الحسد من الآفات القلبية التي ينبغي علينا أن نتخلى عنها إذا تحققت فيه شروط معينة، وإلا فهو يكون تحت عنوان الغبطة، الحسد نوعان:
أحدهما: كراهة النعمة التي في يد الغير وحب زوالها عن المنعم عليه.
يعني رأيت أحدهم عالمًا أريد أن يزول هذا العلم منه، رأيت أحدهم غنيًّا أريد أن يزول هذا الغنى منه، رأيت أحدهم قويًّا أريد أن تزول هذه القوة منه، فهذا هو الحسد، تمني زوال النعمة عن المنعم عليه، وقد يكون مع هذا يعني نوع من أنواع حب أن تأتيني أنا، أريد هذا الغنى يأتيني أنا، والقوة تأتيني أنا، والعلم والجاه يأتيني أنا، وهنا يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ} هذه الآية غريبة؛ لأن فيها الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة، يعني يكفي في دين الإسلام هذه الآية من أجل أن توضح الأمر؛ ليس هناك تساوي ولكن هناك مساواة ،فهناك فضائل عند الرجال، وهناك فضائل عند النساء وكلاهما تكتمل به البشرية، فيا أيها الرجل لا تتمنى ما أتاه الله من فضله للمرأة؛ وتريد أن تكون كالنساء، ويا أيتها المرأة افرحي بكونك امرأة ولا تتمني ما فضل الله به الرجال.
إذن، لا يتمنى أحدنا الفضل الذي أتاه الله سبحانه وتعالى للطرف الآخر وإنما يقول: يا رب وفقني فيما أقمتني فيه، ولذلك يأتي الحديث ويقول: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال». لعن يعني كبيرة طرد من رحمة الله، لماذا؟ لأنك تريد أن تسير في غير ما أمر الله سبحانه وتعالى وأقامك فيه، الرجل يفرح برجولته، والمرأة تفرح بأنوثتها، هذا هو الذي يتواءم مع أمر الله سبحانه وتعالى، وكلاهما إنسان واحد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} من نفس واحدة، يعني الرجل والمرأة على حد سواء.
النوع الثاني: عدم محبة زوالها، وتمني أن تكون لي مع أنها تكون لك أيضًا.
فلان ينفق أمواله في سبيل الله، ويعمل الخير، وأتمنى أن أكون مثله ، هذه هى الغبطة. قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
فالغبطة أنا لا أتمنى زوال النعمة، أما تمني زوال النعمة هذا نوع من أنواع الشر.
ولذلك حدث للصحابة شيء من هذا، أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ :« وَمَا ذَاكَ ». قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: « أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: « تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً ». فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - فَقَالُوا : سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - « ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ».
وتحت عنوان الغبطة يقول رسول الله ﷺ: «لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله علمًا فهو يعمل به ويعلمه الناس». إذا كنت تريد أن تحسد ؛ احسد بمعنى إنه يا رب اعطيني مثلهم، ولا تقل: يا رب أزيله من عنده؛ فهذا حسد مذموم لأنه فساد في الأرض، لأن الراجل يعلم وينفق ويعمل وكذا، لماذا تحرم الكون من هذا ؟ ولذلك يقول رسول الله فيه ﷺ: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» يعني كالنار في الهشيم، أنا عملت حسنات وعندي رصيد حسنات، فجأة المخزن الخاص بي اتحرق، مخزن الحسنات اتحرق، من الذي حرقه؟ الحسد.
ولذلك قال رسول الله ﷺ: «لا تحاسدوا، ولا تقاطعوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم الله».
وحذرنا ﷺ فقال: « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: حَالِقَةُ الشَّعَرِ، وَلَكِنْ حَالِقَةُ الدَّيْنِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ »
تأمل بعض السلف من قراءة كتب الأقدمين، ومن القرآن أيضًا وهو يتأمل قصة الخلق التي ذكرها لنا الله سبحانه وتعالى، كان يقول: إن أول خطيئة كانت في العالم، في الخلق، هي الحسد، فقد حسد إبليس آدم - على رتبته، أن الله قد نفخ فيه من روحه، وأنه كذا ... ، فأبى أن يسجد له، فحمله الحسد على المعصية {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} وهذا ينبهنا على أن الحسد مفتاح المعصية، وأن الحسد ستتداعى له آثار كلها مكروهة عند الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك كان ابن سيرين رضي الله تعالى عنه وهو من التابعين يقول: ما حسدت أحدًا على شيء من أمر الدنيا قط؛ لأنه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسده على أمر الدنيا وهي حقيرة في جانب الجنة؟ وإن كان من أهل النار، فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير بذلك إلى النار؟.
على كل حال ينبغي علينا أن نربي أنفسنا على عدم الحسد.
أيضًا بعض السلف كان يقول : " الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمه وذلا ،ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضا ،ولا ينال من الخلق إلا جزعا وغما ،ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا ،ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا ".
إذا كان الحسد ملعون عند الناس، وملعون عند الملائكة، وملعون عند الخلق، وملعون أمام الله سبحانه وتعالى، لماذا نفعله ؟
وقال معاوية -رضي الله عنه-: "كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها ". فهذا هو الحال في الحاسد والحسد.ما هى الأسباب التي ممكن تدفع الشخص إنه يحسد؟
العداوة، الكبر، العجب، الخوف من فوت المقاصد المحبوبة ، حب الرياسة، خبث النفس، البخل والشح، هذه بعض الأشياء التي أشار إليها الإمام الغزالي في «إحياء علوم الدين» باعتبارها أنها من الأسباب، لأن أسباب الحسد كثيرة، لكن منها العداوة والبغضاء، أخذ ذلك من قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، {وإِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، أخذ من أن العداوة والبغضاء تولد الحسد، وكذلك قال الله تعالى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} .
الكبر :{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وكذلك: {أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} فربنا سبحانه رد: {أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}.
التنافس، أو العجب، والتنافس الشخصي: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} بشر مثلنا، يعني لماذا مَنَّ الله عليكم من دوننا؟ منافسة وهذا يولد الحسد {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}.ما هو علاج الحسد؟
القاعدة إن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود لا في الدنيا ولا في الدين؛ بل إنه هو ينتفع به فيهما.
ضرر في الدين لأن الله سبحانه وتعالى يغضب عليك.
ضرر في الدنيا إن المجالس تذمك ، والناس تخاف منك، والملائكة تلعنك، والموقف يفضحك.
أنه لا ضرر على المحسود؛ بل ينتفع، يعني ما الذي فعلته أنت في المحسود؟ لا شيء عاكسته فقط، وهو من أقرب طريق يعالج من هذا الحسد، إنه يقرأ المعوذتين وينتهي الأمر، ثم إنه خصيمك يوم القيامة ،وسيأخذ منك الحسنات.أ.د. علي جمعه.
أنت تقرأ
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
Spiritualاللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ...