دموع طيّبة

151 19 4
                                    


النص الفائز بالنبضة الثامنة من مسابقة أرض العشاق لكاتبته المبدعة : lalice07

------

" صدق الله العلي العظيم.." أغلق المصحف بعد أن أتم ترتيل ما تيسر له من السور القرآنية، طبع قبلة رقيقة على غلافه ثم أغلق عينيه و أخذ يتمتم بضع كلمات في سره، يهدي ثواب هذه السور الشريفة لروحها الطاهرة التي صعدت لخالقها تاركة إياه يتقلب على جمر الحسرة و القهر. أحس بالدموع تتجمع في مقلتيه عندما تذكر بضعاً من أيامها الأخيرة، رفع يده من حجره وصار يمسح على شاهد قبرها و تلك الكائنات الفضولية لا تنفك عن الهروب من عينيه فتصبح علامة واضحة للعيان عن كم الحزن و الألم اللذان يعيشهما. أخذ نفساً عميقاً ليهدأ من نفسه قبل أن يقول بصوت أجش بسبب البكاء " آه يا طيّبة.. يا طيّبة الروح و الرائحة، لمَ استعجلتِ بالرحيل؟ لمَ تركتني قبل أن نبدأ حياتنا؟" ازداد نحيبه عندما طرت بضع ذكريات على باله لينكس رأسه ويسمح لنفسه بإخراج ما في باطنها من لوعة و هم.

فتح باب المنزل الأمامي المصنوع من الحديد العتيق ليحدث صوت صرير خفيف جراء احتكاك أطرافه التي كانت متصدأة بالرخام الذي كان يغطي أرضية باحة المنزل. " منصور؟ هل أتيت يا بنيّ؟ " خرجت امرأة كبيرة في السن، وجهها قد غمرته التجاعيد وتتكأ على عصاها الخشبية التي أصبحت رجلها الثالثة، تعينها في حركتها التي كانت قد أصبحت صعبة مع تقدم عمرها. تنهدت بخيبة عندما لمحت ابنها الذي كان الحزن قد خطف روحه و أخفى ابتسامته المشرقة، لم تعد تراه سوى مهموماً لا يعير للحياة اهتماماً. تقدمت نحوه بخطوات متثاقلة قبل أن تجلس بجانبه على الكرسي الخشبي، وضعت راحة كفها على كتفه ثم أطرقت بنبرة هادئة " بنيّ، منصور.. أنا أعلم بأنك تفتقدها بشدة ولكن ما تفعله كثير جداً.. إلى متى ستظل تعيش في الماضي؟ لقد ذهبت إلى جانب ربها و البكاء هكذا لن يعيدها أبداً.." " وما الذي تودين مني فعله يا أمي؟ لقد رحلت عروسي.. انتهت حياتي قبل أن تبدأ!" " لا! لا تقل هذا يا بنيّ! لا زلت بكامل صحتك و في ريعان شبابك! لا تدع الحزن ينهشك حياً فتهدم مستقبلك بدل أن تبنيه.. هي لن تكون مرتاحة في قبرها إن علمت بأنك تعذب نفسك بسببها.. أنت وحيدي و سندي في هذه الحياة ولا أريد أن أفقدك مثلما فقدت أباك.." نظر لأمه لتصدم من الدموع التي كانت تلطخ وجهه، أخذت تمسحهم بكفيها " لا تبكي يا بنيّ، أعلم بأن قلبك محترق عليها لكن لا تعذب نفسك وتعذبني معك، فقلبي يتقطع عندما أراك تبكي و ليس بمقدوري التخفيف عنك..". دفن وجهه في صدر والدته ليقول بصوت أجش " أنا أحبها أمي! لن يكون هنالك امرأة مثل طيّبة! هي واحدة وقد رحلت وتركتني!" أحاطته بذراعيها و صارت تربت على ظهره لعلها تخفف عنه قليلاً. تنهدت بثقل، أعادها هذا الموقف إلى يوم وفاة طيّبة قبل عامين، المرأة التي أحبها ابنها و طلب منها خطبتها له.

مختاراتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن