الفصل السابع

2.7K 87 0
                                    

رواية عشق بالمقلوب 🌸

الفصل السابع

ألامس أطراف شعرها ، تغفو فوق صدري ..
" فريدة "
" أمم "
همهمتها المسكرة ، الناعسة ، متحشرجة تغزو نعومة صوتها ..
ضحِكْت فقالت
" أضحكني معك "
" من يصدق أن فريدة المتذمرة ، المترددة ، المفترية ، بهذه النعومة "
" كلماتك تتنافى مع حديث الأمس "
ضحكْت أكثر ، فقالت تجذب انتباهي
" لقد تحدثت مع مديري .. "
" و .. "
إبتعدت قليلا عن صدري لتنظر الي..
" و أخبرته عن زواجنا .. ومنحني اسبوعا كاملا لنتنعم معا في العسل .."
قبلتُ جانب فمها
" العسل فقط .."
ذائبة بين يدي
" كل ما هو حلو "
خدرها انتقل الي ..فهمست
" ليس هناك ما هو أحلي منكِ يا فريدة "
فهي كحبات الجوز الصلبة .. ما إن أدغدغها بأسناني حتى أشعر بهشاشتها وجمال مذاقها المشبع بين أركاني .
***
جاءت صفية تعودني أخيرا بعد أسبوع أجازتها .. ومعها إبراهيم لمباركة زواجي ..
نظراتها المتفحصة أربكتني ..
همست بالقرب مني
" سعيدة ! "
لم أجب و أنا أعض علي شفتي وإبتسامة خجولة تعلوها .. بينما يتشاغل ابراهيم بهاتفه .. الى أن جاء سبب سعادتي يحمل الحلوي مرحبا بهما .. 
" كيف حال عملك يا يونس "
كان سؤال ابراهيم ليجيبه زوجي ..
نعم زوجي ، الزواج يأتي من الرقم الزوجي المتزوج الملتحم الذي إن قُسم على أثنين يكون الناتج بلا كسور .. هكذا هو يونس سهل المعشر ، يتقاسم معي كل شئ بل ويحمل نصيبي ايضا على عاتقه ..
" الحمد لله ، لم أفتح المكتب منذ أسبوع "
أهتم إبراهيم لحديثه
" ليس لدي قضايا علي أي حال "
" لا بد أن تفتحه وتسعى في ضم قضايا لك ، صفيه ستساعدك منذ الغد ، فريدة فرد من العائلة وعلينا مساعدتك "
على الإمتنان محياه ، ثم نظر لي بإعجاب ..
" فريدة هي عائلتي كلها .."
سعلت صفية بضجر .. ربما لم تعجبها نحنحته .. لكنه يأثرني بنظراته وكلماته منذ زواجنا ..
لم يمكثا كثيرا ليتركونا نسعد بأيام العسل ..
غادرا وبقينا سويا من جديد..
الكل يأتي ويغادر ونحن معا .. وكيف يتركني .. فهو ملتصق بي وهذا ايضا مفهوم آخر للزواج ( الالتصاق )..
نظف الكاسات .. رتب المطبخ بعد الغداء .. ساعدني في تبديل عباءة العروس تلك ، إرتديتها لمقابلة الضيوف المباركين .. كانت على ذوقه ( الرفيع ).. ولم يمنع نفسه من ارتشاف جرعة مكثفة من العسل وهو يبدل لي ثوبي ...أخبرته مرارا بأني قادرة علي فعل ذلك بنفسي إلا أنه يدللني ، و أنا أدمن دلاله.
في اليوم التالي صباحا .. نتناول قهوتنا بصحبة فريد وثرثرته ..
بادرته بالحديث بعملية ممزوجة بدمائي
" ستذهب للعمل مكاني يا يونس "
" أي عمل ؟ "
" مدير الشئون القانونية ، ستشغل منصبي .... لقد تحدثت الى رئيسي وقبِل ، هو يثق بقراراتي "
" ومكتبي ! "
" ليلا "
" ومتى ألقاكِ ؟ "
حيرة هي ما سكنت محياه
" مكتبي هو مستقبلي وعلي السعي لأفتح هذا البيت ، لن أذهب الي عملكِ و أرتاد مكتبكِ وصفقاتكِ .. يجب أن أبني نفسي يا فريدة "
" أنت لها "
رفض بقوة
" لن أستطيع "
***
أحمل حقيبة فارغة لا أعلم لما ذهبت بها ، لكنها حقيبة فخمة تمنحني هيبة ووقار بجانب حلتي الرمادية الأنيقة ..
أتيت في موعدي بالدقيقة .. أتسلم مقاليد مكتبها ، برعايتها ، وتوجيهاتها ..
مررت علي السكرتيرة ، فبعد أن كنت عضو في فريق ، أصبحت أنا قائده ..
أوراق ومعاملات ..وصفقات ، وتوقيعات ..
رافقني صوتها طوال اليوم توجهني وتخبرني بأماكن الاوراق في مكتبها ..
تحدثني عن الصفقات وترتبها لي وفقا لأهميتها ..
وفي لحظات أصبحت خيوط المنصب في يدي .. لأحركها كما أشاء ..
لم أتخيل يوما بأن المكتب الذي دخلته يوما كي أعقد به صفقة .. قلبت حياتي رأسا على عقب .. سيكون مكتبي .. بسعته وألوانه .. وبتلك الراحة التي تصيب النفس وتأثر الروح فور الولوج إليه .. ربما هي روحها العالقة .. الساكنة جدران الغرفة .. وربما شوقي لانفاسها ودفئ مشاعرها .. هو ما يربطني بأي مكان وطئته بقدمها ..
مرت عدة أيام .. وأنا أمارس عملي برتابة ..صفية تساعدني نهارا ، و أنا أهتم بها ليلا ..
ابتعت لها عكازا لربما إحتاجت الحركة ولم يكن معها أحد خاصة مع تحسن ظهرها ..
عدت للمنزل ، سمعتها تتحدث الى أميرة عبر الهاتف ..
جمعتهم صداقة حديثة إستمتعت بها ..
و أمي في زيارتها الأخيرة لنا أبدت رضاها على فريدة .. ولا أعلم لذلك سببا سوى تنازلها عن غيرتها في سبيل سعادتي ..
أغلقَت الهاتف فور رؤيتي .. إقتربتُ منها أعانق خصرها أرفعها عن الأرض قليلا ..
" أرغب في حصتي من الدلال .."
ضحكة خافتة بجانب أذني .. كانت علامة .. للإقتراب ..
***
أنظر من نافذة غرفتي ، إشتقت الخروج .. التسوق .. السير ..
حبيسة المنزل منذ شهر ..
إشتقت ولكني راضية ..
صفية ويونس لم يتركاني للحظة .. كلا منهما سند حقيقي في حياتي ، إن إبتعد احدهما إختل البناء .
أميرة ، كلما سمحت لها الفرصة لزيارتي لم تدخر جهدا  في التقرب مني ..
حماتي .. أمسكتُ ضحكاتي يوم أتت لزيارتي مرة بمفردها ..
جلست-هي- بكبرياء .. لم نُصفِ ما بيننا .. نظراتها المتحفظة تجاهي ضايقتني .. أستندت على عكازي كي أحضر لها كوب شاي ، لأستبدل السكر بالملح في حركة لعينة لاغاظتها .. فهي لم تعرض مساعدتها لي أو رفضها لحركتي وكأنها تود لو أنمحي من حياة إبنها ..
عدتُ من المبطبخ متكأة على عكازي بيد ، والأخرى أحمل بها الكوب .
قدمته لها بأدب يتنافى مع فعلتي ، مدت يدها .. تذوقته ، لم تبدِ أي إمتعاض حتى أنهته عن آخره ، ربما جرعة الملح لم تكن كبيرة ، سأكثر منها في المرات القادمة طالما إستساغته .
نظرت الي طويلا ثم ..
" سلمت يداكِ "
رفعت حاجبي أجيبها بتساؤل
" هل أعجبكِ ! "
أغمضَت عيننيها بحاجبين مرفوعين مستمتعة
" جدااا "
تنفستُ بصوت عالٍ .. بحسرة
" بعد شفائك ستأتين بيتي بالتأكيد "
ثم رفعت يديها أمامي لتردف
" وسأعد لك ما هو أشهى من ذلك الكوب "
إبتسمت بهدوء إستفزني ...
هدوء تيقنت منه أنها تخطط لشئ عظيم قد يهدد حياتي مع زوجي ..
يونس .. هو الوتد المتماسك في الأرض بقوة الذي أستند عليه الآن ، ألا يستحق مني أن أفعل شيئا لأجله ! ، لن يسعد بالنيران المشتعلة بيني وبين أمه ..
هو أخبرني بأنه يثق بي .. وبعقلي وبأني لن أتمادى في إغضاب أمه..
إنفرجت شفتي بهمس
" أمي .. "
لم أنادي احد بهذا اللقب بعد موت أمي ..
لكن يونس يستحق حياة هادئة ، كما منحني كل الحياة ..
" أنا آسفة .."
" حددي على أي شئ بالضبط .."
نظرت أرضا بأسف حقيقي ..  عله يهدم جدار الغضب بيننا ..
" كل شئ .. أ .. أنا .. "
تلعثمتُ وكأني أتعلم  الحديث من جديد لأحسم قولي
" ربما أشعر بالغيرة منكِ لأن أولادكِ حولكِ ، أو لأنكِ أحسنتِ تربيتهم ، ربما هو شوق لأم فارقتني منذ زمن ، أو .."
لانت ملامحها قليلا دون كلام فأردفت
" أمي أنا سعيدة ، يونس منحني السعادة والأمان الذي بحثت عنه طويلا ، أميرة صارت أخت لي .. أنا حقا آسفة .."
ترقرقت عيناها بدمع كالندى .. رقيق يعكس نسمات الصباح .. منذرة بيوم جديد
قامت لتجلس جواري لتحتضن رأسي الى صدرها..
" أنا أيضا شعرت بالغيرة منكِ ، تمسك يونس وتعلقه بكِ ضايقني ، ولم أعِ أنها سنة الحياة ، ليس هناك ضير من أسف قد يسعد ابني ويهدئ من حياته .."
ثم إبتعدت قليلا تعبث بشعري ووجنتي لتردف
" هل أصنع لكِ كوب شاي "
إبتسمتُ رغما عني بعد حديثها المؤثر لاقول
" بالملح ! "
لمعت عيناها لتخبط كتفي
" ليس بهذه السرعة ، ربما في عزيمة ما سأردها لكِ ، أنا لا أترك حقي ، تأكدي من هذا .. "
ومن يومها وتحسنت علاقتي بها ، تتودد الي وتعاملني كأميرة ..
لم أخبر يونس بما حدث .. فليس كل شئ يقال .. وهي فعلت المثل .
***
أجلس خلف مكتبي منهك ، فقد بدأ الوجه الآخر للزواج وهو ( المسؤلية ) ..
في عملي نهارا ، والمكتب ليلا ، ومساعدة فريدة التي تتخلل يومي .
آااه فريدة ..
الشقية ، التي أفسدها الدلال ..
توقظني ليلا لأحضر لها ماء ، ثم .. ثم تأتيني بحجج أعلم جيدا الى أين ستنتهي ..
" أوقد النور "
" رتب لي وسادتي لا أود النوم "
لأجد نفسي أنساق وراء طلباتها بود وحب رغم إمتلاء يومي ، و أثناء ترتيبي للوسادة ، تلاطفني ، تلامسني .. تقبل أذني ..حتى تسلمني الزمام   .. تنهيدة راحة شقت صدري .. اسبلت جفني بهدوء للحظات ..
وقعت على أحد الأوراق أمامي ..
فتحت درج مهمل في مكتبها أبحث عن ورقة هامة ، ربما وضعتها السكرتيرة هنا..
مجموعة أوراق مهملة جلست أفرزها لأتخلص  من زحامها ..
" كنتِ سبب في موت أختي ، أقسم بأني سأستوفي منكِ ديني عن آخره .."
" لقد وصلت لعملكِ يا فريدة .. وقريبا سأصل لبيتكِ "
" القصاص قريبا "
إنتفضتُ من تلك الرسائل وأنقبض قلبي ، فريدة قد تقدم على إيذاء أحد ..
نفضت الفكرة سريعا من رأسي ..
لكني لم أستطع زحزحة قلقي  عليها ..
تناولت هاتفي لأتحدث اليها
" يونس ، هل هناك شئ ! "
ما إن وصلني صوتها حتى هدأت خفقات قلبي ..
" كنت أطمئن عليك ، هل تحتاجين لشئ ؟ "
" لا .. أميرة وصفية برفقتي "
إطمئننت عليها .. أنهيت الإتصال وذهني يطرح العديد من الأسئلة ، وجل إجاباتها لدى فريدة ..
***
عاد من العمل بوجه قاتم قلق .. وبدون مقدمات .. أخرج أوراق من حقيبته فور دخوله وسؤال قلق يغزو نبرته
" هل آذيت أحد من قبل ؟ "
" عمَ تتكلم يا يونس ! "
ناولني الأوراق ، و إذا بأنفاسي تزداد ، لاح الغضب بعيني ، إسترجعت ذكرى مقيته
" لم كل هذا الحنق والإرتباك ، هل فعلتها فريدة ؟ "
لم أجب فكرر
" هل آذيت أحد ! "
" ابنة خالتي "
وإذا به يسقط فوق الاريكة ، صخب عينيه ينذرني بإنفجار فأردفتُ أوضح
" لقد كانت تعاني من مرض عضال ، أنفقت خالتي كل ما تملك لعلاجها ، وكان الأمل في إجراء عملية لها لكنها مكلفة ، لذلك قرروا الاستيلاء على شقتي لبيعها ونيل المال "
دموعا سقطت من عيني ظننت أني نسيتها ..
" جدي أنجب ابنتان ، وكي لا يرثه أخوته ، كتب منزلا بأسم خالتي والآخر بأسمي حيث توفيت أمي و أنا صغيرة ..لم أكن أعلم بتكاليف علاجها يا يونس أقسم لك .. كنت اعلم بمرضها فقط .. لو علمت لفرطت في كل شئ لأجلها ، لقد كانت أختي .."
إقترب يحتضني ، أشم رائحة الحب في ثوبه والإهتمام في تربيتة يده ..
بكيتها بشدة ، عروس تبكي..
سخرية أخرى تعبث بزواجي الأسطوري ...
" علي يحملني ذنب موتها .. الذي لا أعلمه الا من رسائلة المهددة لي ، بعد مرور تلك السنوات .. أنا .. السبب ! "
حملت نفسي ذنبا لم أرتكبه ..
وضغط عليّ بقوة على عاطفتي ليستوفي دينه .. وربما يخفي ما هو أكثر من أنتقام.
***

ان قطع رحمي من ذوي دم
فقط وصل منك بألف نسيج
بدم و عشق ،بسند و دعم ، بعشرات الحكايا ،و عشرات الوصايا ، و عشرات الربتات الحانية 🌸
خاطرة من بيبو ..
***

عشق بالمقلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن