*حجاب القمر*

850 62 26
                                    

للكاتبة: MissRefaey

-أنتِ حقا تحبين الليل لدرجة تأمّله يوميا !

همس صديق طفولتي بصوته الهادئ كأعماق النيل الممتد أمامي، بينما يركن دراجته الرياضية قرب شجرة القدم اليابسة، ويعود جالساً جواري أعلى التل المنعزل جنوب المدينة. حيث أعتكف خلال الثلث الأول من الليل بعيداً عن ضجيج المعمورة، فأجبته مراوغة:

-ليس تماماً، فقط أشعر وكأنني أنظر عبر مرآة.

غاصت ملامحه في بحر من الحيرة، بينما يحتضن ساقية بذراعيه المفتولتين نوعاً ما، لذا استطردت مسرعة كي أنتشله من الغرق :

ـ ألا يبدو لك الليل مجارًا يختصر المستقبل؟

-وكيف ذلك؟

سأل مداويًا طاعون فضوله وقبلة وجهه الطويل عيناني اللوزيتان فناولته الجواب الشافي على الفور

- هو بعيد لا تصله الأيادي مهما أمتدت ، غارق في ظلمة من الغموض بلا إشارة عمّا قد يحدث تاليا ، تُحلق فيه تُخمة من الأمنيات الضالة كشهب بلا وجهة ؛ لا تدري أستطأ أرض واقعنا يوما أم ثواها ستضيع في فضاء العدم رفقة ما سبقها من الخيبات !

- أنتِ فقط قلقة بشأن نتائج التخرج ، أليس كذلك ؟

غاصت غمازتيه عميقاً وارتفع حاجبه العريض إلى السطح حالما اشتمّ أريج * مشاعري المبعثرة ، وهو شيء لا يبزع فيه رجل سواه ، لأقبض عليه متلبساً بجناية الاهتمام :

- لو لم أكن كذلك لما جئت لطمأنتي كما تعلم !

سجننه كلماتي خلف قضبان الحرج رفقة حيلته المكشوفة ، وجلّدّه استهزاء تبسمت به شفتاي الرفيعتان ليحك ذقنه ذو اللحية الخفيفة قبل أن يرد مازحاً :

-قبضتِ علي إذَا ، مع أنني خططت لجعل الأمر مصادفة .

- لطالما كنت هكذا منذ الصغر فليس من الصعب علي أن أجزم .

- ولطالما كنتِ تهربين إلى هنا فلم يكن من الصعب علي أن أجدك ؟

دغدغت الذكريات عقولنا فبدأنا نقهقه سويةً ، قبل أن يربت على حجابي المخملي مسترسلًا

- ما دمت قد بذلت جهد فلا تتوجسي كل شيء سيكون على ما يرام .

الطمت كفه بعيداً استياء من معاملته الطفولية تجاهي والتي لم تتغير حتى الآن ، فارق الخمس سنوات التي
بودند تفصل بيننا ليس طويلاً إلى حد أن يتجلى انعكاسي في حدقتيه طفلة المشاكسة إلى الأبد ، فما كان مني إلا أن عدلت حجابي ولطمته هو الآخر ببضع كلمات بينما يهبط حاجباي الرفيعان باتجاه معنوياتي

مختاراتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن