الحديث الثاني _ الكفاءة في نظر الإسلام :

42 5 0
                                    

بعد ان عرفنا في الحديث السابق ما اعتبره الاسلام في الزوجين.،اللذين هما الاساسان الرئيسيان للاسرة، من صفات حميدة كاملة، ناصحاً الازواج والزوجات بالتحلي بها والسير على هداها لينالا السعادة والوئام وينجبا افضل الاولاد، ويحضيا بخير الدنيا والاخرة.

ينبغي لنا الان ان ننظر لنعرف مدى التكافؤ الذي يريده الاسلام بين الزوجين. وإذ ننظر في الحكم الاسلامي، نجد ان المشرع لهذا الدين العظيم، لم يشرع من التكافؤ بين الزوجين اكثر من كونهما معتنقين للاسلام معتقدين بعقائده وتعاليمه. فالمسلم كفؤ للمسلمة والمسلمة كفؤ للمسلم، ولايراد بالاسلام في هذا  المجال، الا ذلك المقدار الذي تصان بمقتضاه النفس ويحفظ المال عن الهدر والضياع. ومن هنا روي عن الامام الصادق (عليه الصلاة والسلام) انه قال :أتتكافأ دمائكم ولا تتكافأ فروجكم.

فالدين الذي جعل معتنقيه سواسية كأسنان المشط _بتعبير النبي "صل الله علیه و آله و سلم" أمام القانون وتجاه الحقوق والواجبات، هو الذي جعل الجنسين في الاسلام سواسية أمام الزواج.

وليس ادل على ذلك ولا اوضح مما روي من ان رسول الله "صل الله عليه وآله وسلم"،زوج جويبر الصحابي ابنة زياد بن لبيد وهو من اشرف بني بياضة حسبا. ولم يكن جويبر هذا الا رجلاً دميماً قبيحاً معدماً، الا ان اعتناقه الاسلام واخلاصه النية له، هو الذي جعله في نظر الاسلام ليس بالنسب ولا بالمال.

وإنما مقاييس التفاضل عنده ثلاثة :

أحداهما - التقوى:قال النبي "صل الله عليه وآله وسلم" :لافضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى

ثانيهما - العلم :قال الله عز وجل :{هَلْ يَسْتَوِی ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَــٰبِ} *١.

ثالثهما - الجهاد : قال الله تعالى:{وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَــٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَــٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} *٢.

وبهذه المقاييس او ببعضها ربما كان جويبر الدميم المعدم افضل بكثير من ابنة زياد بن لبيد وروي عن الامام أبي جعفر الباقر "عليه السلام"، أنه قال :(ان رجلا من اهل اليمامة يقال له جويبر أتى رسول الله منتجعا للاسلام، فأسلم وحسن اسلامه. وكان رجلا قصيراً دميماً محتاجاً عادياً وكان من قباح السودان.... إلى ان قال وان رسول الله "صل الله علیه و آله و سلم" نظر الى جويبر ذات يوم برحمة ورقة عليه. فقال :ياجويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك.. فقال له جويبر :يارسول الله بأبي انت وامي. ومن يرغب فيّ ،فوالله مامن حسبٍ ولانسبٍ ولامالٍ ولاجمالٍ، فأية أمرأة ترغي فيّ؟.

فقال له رسول الله" صل الله علیه و آله و سلم" :ياجويبر ان الله قد وضع في الاسلام من كان في الجهاهلية شريفا. وشرف في الاسلام من كان في الجاهلية وضيعا وأعز في الاسلام من كان في الجاهلية ذليلاً. واذهب بالاسلام ماكان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق انسابها. فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيهم وعجميهم من آدم؛ وان آدم خلقه الله من طين. وان احب الناس الى الله اطوعهم له واتقاهم. وما اعلم يا جويبر لأحد من المسلمين اليوم فضلاً، إلا لمن كان أتقى لله منك واطوع.
ثم قال له :انطلق ياجويبر الى زياد بن لبيد فإنه من اشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: اني رسول رسول الله إليك، وهو يقول لك. زوج جويبر ابنتك الذلفاء. وفي الحديث انه زوجه اياها بعدما راجع النبي "صل الله عليه وآله وسلم". فقال له :يازياد، جويبر مؤمن؛ والمؤمن كفؤ المؤمنة والمسلم كفؤ المسلمة، فزوجه يازياد، ولاترغب عنه).

فمن هنا نعرف إن الاسلام حرص كل الحرص على جعل المقياس الاساسي في الكفاءة بين الزوجين، هو الاسلام نفسه. فما دام الزوجان اخوين في هذا الدين، لايهم بعد ذلك ان يكون احدهما أدنى من الآخر. بحسب المنزلة الاجتماعية او النظرة الاقتصادية الضيقة. سواء كانت الضعة من جانب الزوج كما عرفت عند جويبر وكتزويج رسول الله " صل الله عليه وآله وسلم" بنت عمه لزيد مولاه. أو كانت من جانب الزوجة كتزويج رسول الله "صل الله عليه وآله وسلم" بنفسه صفية بنت حي بن اخطب. كتب الامام السجاد علي ابن الحسين " عليه السلام" يقول :( ان الله رفع بالاسلام كل خسيسة واتم به الناقص واذهب به اللوم، فلا لوم على مسلم، وإنما اللوم لوم الجاهلية).

ولا يخفى ان الميزان في الكفاءة وان كان اصل الاسلام، الان ان المشرع الاسلامي العظيم، أخذ بنظر الاعتبار ايضا درجة ايمان الفرد بهذا الدين ومقدار اخلاصه له واستعداده لامتثال أوامره ونواهيه. فأنه من المعلوم انه كلما كان الزوجان أحسن تدينا وأفضل أخلاقاً وابعد عن ارتكاب الموبقات كان احدهما أنسب للآخر وأكثر كفاءة.

قال الله عز وجل : {وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَــٰتِ أُوْلَــٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} *٣.
وقال رسول الله "صل الله علیه و آله و سلم" :( إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فیِ ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}) *٤.

ولا يخفى ما في هذا الحديث من حكمة كبرى وبعد النظر، فإن اولياء الزوجة، إذا نظروا الى الخاطب، زوج المستقبل، فلم يرضوا دينه وخلقه، فلهم كل الحق في رفضه والابتعاد عنه، فإنه ليس مصداق الحق للمسلم الحق. اذن فلماذا يرتبطون معه بعقدة النكاح، مع ان بين المسلمين الاخرين من يرضون دينهم وخلقهم. واما اذا اتصف الخاطب، زوج المستقبل، بهذه الصفات، وكان مرضي العقيدة والسلوك، يزِنُهُ ولي الزوجة من هذه الناحية بميزان الاسلام، فيجب على ولي الزوجة قبول خطبته وعدم رده، لانه يعتبر محتويا في صفاته على المقياس الامثل للكفاءة في الاسلام.

واسمع إلى تعليل ذلك في كلام رسول الله "صل الله عليه وآله وسلم" إذ يقول :{إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فیِ ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}.
وهي آية من القرآن الكريم طبقها النبي "صل الله علیه و آله و سلم" على هذا المورد، فما احسن التطبيق!. اذ لو صار بناء الاولياء على انتظار الزوج الاكثر مالاً وجمالاً والاعظم مركزاً اجتماعياً، ويجعلون ذلك ذريعة لرد الخاطبين. فسوف تقل نسبة الزواج في المجتمع وتزداد تبعا له نسبة العزوبة. وسوف تؤثر العزوبةأثرها الكبير في نفوس الشباب، بما تتضمنه من اندفاع جنسي وحرمان، وسيترتب على ذلك عند ذوي الضعف في العقيدة او الإرادة، الانحراف الى طريق الفاحشة والفساد، وترتب أسوأ النتائج في المجتمع، وتكون فيه فتنة وفساد كبير. والاسلام يريد انقاذ المجتمع من ذلك و الحيولية دون حدوثه.

على حين انه لو اكتفى الفرد من الناحية الجنسيه، فحتما سينسد أمامه باب كبير من ابواب الفساد، وينفتح امامه باب كبير الى طريق الفضيلة والخير. ومن هنا ورد :ان من تزوج فقد حفظ نصف دينه. وفي ذلك يسود العدل في ربوع المجتمع الانساني.

______________________________________________
*١_سورة الزمر، الآية:(٩).
*٢_سورةالنساء، الآية:(٩٥).
*٣_سورة النور، الآية:(٢٦).
*٤_سورة الانفال، الآية:(٧٣).

الأسرة في الاسلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن