عني وكأنه نوتة موسيقية نقوم بعزفها سويا
" أي مبرر وذنب تلقيه على عاتقي يا علي لتنتقم من زوجي وعمله ، ما شأنه بانتقامك ، لست سببا في موت أختك ، تلك الكذبة المضحكة التي تصدقها وتريدني أن أحيا أصارع الالم لتنتشي أنت ، لا ، لم ولن أصدقها ، و إن قطعت الرحم أنت فلن أصله أنا ، و إعلم أن زوجي هو ما أملك في هذا الكون ، إن إقتربت منه مجددا سأغرس أنيابي بلحمك و آكلك حيا "
ثم إلتفتت لي
" هيا بنا يا يونس "
شعرت بالفخر وهي تدافع عني ، تلك اللبؤة الشرسة .
خرجت بقوة من المنزل وأنا أتبعها ، وما إن إقتربت منه حتي همست قربه
" تجرأ و إقترب منها ، وسأعد لك قضية محكمة البنود ، لن تخرج منها و إن إجتمع فريق قانوني لتبرأتك "
***
ركبت سيارته ، وبراكين ثائرة بداخلي غضبا من علي ، كيف جرؤ على أذيته .
لم يجد سوى يونس ..
الوتد الذي أستند عليه ..
رحيق حياتي التي كانت خراب دونه ..
علي .. هذا المختل ..
يخطط لفناء زوجي ..
تفرست جانب وجهه بشرود ، ما إن شعر بي حتى قال
" كيف عرفتِ ؟ "
" سكرتيرتك "
عينيه على الطريق ، لم يلتفت الي ، ينتظر توضيحا
" لقد حدثتني تتوسلني بألا تؤذيها ، وتعتذر ، تبكي "
همهم بهدوء
" لماذا خرجتِ بدون إذني "
" علمت وجهتك ، فخشيت أن ... "
قاطعني بنظرة منهكة
" لا مبرر لخروجك يا فريدة بدون معرفتي "
تراجعت دفاعاتي فأنا أعلم خطأي .
وتقهقرت رجولتي التي استُنفِذت منذ لحظات أثناء مواجهتي مع علي .
لتظهر أنوثتي وخجلي الذي لا يعرف مكانا الا أمامه.. همست معتذرة
" آسفة "
إبتسم ليقول
" عجبتني أيتها النمرة "
إبتسامته ، رتبت غضبي ، وقلمت ثورتي .
عنده أخلع عباءة أي شئ يقلقني .
" أنا آسفة لما لحق بك بسببي "
" لا ، لستِ كذلك ، لا تحملي نفسك ما لا تطيق ، فقد كان خطأه "
أدار المقود بيسر ليتفادى سيارة أمامه ليستدرك
" لم أكن أعلم بخسته ، يبدو أنه لن يعود الى رشده "
" ومنذ متي كان راشدا ، منذ الصغر وهو يلومني على إهتمام جديّ بي ، لم يدرك نعم الله عليه من أب و أم ، و أخت ، أليست نعم يا يونس حُرم منها غيره "
نظرة ألم .. تنهيدة .. إختلاجة فكه .. أخبروني بالجواب ..
يتألم لأجلي .. مد كفه ليحتوي كفي ، يعتصرها بحب ..
يمنحني ما فقدته منذ زمن ..
" رغم كل ما مضى إلا أني لم أحقد على أحد منهم ، إنتابتني نوبات غضب ، كره ، إلا إنني لم أفكر يوما في الانتقام ، رغم أنهم آذوني .. وعندما ندمت خالتي واعتذرت كنت افكر حقا في تجاوز الأمر كما نصحتني ، فقد إشتق الرحم من إسم الله الرحمن ووعد بمن وصلها وصله .. لكن بعد فعلة علي ، لا أظن بأني سأحيا بأمان ، دوما سيسعى للنيل منا ... لن أستطيع تجاوز أذاك يا يونس .. فليتوقف كل شئ أمام سلامتك . "
إشتدت قبضته ، يزكي كلامي ويستطيبه ..
" من أين لكِ هذا العقل يا فريدة ، لقد تمنيت بأن ينتهي الأمر على خير "
" يكفي بأنك كنت حلقة الوصل .. لقد بادرت حبيبي .. لكن الرد هو الجفاء .. كيف سآمن على صغيري معهم .. لن يتوان علي عن أذيته كما فعل معك .."
"لندع الايام تصلح الأمر .. "
"هناك أشياء تفسدها الأيام يا يونس ولا تصلحها .. لن تكون خالتي اول القاطعين .. بل وعمي .. هو لم يسرق مني شيئا .. لكنه أيضا لم يمنحني شيء .. لو يعلم احدهم المعنى الحقيقي للصلة وبركتها لما قطعها أحدهم "
هدوء اكتنف روحي وانا استشعر هذا المعنى ..
لن أندم يوما على ما قلت ..
"خالتكِ كانت ضده بالمناسبة ونهرته .. لم تكن تعلم برغبته في الانتقام "
أغمضت عيني أنشدُ هدوءا بات غريبا عني .. لم يُكمل حديثه .. وأنا إلتزمت الصمت ..
شعرت بنبض صغيري يشاركنا جلستنا وينبه معدتي وعقلي لأشعر بالجوع ..
" لم أعد الغداء اليوم .. هل ..! "
لم أكد أكمل حتى توقف بجانب مطعم صغير ، يستعد للمغادرة ، ليحضر لي ما أحب .***
أغلق سحاب فستانها ..
أُثبت طرحتها فوق شعرها المصبوغ بلون الذهب ..
أنهت زينتها ، فبدت كشقراء فاتنة ..
بياض بشرتها يليق ببريق فستانها ..
اليوم .. هو عرسي ..
أينعم جاء متأخرا عامين كاملين ..
إلا أنه اليوم الذي تحلم به كل فتاة ، ووجب علي تحقيق ذلك الحلم .
ساعدتها بكل شئ ..
حتى بدت كنبتة منعشة نمت بنهر كاستيلس بديع الالوان .
أدرتها ببطئ تقطعت معه أنفاسي ..
إلتهمتها نظراتي ..
وانتثرت شظايا عطرها بقلبي ..
حطت يديها فوق عنقي
" هذه البيجاما لا تتناسب مع فستاني و أناقتي يا يونس "
ثم أشارت الى من يتابع هذا المشهد الدرامي عن بعد ، لتردف
" ولا مع هذا الشبل .. أخبرني ماذا سنفعل به "
أحطتُ خصرها ، أقبلها على مرأى من الصغير
" دعيه يشهد دلال أمه "
إبتعدتُط أُمسك كفها ..
" لحظات .. سأعد نفسي لهذه الامسية ، حمام سريع وسأبدو كعريس يليق بجميلته "
غادرتُ سريعا كي احظ بليلتي منذ بدايتها .. مياه دافئة تبدد إرهاقي مع الصغير .. الذي بوجوده تبدلت أشياء كنتُ قد ظننت بأنها لن تحدث أبدا .. فيوم الولادة تواجدت خالتها التي تصر منذ شهور على محادثتها بينما فريدة ترفض .. الى أن حان وقت قدوم الصغير الى الحياة ..
أتت بموافقتي ..بينما غضبت فريدة ..
إتصالاتها لم تكف كي تطمئن عليها ...
ومع كلمات كثيرة ومحاولات أكثر .. نلت موافقتها على التحدث اليها منذ ساعات .. وكانت المرة الأولى التي تتبادل الحديث معها (حمدا لله .. شكرا لكِ )وأغلقت الخط ..
ضحكت والمياة تنهمر فوق رأسي .. كم هي بخيلة .. إلا معي ..
كم هي قوية .. إلا بين يدي ...
كم هي عنيدة .. نرجسية .. متحكمة ..
الا معي .. تكون .. معطاءة ، فياضة المشاعر .. ضعيفة بحاجة لقوتي .. بسيطة وإنقيادية لقراراتي ..
نفضت الماء عن رأسي .. تزداد ضربات قلبي شوقا لها ...
أغلقت الصنبور سريعا .. لن أصبر ولو لثانية واحدة ..
***
تركني و أنا .. أنا ..
ملكة ، هكذا قال ، ولطالما أصدقه ..
هو من جعلني كذلك ..
لامست حذائي الابيض .. ذو الكعب العالي .. المزخرف .. إرتديته ببطء .. استلذ بهدوء و حماس يدغدغ خافقي ..
أُثبِت خاتمه في إصبعي .. أدلك كفي ببعضهما في سعادة .. إقتربتُ من قفص فريد .. بجوار فريدة ..
نعم .. لقد إشترى يونس له زوجه .. وسماها فريدة على اسمي .. هاهي تقترب منه .. تداعب ريشه بمنقارها .. فيبتعد فريد ..
هذا الفريد الحاد لن يصلح زوجا أبدا ...
ثم إلتفت الى الأمير الصغير ، إقتربت لأحمله و أحتضنه ، وهو يربت على ما ظهر مني ، لا ، هو لا يلعب ، يبدو جائعا ..
خلعت طرحتي ، جلست أرضا .. أرضعه ..
إستمعت لصراخ يونس عندما رآني
" تبا لكِ فريدة .. أفسدتِ ليلتي "
نظرتُ له بصبر ، والصابون يعلو كتفيه .. فأشرت إليه
" أنت متعجل هكذا دوما ، لم تزل عنك تلك الرغوة يا يونس "
تركت الصغير أرضا .. ليحبو اليه ..
حمله يونس بحب ، وكذلك الطفل أعلن عن حبه لأبيه بجرعة لبن متبقية أسقطها على صدره ..
وهكذا ختم يومنا ، يوم عرسي المنتظر ..
***