كانت جالسة هناك ، مُنهمكة بعملها ، غارقة فيه ، ترددتُ قبل ان أدخل إلى مكتبها المتواضع ، لكنني في النهاية تشجعت و دخلت ، لأني لم أكن في الواقع أملك حلا أخر ..
أنه يطاردني منذ أيام ، لا بل أسابيع ، يخيفني و يخيف من حولي ..
خسرت الجميع ، و من بينهم أنا ..و قبل أن يوصلني ذلك الوحش للهاوية ، إلى نقطة ال لا رجعة ، فكرت أن أجمع ما تبقى مني وأذهب أليها ، تلك الفتاة ألتي حذرتني كثيرا ولكنني لم أستمع ، لقد تصورت أنها تُخرف ، او تحاول ان تتقمص أمامي دور الشخصية المثقفة وأنا أسمعها تردد عليَّ بعض الكلمات التي حفظتها من الكتب ألتي تقرائها ..
كانت تعرف كم سوف تكون نهاية مااقوم به مأساوية و حزينة وبشعة ، أخبرتني و حذرتني و حتى صرخت في وجهي لكي أستيقظ ، لكنني أجبتها بأسلوب فظ و بتكبر عالي "أنتِ فقط تريديني أن أكون مثلك ، ان تصنعي مني شخص يكون نسخة منك ، انا لستُ هكذا ، انا لستُ أنتِ" ..
صمتت وقتها ، كأنها قد علمت وأيقنت في ذلك الوقت اني شخص ميؤس منه ، ولا أمل فيه ، واني أتجه نحو الهاوية بسرعة كبيرة ، من دون ان اتوقف للحظة وافكر لثانية فقط "ما الذي أقوم به أنا ؟" ..
دخلتُ إلى مكتبها وتقدمت نحوها وقلت بصوت ضعيف يرتجف " مساء الخير .. "
رفعت راسها و نظرت نحوي ، حدقت بي لثواني مصدومة من وجودي هنا ، ثم قالت :
- آه ، ماري ! ، مساء الخير ..ثم وقفت من على مقعدها وصافحت يدي ثم اشارت إلى الكرسي الذي امام مكتبها وقالت :
- تفضلي بالجلوس ارجوكِ ..جلستُ إلى حيث أشارت وقلت :
-أتمنى أنني لم اقم بأزعاجك ..فأبتسمت قائلة :
- لا بالطبع ! أنتِ مرحب بكِ في إي وقت .. لكن ..صمتت لثواني ثم قالت:
- تبدين شاحبة جداً ، هل هناك خطب ما عزيزتي ؟ ثم أنكِ ترتجفين ؟ هل تشعرين بالبرد ؟ سوف اقوم بزيادة درجة حرارة المدفئة ..همت بالوقوف لكنني منعتها قائلة:
- لا أشعر بالبرد ، في الواقع ، أنا لا أشعر بأي شيء ، سوى بشعور واحد فقط ، وهو الخوف ..خرجت دمعة من عيني رغم عني و لكنني تابعت قائلة:
- أنا لا أنام ، لا أكل ولا أشرب ، لا أذهب إلى العمل ، نسيت كيف يمكن أن يكون الأنسان مرتاحا !! دون ان تزدحم كل هذا الافكار السوداء داخله ! دون يقتله الارق والقلق !قالت بقلق :
- ماري ! ما الذي حصل؟فقلت :
- كل ما حذرتني منه ، لقد حصل كل ما حذرتني منه ..وبدت بالبكاء بقوة ، و قامت هي بأحتضاني ، كانت اللحظات التي بكيت فيها و احضان هذه الصديقة الرائعة هي اللحظات الوحيدة التي شعرت فيها بالاطمئنان منذ شهور ..
اللحظات الوحيدة التي شعرت بها بالهدوء ..قلت لها :
-أخبريني ، ما الذي عليَّ فعلهُ ؟ أنني أقترب من الهاوية وأكاد أراها ..مسحت على رأسي بحنان وقالت :
- فقط ، كوني صادقة مع نفسك .. أنتِ بحاجة أن تحرري نفسك من جميع القيود ألتي قُمتِ بوضعها لكل مشاعرك ، دعي ما في داخلك يتحرر ، كل تلك التراكمات الصغيرة ، أصبحت شيء كبيراً يصعب تجاهله ..●● ●● ●●
جسلت أنتظر الحافلة و انا أفكر بكل كلمة قالتها صديقتي ..
"كل تلك ألتراكمات ألصغيرة ، أصبحث شيء يصعب تجاوزه .."ثم بدأت أتذكر ، متى بدأت تلك التراكمات ؟ وكيف تحولت لوحش يطاردني حتى في أحلامي ؟
وفجأة قفزت في رأسي ذكرى قديمة جُداً ، حين كُنتُ في السادسة من عمري ..
كُنت وقتها قد عدتُ للبيت وانا حزينة بسبب شجار سخيف بيني و بين صديقتي في المدرسة بسبب لعبة سخيفة ،
وقتها كان أبي جالسا يقوم بعمل ما و حين رأني قال لي مباشرة "ما بكِ يا صغيرتي الحلوة حزينة؟"
وحين أخبرتهُ عن ألسبب قال وهو يُداعبني "حسناً حسناً .. بابا سيجعلكِ سعيدة .."
وقتها قام إبي بجعلي أضحكُ كثيراً و نسيت حقا سبب حزني ..
ولكنهُ ، في أليوم نفسهُ ، قد توفي ..
كان يحاول عبور ألشارع ليلاقي صديقا له ، واذ بسائق مجنون يقوم بقتله ، هكذا ، حادثه لم تستغرق سوى ثانية واحدة ، جعلت شخص ما يختفي إلى الأبد ..أنهارت أمي وقتها ، وحين تنهار الأم ، ينهار ألبيت بأكمله ..
كان موت أبي فاجعة كبيرة لا يمكن تجاوزها للأشخاص الكبار ، فما بالكم بطفلة في السادسه من عمرها ؟
ان ثوب الحزن هذا كبيراً جداً عليَّ ..
كيف يمكنني تجاوزه !
كيف يمكن تقبله !
أنهُ بشع و مُخيف و مقرف وثقيل جداً ..كُنت في السادسة من عمري فقط ، لكنني أسير محنية الظهر لان ثوب الحزن هذا كان أثقل كثيرا مما يمكنني حمله ..
سرتُ بخطوات ثقيلة إلى حيث غُرفتي و أقفلت الباب خلفي و جلست على الأرض و اضعة رأسي على ركبتي مُحاولة الأنطواء على نفسي والهروب من كل هذا .. من كل شيء ..
وبقيت أنطوي على نفسي حتى ..
وفجأة ..
تحول كل ما في حولي إلى سواد ..أتذكر ذلك وكأنهُ ألبارحة ، حين توقفت عن ألبكاء ورفعت رأسي ، و كل شيء كان قد أختفى ..
السريرة ، الخزانة ، الالعاب والكتب ، كل شيء داخل الغرفة ، لا بل الغرفة نفسها قد تبخرت ..
وحل محل كل شيء ، ظلام حالك ..
أنت تقرأ
الصندوق الأسود
Short Story"لا يوجد ما هو أخطر من شخص يكتم كل ما يشعر به، ويعتقد انه قد ينجو من ذلك"