رواية عشق بالمقلوب 🌸..
الفصل الرابع
دُهشت عندما أخبرتني السكرتيرة بأن يونس يود مقابلتي ، فأنا لم أطلبه ، وليس هناك عمل يستحق العرض عليّ ، أجبتها بأن تدخله.
عندما دلف الي لفني عطره الحديث فلم يكن يضعه ببذخ كاليوم ، ملابس رسمية غير معتادة ، شعر مرتب بعناية وكأنه على موعد مع الوزير
" خيراً "
لم يبدو لي بأنه تحدث فأردفت
" لا أرى ملفات بيديك ولم أستدعك "
تنحنح ، زم شفتيه ، رفع حاجبيه ، هل يضع جيل في شعره .. سيتساقط يوما ما كجدي..
إلتقطتُ أنفاسي .. جدي ، ليته بقيَ ، لما إستباحني الداني والقاصي .
عدتُ بنظري اليه ..
ما تلك الثقة التي تنبعث منه ..
هيئته البطولية في إقتحام مكتبي ..
دوما ما يبادرني بحزمه وحسمه في الأمور ..
ألتهم قسماته ، أتفرسه ، وبوجه متسائل ، وبرأس مائلة ، و بإشارة من يدي وجهته نحو الرد .***
صرخت -فريدة - بحدة ، لتنتشلني من التوتر الذي غرقت به ..
" يونس ما الأمر "
وبعد أن حسمت أمري بشأنها بالأمس ..
لم أجد من الجواب بُدا
" أريد أن أتزوجك يا فريدة "
كان جوابها أبعد ما يكون عن توقعاتي الحالمة ..
" هنا في الشركة ، هل جلبت مأذونا بيدك ! "
شعرت بالسخرية تغمر صوتها
" تبالغ في عطرك ، تُلطخ شعرك بذلك الجيل الرخيص و أنت علي مشارف الأربعين يا يونس لأجل أن تتزوج بي ! "
" أتممتت الثلاثين فقط ، و لم أضع جيل يا فريدة "
لازالت على هجومها تُردد
" تطلب زواجي في الشركة "
" لم تكوني لتقبلي بموعد بالخارج ، وقطعا لن آتي الي منزلك وأنت بمفردك .. كيف واين ومتي ومع من أتحدث لأتزوجك ..؟ "
ثم مسحتُ علي شعري علّي أُزيل آثار الجيل المتبقية ، هل أسرفت في إستعماله ، أم أن عينيها الثاقبتين من إخترقتني ..
هي معجبة إذا ..
" و إن لم أضع الجيل لكِ لمن أضعه لعبد الرحمن ! "
عقدت حاجبيها
" ابن أختي "
" أنا لا أعرف عنك شيئا ولا أنت .. كيف تطلبني للزواج هكذا ، وكيف ظننت بأني قد أقبل بك ، أنا مديرتك يا يونس ، أتظننا سنسلم من كلمات ونظرات الناس ، أم تود إعادة تمثيل فيلم ( مراتي مدير عام ) "
لم تضايقني سخريتها ، ولا نظرتها الدونية لي ، و إنما لرؤيتها الشاملة للأمر ، هي حقا لا تعرف عني شيئا ، لكن هناك خطبة ، أم تراني تعجلت الأمر من ضغط أمي وعبد الرحمن ..
هززتُ رأسي أنفض عني الأفكار ، وشعور حارق بالرفض يطال رجولتي.
حسنا يا فريدة ، سأستقيل ..
و سأخبركِ بما تجهلينه عني ..
***
ثلاثة أشهر منذ رحل ..
أشعر بالوحدة تتضاعف داخلي رغم أن الجمع حولي ..
قهوتي باردة .. ولا تأتي في وقتها ..
نظرات العامل لي توخزني كلما عدت لترددني ..
شهر لحقه الآخر ..
ولم أره .. بينما صورته الأخيرة تلازمني ، وسعادة عينيه وهو يطلبني للزواج ..
ويداه التي تشيح في وجهي يخبرني بأني لن أقبل بالخروج معه ..
هل كان سيلمسني مبددا ألمي يوم مرضي أم أنه الوهم ..
لقد كان جواري دون أن أطلبه يوم لقائي بعلي ، لقد تتبع سيري ..
ثرثرت معه في أشياء عديدة.. بُحت بأشياء لا يعلمها سوى صفية لأننا تشاركناها معا..
رمشت بعيني ، دلكت مؤخرة عنقي، أنا .. حقا ، لا أعرفه!
شرودي ألقى بي عند قفص فريد ..
وذاك البؤبؤ الأسود الذي يميز عينه يجذبني ، منذ متى وهو وحيد في قفصه بعد أن ظننت أن صحبتي له تؤنسه ..
هل حان الوقت لشراء نصفه الآخر ..
أرجعت رأسي للخلف بخدر .. لقد تحمل القفص خاويا منذ زمن ..
وكذلك أنا .. تحملتها -الوحدة - أيضا ..
أليس من العقل أن يشعر كلانا بالاكتفاء كلا من بني جنسه ..
أغمضت عيني بتعب وتوجهت لسريري ، ألتمس النوم لتتوقف أفكاري.
وفي الصباح ، أمُر في طريقا مشى فيه يوما ..
أركب مصعدا حمل جسده و أجلس على مقعده المفضل في مكتبي وكأنه يحتضني ..
يونس .. لقد صدق حدثي بأن إسمك سيعلق ببالي طويلا ...
لم أكد أشرع في عملي حتى وجدت رسالة علي هاتفي .. صورة لبطاقة شخصية تخصه..
اسمه..
سنه..
عنوانه..
وصورته.. وهنا كان تعليقه قبل أن أفكر حتى
" أرجوكِ لا تضحكي "
لقد ترجاني ، حسنا ، لن أضحك ..
وبطبيعتي المترددة ، إنفجرت ضاحكة حتى أدمعت عيني ...
وتوالت الرسائل .. وكأنه يُعرفني عليه بأوراق رسمية مختومة ..
في اليوم التالي أرسل عقد زواج والدته ووالده بصورهم ..
ليلا .. أرسل الي عقد زواج شقيقته الذي يحمل صورة شقيقته وزوجها ...
وفي اليوم الذي يليه .. أرسل إلي صورة المدعو عبد الرحمن وهو بجانبه يحتفل بشيء ما .. الصغير يشبه والدته ..
إعلتيت سريري في نهاية اليوم ، أغلقت الأضاءة و إكتفيت بإضاءة الهاتف .. كبرت صورته .. تمعنت بها .. إبتسامته الساحرة ، كيف لم أنتبه لها من قبل ..
عينه الضيقة والتي إزدات ضيق مع ضحكه ، أنفه الطويل و كأنه أمير شهير بعجرفته ..
ما أراه في عينيه حنان خالص ..
حنان حرمت منه منذ زمن ..
أود تجربته .. الالتصاق به قدر الامكان...
" وافقي يا فريدة "
كانت رسالة من صفية ، شاهدتها لتكمل
" لازلت علي تطبيق الواتس الى الآن ، لابد و أنه يتحدث اليكِ "
كتبت
" نعم .. يرسل اليّ باقي أوراق العائلة .."
أرسلت اليّ وجوها ضاحكة .. ففعلت بالمثل مع تنهيدة رضا ودلال لم تصل لقلبي يوما..
" هذا رجل حقيقي يا فريدة .. لقد طلبكِ للزواج ، ترك العمل حين قللتِ من شأنه ، متمسك بعجرفتكِ ويُعرف نفسه ، هل تريدين نوع معين من لقاح أو مصل ، أو ربما تودين تحاليل ما قبل الزواج ! "
" سنقوم بها "
أرسلت وجوها متعجبة ثم كتبت
" هل وافقتِ "
" سأفكر في الأمر .."
***
أدرس قضية هامة أكرمني الله بها ، ليعمل هذا المكتب الصغير أخيرا ..
ولأقر عين والدتي بعد أن باعت ذهبها لأجلي بعد أن أخبرتها أخيرا بصرفي من العمل ، وأسقطت من روايتي فترة عملي بشركة فريدة ..
تلك المتسلطة ، المترددة ، الشهية ، ال....
يكفي هذا ..
لقد أصبحت مجنونا بها .. أتذكر يوم ذهبت لأختي كي أصور وثيقة زواجها ، لم تصمت إلا بإخباري لها عن الأمر برمته ، لأصبح مادة التندر للعائلة بأكملها ..
أخبرتهم أنها كانت زميلة عمل .. وفقط .
عبد الرحمن الثرثار الصغير لم أسلم منه يومها عندما أمسك هاتفي ووجد صورتها ..( التي سرقتها من الواتس خاصتها )..
لقد ذاع الخبر ، وشاهدها الجميع ..
" جميلة "
" تبدو حادة الطباع ، أنظر الي فمها المشدود "
" ذوقها مميز ، أحمر الشفاة الذي تضعه جذاب "
" طريقة ربطها للحجاب يبدو متزمت .."
" لماذا تبدو حزينة هكذا "
" لون بشرتها جذاب ، يناسب لون عينيها "
" هل هي طويلة ! "
" كفى "
وضعت يدي علي أذني صارخا بهم ، لن يتوقفا الا بالصراخ ، جذبت هاتفي من بين براثن أصابعهم وقمت ... لأشعر بخف أمي يلاحقني الى أن ضرب رأسي ...
تظاهرت بالسقوط ليركض عبد الرحمن الي ويقفز فوق بطني ، صرخت به ، أمسكته من تلابيبه أحمله نحو غرفتي مرددا
" أنت السبب ، أنت السبب "
فهو من سرق هاتفي على كل حال و أستحق ما فعلته به
عدت بأفكاري للعمل ، أغلقت ملف القضية حالما إنتهيت من دراستها ، هممت بالمغادرة ..
لأجد صاحبة أفكاري أمامي
" فريدة "
أقتربت بتردد بِتُ أعشقه..
باغتتني بقولها المباشر
" هل عرض الزواج قائم ، أم أطلب عرض بيتزا "
إقتربتُ أكثر
" إجعليهم إثنين .."
" البيتزا "
أومأت برأسي مجيبا بهمس
" البيتزا "
تمعنت بعينيها ، أضغط على أسناني بتماسك ، فقد باغتتني ودكت حصوني ... تسابقت كلماتي بلهفة
" هل وافقتِ ! "
نظرت للأرض بخجل لم أعتده بعد منها
" نعم "
" فلنلغي البيتزا إذا ولنأتِ بالمأذون "
إتسعت عيناها فأردفت
" أقصد الشربات "
****
" سنها كبير يا يونس ، هي لا تناسبك "
كانت كلمات أمي المغيظة لي ، منذ أن تيقنَت من قرارري وغذيتها بالمعلومات التي أرادتها حتى إنفجرت بوجههي كخرطوم مياة المطافيء وقت الإطفاء .
" تكبرني بعامين فقط ، و أنا لا يهمني السن يا أمي ، لقد إنجذبت لها وفقط "
" هي بلا عائلة ، من ستضع يداك بيده لتعقد قرانك ؟ ، تعمل منذ زمن كما أخبرتني فهي ليست بحاجة لمالك أو إنفاقك عليها ستستغنى عنك عند أول مشادة بينكم يا ولدي ، إن تأخرت قليلا في الإنجاب ستزيد نسبة عدم إنجابها ، ليست كفتاة صغيرة أمامها العمر كله "
" أنا لن أتزوجها كي أنفق عليها أو كي أستعرض عليها قوتي يا أمي ، ستكون زوجتي ، ليس لها عائلة سوانا ، أنا من سيخاف عليها ويحميها ، و إن زلننا يوما سأتمسك بها أوجها وتدعمني "
راقبتُ إنفعالاتها ، أعي خوفها عليّ ، لكن هذا إختياري ووجب علي التمسك به .
أغمضت عينيها متنهدة
" أراها أولا ، وبعدها أحدد رأيي "
نظرت لأختي كي أجد بعض الدعم فقالت
" لا بأس يا أمي ، نراها أولا وبعدها نحكم "
إقتربت من أمي أمسك يديها بحنان
" أعلم بأنكِ ترغبين في الخير لي ، أعلم بأني الرجل الوحيد في حياتك بعد وفاة أبي ، و أعي جيدا خوفك عليّ ورغبتكِ في حمل أطفالي .. إلا أني نضجت بما فيه الكفاية لأختار عروسي .. "
ثم أردفت بحسم متعمقا بعيناها
" وعروسي هي فريدة .."
***
( و من أين أدري أن لرشفة بطعم العسل ،مذابة بأنفاسه ، مطعمة بلمسة من ثغره ، تمتزج ببقايا عطره ،تتغلغل بقهوتي ، فتأسر روحي ، تسبي عقلي ،فأعلن انهزاما ،بنكهة نصر. )🌸 خاطرة بقلم بدر البدور