٤

159 17 4
                                    

قمتُ بالوقوف من على الكرسي بفزع و قد قلت لها وقتها وكان صوتي يجعل كل الفزع الذي داخلي واضحاً :
- وحش ! ما الذي تقولينه ! هذا خرافات ! تخيلات واوهام ..

- الفزع الذي تشعرين به الأن ليس سوى دليل على أنكِ بدأتِ بالشعور بذلك الوحش بداخلك ، لا تخبريني انكِ لم تتسائلي عن مصدر الاصوات التي تسمعينها من داخل الصندوق ! او أنكِ ما عدتِ قادرة على حبس اي مشاعر داخله ! أن المشاعر التي كُنتِ تحبسينها هناك أخذت تندمج ببعضها و تنمو وتكبر يوما بعد يوم ، حتى فقدتِ السيطرة عليها تمام و خرجت كل الامور من تحت سيطرتك ..

صرختُ وقتها في وجهها بكل قسوة:
- ما الذي تقولينه بحق الجحيم ؟ لو لا ذلك الصندوق لما وصلتُ إلى ما أنا عليه الأن ! ما مررت به طوال تلك السنوات كان شيء لا يُحتمل ، لا يُطاق ! وكان ذلك الصندوق يسحب كل ذلك الوجع بعيدا عني ، يجعل طريقي المليء بالاشواك سالكا و في مقدوري السير به من دون ان أفقد قدمي !

حاولت ان تهدئ من روعي و تقول بنبره قد ملئها الهدوء :
- لكن يا ماري المشاعر التي تُدفن حية لا تموت ! أنها فقط تبقى موجودة لتظهر مجددا بأبشع صورة ممكنة ..

صرخت مجددا في وجها :
- أصمتي .. انتِ فقط .. أصمتي ، أنتِ فقط تريديني أن أكون شخصا عاديٌ مثلك ، بل مثلكم جميعا  ، انا لستُ هكذا ، انا لستُ أنتِ .. انا شخص قوي يمكنهُ فعل كل شيء وحده ، يمكنهُ  السير وحدهُ ، يمكنني تحمل ماريد وحدي ! 

خرجتُ و قتها من الغرفة و لم أتحدث إلى ماري بعدها أبدا ، حتى انني قمت بتغير مكان عملي حين اتيحت إلي الفرصة مباشرة ، وهكذا انقطعت كل طرق التواصل بينا ..

لكني اتسائل ، لماذا ثرتُ عليها هكذا ؟
من ماذا هربت !
مني ام منها ؟
ام من الحقيقة ..

على رغم المرات العديدة التي أنكرتُ الأمر فيها ، ألا اني
عميقاً جداً داخلي ، كنت أعرف الحقيقة ..

أعرف ان ما قالته ماري حقيقي ، و اني كُنت أتجه نحو الهاوية بخطى واسعى وبأقصى سرعة ..

فأنا لم أكن أهرب من ماري نفسها ، وانما كنت أهرب من الحقيقة التى رمتها ماري في وجهي مباشرة ..
فانا على رغم اداركِ لها ، لم ارد أن أصدقها ..
ولسببين :

اولا : فهذا يعني انني سأتخلى عن ألشيء ألوحيد الذي يجعلني مميزة ..
الشيء الوحيد الذي كُنت أُميز بهِ نفسي ، واجعل من نفسي عن طريقهِ شخصاً لا يشبه باقي الأشخاص ،
ولوني لا يشبه لونههم ..

ثانياً : هذا يعني بأن كل ما دفعتهُ و حشرته داخل ذلك الصندوق ما زال موجودا و لم يختفي كما كُنت أتخيل ..
فأن أردتُ أن أتخلص من ألصندوق ، فكيف يمكنني ألتخلص من محتوياته !؟
أنا لا أعرف كيف أُخرج نفسي من النفق الذي حَبستُ نفسي فيه .

كان قد مضيَّ شهران منذ أن تكلمت مع ماري أخر مرة
و كانت الحياة لطيفة وقتها ، لم اواجه أي صعوبات او عثرات
كان الطريق سالكا و هادئا و مُسالما ..

لكن هناك مقولة عسكرية مشهورة تقول:
"إذا كان الطريقُ آمن ، فإعلم انَّ هُناك كَمين"
وهذا ما حصل في الواقع ..

فحين عدتُ إلى البيت و وجدتُ أمي ممدة على الأرض
شاخصة العينين تحدق إلى سقف المطبخ برعب وألم ..
عرفتُ أني قد وقعتُ داخل الكمين.

الصندوق الأسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن