قمتُ بالوقوف من على الكرسي بفزع و قد قلت لها وقتها وكان صوتي يجعل كل الفزع الذي داخلي واضحاً :
- وحش ! ما الذي تقولينه ! هذا خرافات ! تخيلات واوهام ..- الفزع الذي تشعرين به الأن ليس سوى دليل على أنكِ بدأتِ بالشعور بذلك الوحش بداخلك ، لا تخبريني انكِ لم تتسائلي عن مصدر الاصوات التي تسمعينها من داخل الصندوق ! او أنكِ ما عدتِ قادرة على حبس اي مشاعر داخله ! أن المشاعر التي كُنتِ تحبسينها هناك أخذت تندمج ببعضها و تنمو وتكبر يوما بعد يوم ، حتى فقدتِ السيطرة عليها تمام و خرجت كل الامور من تحت سيطرتك ..
صرختُ وقتها في وجهها بكل قسوة:
- ما الذي تقولينه بحق الجحيم ؟ لو لا ذلك الصندوق لما وصلتُ إلى ما أنا عليه الأن ! ما مررت به طوال تلك السنوات كان شيء لا يُحتمل ، لا يُطاق ! وكان ذلك الصندوق يسحب كل ذلك الوجع بعيدا عني ، يجعل طريقي المليء بالاشواك سالكا و في مقدوري السير به من دون ان أفقد قدمي !حاولت ان تهدئ من روعي و تقول بنبره قد ملئها الهدوء :
- لكن يا ماري المشاعر التي تُدفن حية لا تموت ! أنها فقط تبقى موجودة لتظهر مجددا بأبشع صورة ممكنة ..صرخت مجددا في وجها :
- أصمتي .. انتِ فقط .. أصمتي ، أنتِ فقط تريديني أن أكون شخصا عاديٌ مثلك ، بل مثلكم جميعا ، انا لستُ هكذا ، انا لستُ أنتِ .. انا شخص قوي يمكنهُ فعل كل شيء وحده ، يمكنهُ السير وحدهُ ، يمكنني تحمل ماريد وحدي !خرجتُ و قتها من الغرفة و لم أتحدث إلى ماري بعدها أبدا ، حتى انني قمت بتغير مكان عملي حين اتيحت إلي الفرصة مباشرة ، وهكذا انقطعت كل طرق التواصل بينا ..
لكني اتسائل ، لماذا ثرتُ عليها هكذا ؟
من ماذا هربت !
مني ام منها ؟
ام من الحقيقة ..على رغم المرات العديدة التي أنكرتُ الأمر فيها ، ألا اني
عميقاً جداً داخلي ، كنت أعرف الحقيقة ..أعرف ان ما قالته ماري حقيقي ، و اني كُنت أتجه نحو الهاوية بخطى واسعى وبأقصى سرعة ..
فأنا لم أكن أهرب من ماري نفسها ، وانما كنت أهرب من الحقيقة التى رمتها ماري في وجهي مباشرة ..
فانا على رغم اداركِ لها ، لم ارد أن أصدقها ..
ولسببين :اولا : فهذا يعني انني سأتخلى عن ألشيء ألوحيد الذي يجعلني مميزة ..
الشيء الوحيد الذي كُنت أُميز بهِ نفسي ، واجعل من نفسي عن طريقهِ شخصاً لا يشبه باقي الأشخاص ،
ولوني لا يشبه لونههم ..ثانياً : هذا يعني بأن كل ما دفعتهُ و حشرته داخل ذلك الصندوق ما زال موجودا و لم يختفي كما كُنت أتخيل ..
فأن أردتُ أن أتخلص من ألصندوق ، فكيف يمكنني ألتخلص من محتوياته !؟
أنا لا أعرف كيف أُخرج نفسي من النفق الذي حَبستُ نفسي فيه .كان قد مضيَّ شهران منذ أن تكلمت مع ماري أخر مرة
و كانت الحياة لطيفة وقتها ، لم اواجه أي صعوبات او عثرات
كان الطريق سالكا و هادئا و مُسالما ..لكن هناك مقولة عسكرية مشهورة تقول:
"إذا كان الطريقُ آمن ، فإعلم انَّ هُناك كَمين"
وهذا ما حصل في الواقع ..فحين عدتُ إلى البيت و وجدتُ أمي ممدة على الأرض
شاخصة العينين تحدق إلى سقف المطبخ برعب وألم ..
عرفتُ أني قد وقعتُ داخل الكمين.
أنت تقرأ
الصندوق الأسود
Short Story"لا يوجد ما هو أخطر من شخص يكتم كل ما يشعر به، ويعتقد انه قد ينجو من ذلك"