د_منى_مرشودالحلقة الثانية و الثلاثون
لأن الظروف لم تسمح لنا قبل الآن بشراء خاتمي الخطوبة، و أقصد بذلك ظروف وليد ، فإنني فتحت الموضوع معه مؤخرا، بعدما مضت فترة على وفاة والديه، رحمهما الله.
قررنا أن نذهب لشراء الخاتمين و الشبْكة غدا.. لن نقيم أي احتفال، إنما عشاء خاص بي معه...
وليد، هو رجل رائع بكل المقاييس.. ربما كان التعويض الذي أرسله الله لي عوضا عما فقدت.
في مظهره، وسم، جذاب ! طويل القامة، عريض المنكبين، ممتلىء الجسم و الوجه!
في أخلاقه، كريم.. لطيف..نبيل.. متفان، مقدام !
في عمله، مخلص، صادق.. أمين.. مجتهد، نشيط جدا!
في أول مرة التقينا، كان ذلك قبل عدة أشهر، حين دخل رجل غريب إلى المنزل و هو يستنجد!
عندما أتذكر ذلك اليوم ، و رغم المرارة التي كانت فيه، أضحك !
لقد خرجت من المنزل راكضة .. بملابسي المجردة !
حينما عرض علي الزواج ، فرحت كثيرا.. أمي و خالي كانا يمدحانه أمامي باستمرار، و أنا كنت ألحظ إعجابهما بخلقه و طبعه، و أعجبت به مثلهما ...
علاقتي بوليد كانت بالكاد قد بدأت تتطور، ألا أن تطوّرها أخذ منحى آخر حين حضرت رغد للعيش معنا...
و هذه الرغد فتاة غريبة الأطوار !
أول الأمر كانت غارقة في الحزن، ثم بدأت تتفتح للحياة، و الآن بفرض وجودها في ساحة وليد !
إنه يهتم بها كثيرا جدا، و يعاملها و كأنها ملكة ! تصدر الأوامر و هو ينفّذ .. حتى أنه يفكر جديا في شراء طقم غرفة النوم الباهظ الذي أشارت إليه اليوم .. !
و يريد تحويل إحدى غرف المنزل إلى غرفة خاصة بها، بعدما طلبت هي مؤخرا أن تنام في غرفة مستقلة !
أنها فتاة مدللة جدا، و وجودها أبعد وليد عني ، و جعله يصرف جل الاهتمام لها هي .. و يهملني ...
اليوم ذهبنا إلى الأسواق تنفيذا لرغبتها، حيث اختارت طقم غرفة النوم ذاك، و اشترت العديد من الأشياء .. بمبالغ كبيرة !
أنا أخشى أن أتحدّث معها أو مع وليد حول هذه النقطة، حتى لا أسبب مشكلة و يتهمني أحد بشيء، لكن...
نحن في وضع مالي متواضع ! و هي، كانت من عائلة ثرية معتادة على نيل ما تريد بسهولة...و لا أعلم، متى سيمكنها أن تدرك تماما أن والديها قد توفيا... و أنها لم تعد تتربى في عزّهما و دلالهما!
و رغم ما أنفقته رغد هذا اليوم، فأنا لم أتنازل عن رغبتي في شراء خاتمي الخطوبة و طقم الشبكة، فهي من حقّي، و قد وعدني وليد بالذهاب لأسواق المجوهرات و شرائها...
~ ~ ~ ~ ~ ~
العلاقة بين رغد و أروى تزداد اضطرابا مرة بعد أخرى، و هذا يقلقني كثيرا...
رغد، في أحيان ليست بالقليلة تتصرف بغرابة، لا أعرف وصفا دقيقا أذكره لكم، لكن.. إنها .. تتدلل كثيرا !
و لأنها معتادة على الدلال، و تنفيذ جميع رغباتها دون استثناء، و لأنني الشخص الوحيد المتبقي أمامها من العائلة، فإنها .. باختصار تتدلل علي !
نعم حينما كانت صغيرة كنت أعشق تدليلها و أقبل على ذلك بشغف، ألا أن الأمر تغيّر الآن..إنها لم تعد طفلة كما أنني... إنني...
ماذا أقول ؟؟
لست أباها، أو أخاها، أو زوجها أو حتى ابنها لأستطيع مجاراتها ببساطة في كل تصرفاتها... أنا حائر.. حائر جدا!
البارحة، و بعدما عدنا من السوق، و قد اشترت هي العديد من الأشياء، فوجئت بها قادمة نحوي، و قد تغيّر لون عينيها إلى الأزرق ! و إذا بها تسألني :
" كيف أبدو ؟ "
كنت أجلس و أروى في الصالة، نتحدّث عن الخاتمين اللذين تصر أروى على شرائهما، و أظن هذا من حقّها فهي تود وضع خاتم للخطوبة مثل أي فتاة !
اعتقد أن الفتيات يهتممن بأمور تبدو في نظر الرجال، أو لنقل في نظري أنا كواحد من معشر الرجال ... لا تغضبن ! سخيفة أحيانا !
نظرت ُ إلى أروى ثم إلى رغد مندهشا.. و كانت لا تزال تنتظر رأيي في لون عينيها الجديد ! شعرت بالحرج الشديد .. فقلت :
" هل صبغتيهما بالفرشاة ؟! "
قاصدا أن تبدو دعابة خفيفة تلطّف الجو، ألا أن رغد نظرت إلى أروى و قالت :
" و هل أنت ِ صبغتِ عينيك بالفرشاة ؟ "
قالت أروى :
" لا ، صبغهما الله لي هكذا ، لذا فهما تناسباني تماما "
الجملة أزعجت رغد ، فقالت بغيظ :
" تعنين أن لون عيني الآن لا يناسبني ؟ "
صمتت أروى، و نظرت إلي، تقصد تحويل السؤال إلي .. ، و لذا نظرت رغد نحوي و أنا أرى الغضب يتطاير من عينيها هاتين.. و لم أجد جوابا مناسبا ألا أنني لم أشأ إحراجها فقلت :
" و إن ناسباك ، فالأصل هو الأنسب دائما "
و إجابتي الغبية هذه لم تزد الطين إلا بللا !
قالت غاضبة :
" نعم الأصل هو الأنسب دائما، هذا ما يجب أن تدركه أنت ! "
و لم أفهم ما ترمي إليه ! ثم أضافت :
" لو كان سامر هنا، لصفّر إعجابا "
ثم استدارت و غادرت الصالة...
تضايقت أنا من هذا الموقف.. و التزمت الصمت مدّة ، ألا أن أروى قطعت الحديث قائلة :
" ألم أقل لك !؟ إنها تغار مني "
التفت إليها و قلت :
" لا ، ليس الأمر كذلك ! لكنك لا تعرفين كم كانت مدللة تفعل ما تشاء في بيت أبي... كان رحمه الله يدللها كثيرا "
قالت أروى :
" و ها أنت ورثته ! "
التفت إلى أروى، فأشاحت بوجهها عني.. و كأنها غاضبة مني ..
قلت :
" ما بك أروى ؟ ماذا يزعجك ؟ "
التفتت إلي و أجابت :
" ألست تدللها أنت أيضا ؟ "
قلت :
" أ لأنني سمحت لها بشراء كل ما أرادت ؟ تعلمين أن أغراضنا احترقت في بيتنا و هي بحاجة لأشياء عدّة ! "
" أشياء عدّة كالملابس الباهظة التي اشترتها و الحلي أيضا ؟؟ بربّك ما هي فاعلة بها و هي باقية في هذا البيت بالحجاب و العباءة ! "
سكتت قليلا و قالت :
" لم لا ترسلها إلى خطيبها لبعض الوقت ؟ أظنها في حنين إليه "
وقفت منزعجا و رميت أروى بنظرة ثاقبة ، جعلتها تعتذر
" لم أقصد شيئا يا وليد إنما ..."
قلت مقاطعا :
" يجب أن تعرفي يا أروى.. أن رغد هي جزء من مسؤولياتي أنا، الجزء الأكبر.. و متى ما شعرت بالضيق من وجودها فأعلميني، و في الحال سآخذها و نرحل "
ظهر الذهول على ملامح أروى ، فوقفت و قالت :
" وليد ! "
قلت :
" نعم ، نرحل سوية.. لأنه لا يوجد سبب في هذا العالم يجعلني أتخلى عن ابنة عمي ساعة واحدة، مهما كان "
و كان هذا بمثابة التحذير ...
قالت أروى :
" و .. حين نتزوّج ؟ "
صمت فترة ، ثم قلت :
" لن يكون زواجنا قبل زواجها هي ، بحال من الأحوال "
" و .. متى ستتزوج هي و أخوك ؟ "
قلت بسرعة و بغضب :
" ليس الآن، لا أعرف ، ربما بعد عام أو عشرة .. أو حتى مئة ، لكن ما أعرفه هو أنني لن أتزّوج قبلها مطلقا "
و تركت أورى، و انصرفت قاصدا رغد...
نعم رغد، فهي من يشغل تفكيري هذه الساعة، و كل ساعة..
أنت تقرأ
انت الي
Acakمن أروع الكتابات د. منى المرشود توفي عمي و زوجته في حادث مؤسف بل شهرين و تركا طفليهما الوحيده (رغد) والتي تقترب من ثالثة من عمرها... لتعيش يتيمه مدى الحياة. انا و اخواتي لا نزال صيغار و لأنني اكبرهم سناً فد تحولت فجأة إلى (رجل راشد و مسؤول). كنا...