الحلقة الأولى 1

3.7K 52 3
                                    

أشعر بخوف وإضطراب شديدين فرغم ثقتي بنفسي الشديده وجرأتي إلا أني أرتجف رعبا فليست تلك المرة الأولى التي أتحدث فيها أمام جمهور كبيركرئيس اتحاد الطلبة بالجامعة ولكنها المرة الأولى التي أتحدث فيها أمام ملك البلاد وكبار رجال الدوله ،لذا أظن أني نسيت كل الكلمات التي حفظتها طوال الأيام الماضية. تماسكت قليلا وقلت لنفسي (تلك فرصة عمرك لا تُضيعيها فلو أثبتي جدارتك قد تنالي منحه لدراسة الماجستير بعد انتهاء دراستك هذا العام) دعوت الله كثيرا أن يثبتني ، وعندما نادى رئيس الجامعة إسمي لألقي كلمة اتحاد الطلاب في حفل الخريجين ، تذكرت كلمات أبي التي ودعني بها عندما قال: (أنتِ جديرة بمنصبك حصلتي عليه بكفاءتك أثبتي لهم ذلك ) . خطوت بثقه لا تخلو من الخوف للأمام ونظرت في وجه أستاذتي التي كانت تشجعني وتدعمني دائما فوجدتها مبتسمة ، فتمالكت نفسي وبدأت في إلقاء كلمتي فوجدت الكلمات تتدفق مني بسهولة ويسر مع ابتسامة ارتسمت على وجهي. انتهت الكلمه فضجت القاعه بالتصفيق وتجرأت ونظرت لوجه الملك لأول مرة فوجدته مبتسما في وقار ودعاني لمصافحته فنزلت عن المنصة وأنا أرتجف خوفا فقد كانت تلك المرة الأولى التي أتعامل فيها مع كبار المسئولين فكيف سألتقي بالملك شخصيا؟ اقتربت منه فابتسم ابتسامة أبوية أزالت عني خوفي وفقال بهدوء:
-أنت فخر لكل بنات الوطن ولكل طلبة الجامعة وسيكون لك مستقبل عظيم
-هذا بفضل رعاية جلالتك
انصرفت وأنا أطير فرحا وهنأني كل الأساتذه والطلاب فرحين وفخورين بي وبدأت وسائل الإعلام تطلب لقائي فتحدثت معهم بكلمات مقتضبة لكنها كانت معبرة. ذهبت للبيت واحتضنني أبي باكيا وبكت أمي وجاراتنا وهن يهنئنني بهذا التميز. صرت حديث وسائل الإعلام لمدة يومين( هبه صالح رئيس اتحاد طلبة الجامعة والطالبة في السنة النهائية بكلية العلوم السياسية التي نالت إعجاب الملك وتشجيعه) . بقيت حتى نهاية الأسبوع لا أخرج من البيت ولا أقابل الناس فقد شعرت بالغرور يعتريني ويحيد بي عن هدفي فوقفت أما المرآة وتأملت ملامحي الشرقية بعيوني العسليه الواسعه وبشرتي االخمريه وشعري الأسود المجعد وقوامي المعتدل المتناسب مع طولي وقلت لنفسي:
-أفيقي يا هبه من الأوهام أنت لست بمعجزة، أنت فتاة عادية جدا ومايميزك تفوقك في دراستك وعملك التطوعي وحبك للناس إياك أن تنسي كل هذا ولا تدعي أي شيء يأخذك من حلمك بالماجستير والدكتوراه حتى تصبحي أستاذة في الجامعه بل ورئيسة الجامعة.
بعد انتهاء امتحاناتي وظهور النتيجة مباشرة جاءني إتصال هاتفي من مكتب المتحدث بإسم القصر الملكي يوجه لي دعوة للقاء الملكة في نهاية الأسبوع وأن سيارة من القصر ستأتي لاصطحابي في الموعد المحدد وستُعيدني ، تعجبت من تلك المكالمة فالملكة لا تعرفني ولم نلتق من قبل ولم تكن موجوده في الحفل أصلا فلماذا ترغب في مقابلتي؟ ربما بعد أن رأتني في التليفزيون تريد أن تعينني في السكرتارية الخاصة بها؟ هذا ليس طموحي لكن هل أستطيع الرفض؟ ربما أستطيع العمل معها وتحضير الماجستير في نفس الوقت خاصة أني لن يتم تعييني في الجامعة لأن ترتيبي كان الثانية بعد ابنة أحد كبار رجال القصر الملكي وبالطبع تم تعيينها. ظلت الأفكار تؤرقني حتى حان موعد اللقاء وكنت أشعر بتوتر شديد جدا، لكني حاولت ألا يظهر على ملامحي حتى لا أجعل أبي وأمي يشعران بالخوف. أخفت أمي الخبر عن الجميع خوفا علي من الحسد فأنا ابنتها الوحيدة وتخشى علي من الجميع، أما أبي فحرص على تشجيعي ورفع معنوياتي فقال :
-إياك أن تجعلي الملكة تشعر أنك خائفة أو متوترة كوني واثقة من نفسك لكن من غير جرأة ولا تهور فكري في الكلمات قبل أن تنطقيها وضعي في اعتبارك أنها الملكة أتفهمين؟
-لا تخف يا أبي فأنا أعي جيدا مكانتها
ذهبت للقاء وأنا أرتدي ملابس رسمية تليق باللقاء و أتساءل عن السر وراء هذا اللقاء ولم أتخيل سببا سوى ترشيحي لعمل ما في القصر، استقبلني أحد مسئولي السكرتارية وأجلسني في صالون فخم جدا وبقيت قرابة ربع الساعة أنتظر قدوم الملكة، أخيرا سمعت خطواتها تقترب فنهضت واقفة فدخلت بقوامها الرشيق و ملامحها القوية والتقت عيناي بعينيها الجريئتين وطلتها المهيبة وحيتني برأسها وجلست وسمحت لي بالجلوس، تفحصتني بنظراتها من رأسي لقدماي. مرت الثواني ثقيلة جدا والصمت يطبق على روحي ، ثم قالت:
-بالطبع متعجبة من طلبي لمقابلتك ، لقد رأيتك في التليفزيون وأعجبتني لباقتك وشجاعتك، كما عرفت أنك دائما من أوائل الكلية مما يعني أنك ذكية وطموحة ، فأردت رؤيتك لأكون رأي صحيح عنك
-كلام جلالتك شهادة أعتز بيها
-يعجبني أنك لست خائفه ولا مرتبكه كما أن ذوقك في الملبس رغم بساطته جيد
ابتسمت ولم أجب فقالت:
-كل ميزاتك تلك وقبلها إعجاب الملك بشخصيتك ونجاحك ولباقتك كان سبب ترشيحك لأن تكوني زوجة لولي عهد الأميرمازن
أصابتني المفاجأة بالصمت المطبق وكأني فقدت ذاكرة الكلمات وردود الأفعال وبقيت مكاني ساكنة بلا أي رد فعل حتى قالت الملكة :
-أعي جيدا أن المفاجأة أكبر من توقعاتك وخاصة أنك من عامة الشعب لكن الملك تغاضى عن كل هذا لأنه وجد فيك الشخصية المناسبة كزوجة لولي العهد التي ستصبح فيما بعد ملكة البلاد وسيكون عليها دور كبير تجاه بلدها وشعبها أتدركين مقصدي؟
أومأت برأسي فقالت بقوة :
-لديك 48 ساعه تفكري فيها وتستشيري أهلك لكن الموضوع سيظل على درجة عالية من السرية ، ولست في حاجه لأن أقول لك أن الموافقة معناها خير كتير سيغرقكم وأن الرفض معناه إنكم ستهاجرون لأي بلد أخرى لأني لن أتركك أنت وأهلك تنعموا بخير البلد بعد رفضك لولي العهد، فكري جيدا وبعد 48 ساعة ستأتين إلى هنا مرة أخرى وسأستمع إلى ردك.
نهضت الملكه وانصرفت دون أن تودعني أو أن تنظر إلي، وشعرت من هول الصدمة بأن قدماي تعجزان عن حملي، حتى جاء السكرتير ليصطحبني للخارج. ركبت السيارة وأنا أفكر أن كلماتها التي كانت قوية وواضحة وتحمل تهديد صريح في حال الرفض، فهل هناك مجال للرفض؟ إنه أمر ملكي وليس أمامي اختيار، فلن يجوز في مثل عمر والداي أن يكون جزاؤهما بعد عناء تربيتي أن أجعلهما يتركان بلدهما والأهل والأصدقاء ويرحلان ليموتا وحيدين في بلد غريبه، لا ليست تلك مكافأتهما فليس أمامي سوى الموافقه ويجب أن أظهر سعادتي أمامهما حتى لايشعران بتضحيتي من أجلهما، يالها من امرأة جبارة.
كم كنت أحلم برجل بسيط مثلي أحبه ويحبني ونبني حياتنا التي نختارها معا كأبي وأمي، لكن الأحلام شيء والواقع شيء أخر، علي أن أواجه واقعي وأرضى به وأحاول تحويله لواقع جميل أو على الأقل مقبول فليس أمامي أي اختيار. رسمت السعاده على وجهي وادعيت أني أطير فرحا فقد نُلت مالم تنله أية فتاة في المملكة فبعد عدة سنوات سأصبح ملكة البلاد، سيتغير حالي وسأصبح من أصحاب النفوذ والسلطة . فرحت أمي لما سمعته وظلت تتخيل أني سأصبح الملكة والحاكمه الآمره الناهيه في المملكه ، بينما ظل أبي صامتا والجزع مرسوم على ملامحه وخاصة أن سمعة الأمير لا تُبشر بالخير فأخبار مغامراته النسائية معروفة للكل كما معروف عنه أنه يمضي وقته في سباق السيارات والخيول، كما تسري الإشاعات التي تقول أنه مدمن خمور، كل ذلك أصاب أبي بالرعب لأنه لا يصلح لي ولا أصلح له بالمرة ولكن ليس هناك أي اختيار ولا مجال للرفض. أتقنت دور الفتاة السعيدة حتى صدق والدي أو ربما استسلم مثلي للأمر الواقع لأنه ذكي ويعلم جيدا ألا مفر من الموافقة فتظاهر بتصديقي.جاء موعد الرد على الملكة فأرسلت لي سيارة القصر لتسمع ردي فقلت لها:
-من دواعي سروري أن الملك و الملكة اختاراني لأنال شرف الزواج من الأمير ولي العهد وأشاركه في تحمل مسئولية البلاد كما سأشاركه في حياته
-كنت أعرف أنك عاقلة ولم تخيبي ظني فيك، الأن سأعرفك بالأمير وحتى يأتي أريدك أن تعرفي عنه بعض التفاصيل هو ابني الكبير وقد دللته كثيرا لذلك وقع اختيارنا على فتاة مثلك عاقلة لتكبح جماح شبابه و لتغير حاله وطريقته في الحياة، وبالطبع ستواجهين بعض المصاعب لكن أنا على يقين أنك قادرة على تجاوزها ولابد أن تدركي أن فكرة الطلاق غير واردة نهائيا، ستسكنون قصر صغير بجوار القصر الملكي لتحيوا حياتكم بالأسلوب المناسب دون تدخل منا، ولا أحتاج أن ألفت انتباهك إلى أنك من الأن ستتغير حياتك تماما في علاقاتك بالأخرين وطريقة كلامك وملابسك وكل شيء فيك لأنك أصبحت الأميرة هبه ولست مجرد فتاة عادية، كما أن تصريحاتك لوسائل الإعلام يجب أن تكون تحت إشراف سكرتارية القصر، وإن أردت ممارسة أي نشاط خيري فلا مانع لدينا.
دخل شاب طويل أميل للنحافه بجسد رياضي فقالت الملكه:
-ها هو الأمير قد جاء
في لحظات تبدلت لهجتها الشديدة الصارمة إلى لهجة حانية وارتسمت على وجهها ابتسامة عندما انحنى مازن وقبلها في وجنتها فقالت برقة :
-أهلا يا حبيبي كيف حالك؟ أريدك أن تتعرف على هبه التي وقع اختياري أنا ووالدك عليها لتكون زوجتك وشريكتك في حكم البلاد ما رأيك؟
نظر إلي متفحصا وارتسمت على وجهه علامات الإشمئزاز وقال:
-إن كنتم اخترتموها فلم تحتاجون لرأيي؟ إنه مجرد تحصيل حاصل
فنظرت إليه الملكه وقالت:
-سأغادر لدقائق لإجراء مكالمه هامه ثم سأعود إليكما
وربتت على كتف مازن وغادرت، شعرت بالإرتباك الشديد ونظراته تتفحص جسدي وكأني جارية معروضة على سمو الأمير وهو يعاينها قبل الشراء، وبعد لحظات صمت قال:
-بالطبع عرض الملكة كان فرصة العمر بالنسبة لك التي ستفتح لك كل الأبواب المغلقة وسترتفع بك من الحضيض إلى عنان السماء ، فرصة تحلم بها كل بنات المملكة لكنها أُتيحت لك فقط هل لي أن أعرف لماذا؟
-لم لا تسأل جلالة الملكة ؟
-أنت جريئة ألا تهابين وجودي؟ أم أنك سعيدة لأنك نُلت شرف اقتران إسمك بإسمي؟
- أنا لا أخشى إلا الله وحده، أما عن السعادة فذلك موضوع أخر
-عرفيني بنفسك من أنت؟
-هبه صالح متخرجه حديثا من كلية العلوم السياسية بتقدير امتياز لكني لم يتم تعييني في الجامعة لذا كنت أسعى لمنحه لدراسة الماجستير في الخارج
-لماذا لم يتم تعيينك رغم تفوقك؟
-لأن فتاة أخرى أهلها من كبار المسئولين تم تعيينها وأنا أهلي ناس بسطاء جدا من الشعب
-وإن كنت بتلك البساطة فلم تم اختيارك كزوجة لي؟
- لا أعلم لقد فوجئت بهذا الاختيار فقد كنت رئيسة اتحاد طلاب الجامعة وألقيت كلمه أمام الملك الذي شجعني ووعدني بمستقبل عظيم
-والملك إذا وعد أوفى وها هو المستقبل العظيم في انتظارك، وستنالين شرف أن تكوني زوجتي رغم أنك أقل من العادية ولا أرى فيك أية مميزات
- أرجو أن تبلغ رأيك هذا للملكه لعلها تعفيني من ذلك الشرف الذي لم أسع إليه إنما هي أرغمتني عليه وهددتني بالنفي من البلاد أنا وأهلي إن رفضت الزواج، لكن إن جاء الرفض من جانبك فسترحمني وترحم نفسك من وضع مفروض على كلينا.
-أنت جريئة جدا لتقولي لي أني مفروض عليك أنت، ألا تدركين ما يمكن أن أفعله بك؟
-ماذا ستفعل بي أكثر من هذا؟ أتزوج من شخص لا أعرفه ولا يريدني وأتخلى عن كل أحلامي وطموحاتي مجبرة ليس هناك ماهو أسوأ
- زواجك مني أكبر من كل طموحاتك التافهة فملايين الفتيات يتمنين أن يكن مكانك بل ويحلمن بمجرد ابتسامة مني، وأنت تقولين أنك لا ترغبين في من تظنين نفسك؟
-لا أحد فتاة أقل من العادية أقصى طموحاتها أن تصبح أستاذة جامعية وزوجة لرجل تحبه ويحبها وأم لأطفال تربيهم وتعلمهم كيفما تريد، لا ملكة للبلاد وزوجة لشخص يبغضها ومجبر على احتمالها ، شخص يمضي حياته في المغامرات النسائية ومعاقرة الخمور وسباقات السيارات والخيول، شخص لا يعرف معنى المسئولية ولا أهمية منصبه، شخص اختارتني أمه لأقوم سلوكه المعوج.
استشاط غضبا لكلماتي وقال:
-أهذه صورتي في عينيك؟
-بل وصورتك في عيون كل الشعب
دخلت الملكة وهي تبتسم وقالت:
-أرى أنكما تعارفتما وانسجمتما في الكلام، لذلك أقترح أن نعلن الخطبة الأن وأن يتم الزواج خلال أسبوعين
فنظر إلي مازن بتحد وقال:
-أوافق يا أمي
فقبلت رأسه وقالت:
-مبارك يا حبيبي
انصرف مازن وهو يبتسم لي منتصرا ،فشعرت بانقباض في قلبي ترى كيف ستكون حياتي معه؟




الأميرة الأسيرة كاملة بقلم نجلاء لطفي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن