الحديث الاول _الاسرة بشكل عام :

80 7 5
                                    

لاشك ان الاسرة هي الركيزة الاساسية للمجتمع والنواة الاولى لتكوينه ووجوده. لان المجتمع ليس هو الا الافراد الذين يعيشون فيه، تربطهم ببعضهم البعض روابط المصالح المشتركة، وكل فرد بلا شك نتيجة من نتائج التمازج العاطفي داخل نطاق الاسرة الواحدة.ذلك النطاق الذين  تنصهر فيه من فجر حياة الفرد عواطفه واخلاقه واسس مرتكزاته الفكرية والاخلاقية والعقائدية وأنحاء نظرته الى المجتمع والى الكون والحياة.

والاسرة المتعاطفه الصالحة تنتج افضل النتائج وأحسنها وتستطيع ان تعطي الى المجتمع افراداً صالحين وأناساً واعين،بما تعمل على أنبل المبادئ وأنبل الاخلاق في نفوس أبنائها.

على حين ان النفوس الشريرة الحاقدة على المجتمع والحياة او السائرة في سبيل الغي والاجرام، ناشئة من منشأ عميق يَمُتُّ الى الاسرة الاولى بسبب وثيق. وذلك لاحد سببيين :إما ان تكون اسرته الاولى على شاكله ناقصة العقيدة والاخلاق، فحاك الفرد على منوالها وحذا في الحياة حذوها. وإما لانه عاش في بيت منشق لم تجتمع فيه الاركان الاساسية لتكوين الاسرة، كما لو انفصل الوالدان عن بعضهما البعض منذ نعومة اظفار الولد فنشأ الولد محروما من العطف والرعاية، فاقدا لمصدر التثقيف الاخلاقي والعقائدي فألقى بنفسه في تيار الحقد والاجرام.

واذا كانت الاسرة بهذه المثابة من الاهمية يدور صلاح الفرد مدار صلاحها، وتتوقف حسن صياغته الشخصية على حسن صياغتها. وهذا الفرد يكون بأنضمامه إلى غيره المجتمع، والمجتمعات تكون الأمة والأمم تكون البشرية. فالأسر اذاً هي الركيزة الاساسية في نضج وكمال سائر البشر ورفع مستوى الوعي والثقافات والأخلاق بين بني الانسان. ولهذا، اذا كنا نريد ان نرى المجتمع الافضل ونعيشه، لابد ان نبدأ ببناء اسس وأصول تكوينية، وذلك بالبدء بإصلاح الاسرة وحسن تربية الناشئة، لكي ننتج إلى المجتمع أناساً واعين صالحين من حيث سائر جهات الكمال الإنساني.

والاسلام بقانونه الخالد ودستوره الشامل اخذ كل ذلك بنظر الاعتبار، واهتم ببناء الأسرة اشد اهتمام، وأولاها من رعايته وتعاليمه الشيء الكثير، وسعى الى صياغته وصبها بأفضل وجه وأحسنه بالشكل الذي تنتج إلى المجتمع أفضل النتائج وتعطيه افضل الافراد. ولا تحتاج هذه التشريعات في سبيل انتاجها العادل وتطبيقها على المجتمع، الا إيمان المجتمع بها ومحاولة إطاعتها وإمتثالها، وان يضع كل فرد على ذهنه مسؤولية تطبيق تلك التعاليم بنصها وروحها وبسائر خصوصياتها لينال أسرة طيبة ويحظى بأولاد طيبين، لكي يحرز خير الدنيا والاخرة، ويعم العدل والرفاه في ربوع المجتمع الانساني. ولابد لنا ونحن نبدأ الكلام عن الاسرة في الاسلام أن نعطي فكرة عن رأي الاسلام في الاسرة ككل، ليتفرع الكلام بعد ذلك في احاديث اخرى، إلى حقوق وواجبات كل فرد من افراد الاسرة الاسلامية. لنعرض عندئذ بوضوح مقدار اهتمام الاسلام بالاسرة ومقدار عدالة احكامه ودقتها في ضبطها وتكوينها.

فهو اذا ينظر الى اساس الاسرة، يرى انها لابد أن تتكون من زوجين صالحين حاملين للصفاة الحميدة، لكي يكون نتاجها طيباً وحميداً. ولاشك ان مقدار الوعي والكمال الذي يحمله الزوجان ينعكس على الولد كما ينعكس عليه مقدار درجه الاجرام والرذيلة.

روي عن الامام الصادق "عليه السلام" انه قال (إنما المرأة قلادة فأنظر الى ما تقلده). وروي عن النبي الاعظم "صل الله علیه وآله وسلم" انه قال :(ما أعطي احد شيئاً خير من امرأة صالحه إذا رآها سرته وإذا اقسم عليها ابرته وإذا غاب عنها حفظته).

وهو اذا ينظر الى مركز المرأة واهميتها في الاسرة وفي تكوين الجيل الصالح وصياغة الانسانيه، ويريد لها صفات الكمال والعدل، يتوخى ان لاتتصف ايضا بصفات السوء والرذيلة، الصفات التي تبعثر الاسرة وتقضي على التماسك والعاطفة.

وروي عن الامام الصادق " عليه السلام" انه روي عن الرسول "صل الله عليه وآله وسلم" انه قال: (الا اخبركم بشرار نسائكم :الذليلة في اهلها العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لاتتورع عن القبيح، المتبرجة اذا غاب عنها بعلها الحصان معه اذا حضر، لاتسمع قوله ولا تطيع امره، واذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل منه عذرا ولا تغفر له ذنباً).

وينظر الاسلام من جهة أخرى إلى الركن الاساسي الثاني في الاسرة وهو الزوج، فيريده أيضاً متصفاً بأفضل الصفات لكي يكون أهلاً للاقتران بالزوجة الفاضلة، وإلا فشرار النساء أولى بشرار الرجال. قال الله تعالى :( ٱلخَبِيثــٰتُ  لِلخَبِيثِينَ وَٱلخَبِيثُونَ لِلخَبِيثَــٰتِ وَٱلطَّيِبَــٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَــٰتِ) *١.

فمن ذلك انه روي عن رسول الله "صل الله علیه و آله و سلم" انه قال (ألا اخبركم بخيار رجالكم، قلنا بلى يارسول الله. قال :أن من خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين، الكريم الطرفين، البر بوالديه لايلجئ عياله إلى غيره).

كما أن الاسلام يعتبر أضداد هذه الصفات مزايا ظالمة هدامة تنخر في أساس الأسرة وتسبب لها الفساد، لذا اضاف رسول الله "صل الله علیه و آله و سلم" قائلاً:(ألا اخبركم بشر رجالكم. قلنا بلى. فقال:من شر رجالكم البهات البخيل الفاحش، الاكل وحده، المانع رفده، الضارب اهله وعبده، الملجئ عياله الى غيره، العاق بوالديه). واذا اجتمعت الشرائط الفاضلة في الزوجين، فالاسلام يحث على الزواج وعلى تكثير النسل وانجاب الاولاد. لعلمه اليقين بأن الأولاد الصالحين الصادرين عن الاسرة الصالحة، هم الاعضاء الأساسيون البناءون والافراد الواعون المتماسكون في المجتمع البشري.

وهو لذلك لايؤمن بتحديد النسل، فإن الاستزادة من الايدي العاملة البناءة هو المفيد وهو المنفذ للمصلحة الاجتماعية العليا. روي عن رسول الله "صل الله علیه وآله وسلم" انه قال (من كان يحب ان يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج. واطلب الولد فإني مُكاثر بكم الامم غداً) وروي عنه "صل الله علیه و آله و سلم" انه قال (مامن شيء احب الى الله عز وجل من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح، وما من شيء ابغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الاسلام بالفرقة) يعني الطلاق. وعنه "صل الله علیه و آله و سلم":(ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره).


___________________________________________
"١" سورة النور، الآية :"٢٦".

الأسرة في الاسلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن