🌸 عشق بالمقلوب 🌸
الفصل التاسع
تناول الخبز ليكمل طعامه .. يتحدث اليها
"هل لعلي مكان يذهب اليه ! "
لتجيبه سريعا
" بعد أن ضربته لن يفكر في العودة الى المنزل لفترة"
تعلقت عيني به ، إبتسامة فخر تسللت لوجهي .. حقا فعل ، يونس .. الهادئ .. يخرج عن طوره ليضرب أحد لأجلي ..
" لست غاضبة بني ، لقد دافعت عن نفسك "
حسنا ، لم يكن لأجلي ، بل دفاعا عن النفس ...
ضاق قميصه حول صدره وهو يفتح ذراعه ليلتقط الماء جواره..شاردة حول كيفية اللقاء بينهم ..
هل حاول ذاك المعتوه ضرب زوجي .. ألم يخبره أحد بأنه يرفعني بيد واحدة ..
يحملني ويؤرجحني كطفلة و أنا بهذا الوزن .. ألم يراجع نفسه قبل البدء بالعراك معه ..
كيف خُدعت للحظة بأن علي يمكنه ضربه ..
سعل ليخرجني من أفكاري ، يشير برأسه الى خالتي الساكنة جواري ..
خبطت بملعقتي صحني بضجر ..
" أتيت بصحبة زوجكِ يا فريدة لأعتذر عما كان ، سأصبر حتى أنال عفوك ، يكفي أني خنت أمانة أختي ولم أحافظ عليكِ "
رفعت حاجباي بصبر ، أغلقت عيني فربما تختفي من حولي ، تنفست بعمق ...ثم قمت لأغادر .. وصوتها يصل الى مسامعي ..
" انا أم لكِ .. وقتما تحتاجين حضني ، سأمنحكِ كلي .. سأربي صغاركِ وأعوضكِ عن كل ما مضى .. "
لم استطع كبح جماح لساني فقلت وكأنها تسمعني
" لم تكوني أما لي كي تكوني لصغاري .."
بعد دقائق قليلة شعرتُ بوجوده .. لامست أصابعه مؤخرة رقبتي يدلكها .. يسعى لاسترخائي .. أملت بظهري على صدره .. ذلك الصدر الصلب الذي استشعرت قوته منذ زواجي به.. بادرني بالكلمات
"أعلم أن عفوكِ ليس بالامر السهل يا فريدة .. لكن لا تجعلي غضبكِ يعميكِ .."
إستدرت بحمية أواجه عينيه بقوة ازهقها بملامسة وجنتي بنعومة..
" أعلم وأعي شعوركِ جيدا .. "
قاطعته بهمس وعيون تبرقُ دمعأً
"أنت لا تعلم .."
أهه خافته فلتت من بين ضلوعي إحتوتها كلماته
" بل شعرت بكل شئ وكأنه راي العين يا فريدة منذ فتحتِ قلبكِ لي أول مرة تحدثنا .. شعرت ببرد كلماتك .. ووحدة عينيكِ .. تفهمت ترددكِ وعدم ثقتكِ بأحد .. أنا أعلم .. جيدا .. كل شئ .. أنا لا اطلب عفوا او سماح او نسيان .. انا اطلب تجاوز .. معكِ كل الوقت حبيبتي لتهدأي .. خطأ خالتكِ لا يغتفر .. لكن تجاوزكِ للأمر قوة .. وأنتِ اهلها .. "
إنتقلت يديه لشعري يبعده عن عيني في حضن .. نعم حضن .. يونس احتضن عيني وقرأ ما بداخلي وضمد جرحي .. هو لا يحملني عبأ العفو الذي لا استطيع منحه ..
ولم يأمرني بالتسامح فنبدأ شجارا لم نخضه منذ زواجنا ..
لقد رتب أوراقي وأفكاري ووضع لكل شئ وفكرة مسمى ..
عانقته بحب وتملك .. استمد منه كل المعاني التي لم أدركها بعد ..
هو ذلك المنبع لكل منطق وعقل ..
أعجبني منطقه .. وإعتنقته ....
***
أغسل آخر الأطباق ، أجفف يدي ، هكذا تقاسمنا العمل ، هي تعد الطعام ، و أنا أغسل الصحون كي لا تقف على قدميها كثيرا ..
تجلس حول طاولة المطبخ ، تداعب كوب قهوتها التي صنعته لها ..
" لم يدللني أحد منذ زمن هكذا يا يونس "
قربت كرسي منها ..
" شاوري بأصبعك ، و لبيك "
سعادة غمرت وجهها فأشرق ، وعينيها فألتمعت ، وشفتيها فقالت
" ألم أخبرك من قبل بأني أحبك "
رفعتُ حاجباي بالتزامن مع إبتسامة بدأت في الإتساع ..
" أعرف .."
" يالك من واثق .."
أمسكت كفها ، وضيقت عيني بمرح
" لم أكن أسمعها .. بل كنت أراها في إختفاء ترددكِ ، في إحتمائكِ بي ، في كل سر أخبرتني به .. ، رأيت حبكِ في تسليمي مفاتيحكِ جميعها فلم أتعب في البحث ، و أنت تقدمين نفسكِ لي ككتاب مفتوح لأعبث بصفحاته ، و أقرأها على مهل .."
سكنت ..
" فريدة المتشككة .. المترددة .. تمنحني منصبها ، أوراقها ، خبايا عملها ، وكيف تفعل إن لم تكن تحب ..!"
راحة استشرفت وجهها وكفها .. فأردفت
" بل تعشق .."
" عشق ، بالمقلوب "
هكذا قالت .. ولم أفهم ..
" من المفترض أن أبحث أنا عن مفاتيحك ، أن أخبرك بمدى حبي ، أن أصنع قهوتك ، و أرتب أمورك .."
" لقد فعلتِ ، فعلتِ ما هو أكثر يا فريدة ، .. لقد منحتني أغرب قضية قد أصادفها يوما ، منحتني غموضا وكبرياء زلزل روحي ، ليأخدني منتشيا بقربك .. وتفكيك ثغراتكِ "..
" كيف برجل أن يكون مثلك .. ، لابد أن يصبح أسمك أنت فريد "
" بل يونس ، الصابر .."
ضحكت لتقول مشيرة بأصبعها نحوها
" صابر على المصائب "
أمسكتُ يدها الأخرى
" بل على الطاعات ، ليس كل الصبر بلاء "
غلبتها ، وكذلك أفعل دوما و أستلذ بالنصر الذي يأتي منها ، فهو نصر بالحب .. و التفاهم .
" بمناسبة العمل ، أريدك أن تكمل في منصبك .."
" والمكتب "
" أعلم أنه لا فائدة من المكتب يا يونس ، لن تخفِ الأمر عني كثيرا "
فركت ذقني .. لتردف
" لقد تحدثت الى مديري وهو من طلب مني ذلك عندما أخبرته في البحث عن أحد للمنصب ، فأنا لن أعمل .. فأجابني أن أقنعك بالاستمرار فيه .. "
ارتشفت قهوتها مستطردة
" كي لا تشعر بالشفقة ، لم أطلب منه ، بل هو من طلبك "
" ولماذا ستتركين عملك ، لقد شغلتي المنصب منذ اثنى عشر عاما "
تركت قبضتي لتلفني بيديها الناعمة ، تمسك كفي وتفتح أحد أصابعي لتقول بدلال
" أولا .. لأني أحببت المنزل .. الزوجة مكانها بيت زوجها "
" هذا بيتك وليس بيتي على كل حال "
تجاهلت قولي لتكمل
" ثانيا .. لتصفي مكتبك وتعيد لوالدتك مالها "
ثم فردت أصبعي الثالث لتقول و إبتسامتها تتسع ..
" ثالثا ، كي أعتني بطفلي يا يونس "
أملتُ رأسي جانبا ، ضيقت عيني .. فهمت ببطئ ما تعني .. قمت لازيح كرسيّ لاعانقها ..
عناق دافئ .. قبضة محكمة حول خصرها .. لم أشعر الا و أنا أرفعها عن الأرض قليلا لالف بها في بطئ ، تجتاحني السعادة ..
أنزلتها ، قبلتها .. وبصوت صارخ قلت
" أحبك .. أحبك ، أحبك "
وهي تتلقف سعادتي ، تضحك وفقط ، سجنت عينيها بين عيني لأخبرها بأنه لا فكاك ، جاءت حلقة الوصل لتقيد الحب ، فلن أفلتها بل سأخلُق ألف قيد .
***
أراقب سكناته وتحركاته بصبر، أستشعر إنفجارا قريبا ..
عبد الرحمن
هذا الطفل الرجل..
الحكيم الصغير ..
الواشي برقيّ ..
لقد أخبرني بكل ما قيل في حقي من قبل جدته " حماتي " ..
الحلو .. والمر..
" جدتي في البداية لم تكن تتحمل رؤية وجهك يا فريدة .. لقد كان لقبك " "فريدة المتجبرة "
ثم صدحت ضحكاته .. ذلك الفتى ، نشرة اخبارية متحركة ملحة .. ستعلمك بالخبر رغما عنك ...
" ولا أعلم سببا لتبدل حالها فقد بدأت تنهرني عندما أناديك بهذا الأسم أمامها "
لست أدري ، أغضب ، أم أفرح !
غلى الدم في عروقي ، وتجاوز غضبي التل إرتفاعا ، و إذا بباقي كلماته كما الماء البارد في قيظ نهار رمضان .
كلماته وتهكمه ، سابقا لسنوات عمره التي لم تتجاوز العشر سنوات .
مسدت بطني ، موضع جنيني ، والقلق يأسرني خوفا من القادم .
أدقق في هفوات تربية ذلك الطفل كي أتفاداها مع صغيري .
هو ولد بالمناسبة ..
طفلي ، ولد ..
قد يشبه عبد الرحمن ، شعره الناعم الذي يعلو عينيه ، يعطيه نعومة ليست متسقة مع لماضته .
ترك الحديث ليقترب من خيطي ، يقذف ببكرة الخيط لآخر الرواق ..
" أنت ، ماالذي فعلته ! "
" أساعدك في فك الخيط ، لتسرعي في غزل ذلك الجورب "
جعدت أنفي بغيظ ليردف
" ألا زال الوقت مبكرا على هذه الجوارب "
خبطت رأسي بكفي ، ثم مسحت وجهي بيدي بصبر
" وما شأنك أنت ! "
ثم نظرت في الساعة لاقول
" لقد تأخرت والدتك كثيرا ، هاتفها ، لقد مللت صحبتك يا هذا "
و إذا به ينفذ ما قلته بالحرف ، هاتف والدته ، أخبرها بأني مللت منه .. وهكذا سيتسبب في شجار بيني وبين والدة يونس وابنتها .
أمسكته من قفاه فور إغلاقه للخط .
إنخفضت به ، ثم شددت ياقته لأرتفع به .. كررت الامر مرارا أعذبه
" لقد رضيت عني حماتي أخيرا و أسقطت عني لقب فريدة المتجبرة ، ماذا ستفعل بي الآن بعد معرفة ما أخبرتك به ، منك لله ، ستتسبب في قتلي يوما ما ، ولعلمك ، لن أستضيفك هنا ثانية "
تعلق بقدمي صارخا
" لا يا فريدة ، أرجوك ، سألتزم الادب ، أنا أحب الحديث معك ، لا أريد الذهاب الي عمتي "
تنفست برضا
" إذا إعتذر ، و أخبر والدتك بأني دللتك ، وصنعت لك الكيك والسحلب "
" ولكنك لم تفعلي "
كانت كلمات يونس الذي اغلق الباب خلفه ..
فتركتُ الصغير لأربت على شعره بحنان ، وكأني لم أبعثر كرامته منذ قليل ، بدأت في هندمته أمام يونس ، أنفض عن شعره تراب وهمي ..
" كنت ذاهبة في الحال لأحضره له ، هل أعد لك واحدا ؟ "
" قهوة يا فريدة ، صداع يفتك برأسي "
***
جلستُ أمسك رأسي بعد أحداث طويلة مرهقة في العمل ..
أجلست عبد الرحمن جواري ، أدلله .. فقريبا سيصبح له أخت قد تحتل مكانه بالكامل ..
أميرة حامل هي الأخرى ، حملها تحفه المخاطر وغير مستقر ، يتطلب تحاليل دورية ، فتترك عبد الرحمن بصحبة فريدة .
" هل أكلت ! "
هكذا سألني فأجبت
" لا .. "
ثم إقترب مني ليهمس
" أنا جائع .. "
وارتسمت ملامح الأسى علي وجهه فتسائلت عما تفعله فريدة بهذا الصغير في غياب أمه ..
أخرجت من جيبي حبيبات الحمص ، فأنا عاشق له ..
وورث الصغير عشقي فقفز فرحا لمرآه ..
تركته أمام التلفاز لأذهب اليها ..
عانقتني ، عناقها أذاب تعبي ..
بدد إرهاق ذهني ..
رائحتها خدرت عقلي ، أثملتني فأغمضتُ عيني لتهمس لي
" هناك رجل بالخارج "
أخرجني قولها من حالة اللاوعي لحالة التأهب ..
" أين ؟ "
أشارت الى الخارج حيث عبد الرحمن فضحكت
" إنه طفل "
أبعدت يديها عني ، وإتخذت البعد مسافة قاسية بيننا..
" أنت لا تعلم شيئا عن صغار هذا الجيل ، هذا الطفل ، يطويني كالورقة البالية ويلقيني من النافذة "
قطبت فأردفت
" أو يجعلني حلقة حول أصابعه .. هذا التعبير اوجز "
لم أُسفه قولها لمعرفتي بعبد الرحمن .. إستهوتني الفكرة ، ودوما ما تكون أفكارها صائبة ، ربما لن أتركه معها بمفرده مرة أخرى..
لقد تطرفت بفكري ، لكن ، كيف أمنعها عن الناس جميعا لأجعل إهتمامها لي وحدي ..
تهاتف صفية ، تغامرني غيرة منها لأنها تشغل بالها ..
إهتمامها بعبد الرحمن يثير حفيظتي ..
إبراهيم الذي اهتم بها وثار لحقوقها .. تمنيت للحظات لو كنت انا من فعل ..
لقد رحمني الله أرقا قد ينغص علي عيشي إن تمسكت بعملها ..
عيناها الخاطفة .. كيف ينظر لها رجل غيري..
شفتيها الناعمة ، كيف تتحدث لغيري ..
أنفها الشامخ ، يديها الرفيعة ، بأصابعها الطويلة ..
ليتني أخبئها عن الجميع لتصير متعتي وحدي ..
لست أنانيا .. بل أناني ، من منا ليس متملكا في الحب .
***
شروده بعيني أقلقني .. عينيه تحدثني رغم بعد المسافة بيننا ..، إبتسامة ثغره المنتشية ، تخبرني بشروده ..
إغماضة عينه ، تحدثني عن عشقه لي ..
هذا العاشق لازال يعطي ، يغمر ، يروي قلبي .
كم مرة أخبرتكم أني احبه ..
هذا الغيور المتملك ..
تخبرني عينه مالا ينطق به لسانه ..
ليته يغار من عبد الرحمن فيرحمني من صحبته البهية ..
لامست جبينه أسأله
" ما بك ؟ ما سبب الصداع! "
وكأنني ذكرته ، فتناول القهوة من يدي ليقول
" أحدهم يخرب عملي "
حاز على جل إهتمامي
" من ؟ "
" لا أعرف حتى الآن ، لكن حتما سأوقع به "
" لابد أن تأخذ إحتياطاتك يا يونس ، لا ينقصنا فضيحة أخرى "
مسح وجه بإنهاك
" وهذا ما يرهقني ، بسبب زلتي السابقة ، إن حدث ذلك مجددا فسأجلس بكِ وبأمي ، وعبد الرحمن ، وربما لو عملنا في بيع الذرة "
" حمص الشام مربح أكثر "
أخرج من جيبه حبات الحمص ليضع القليل بفمي ..
" حقا ، الحمص مربح جدا "
حاول جذبي اليه مرة أخري حتى إستمع لصوت نقيق الضفدع بالخارج
" أنا جاااائع "
***
انتظروني مع الفصل الاخير بأمر الله يوم الاتنين القادم ... الثامنة مساء ..
كل عام وانتم بخير .