الحلقة السادسة6

1K 28 0
                                    

الأميرة الأسيرة

الحلقة السادسة

عدت إلى جوار الملكة الغارقة في دموعها ودعواتها وبعد دقائق خرج الجراح وقال :
-لقد نجحنا في إنقاذ حياته وعالجنا الكسور ونتمنى ألا تترك أثرا في قدمه ، لكن بعد الإفاقة من البنج ستتحدد حالته
لم أشعر بالفرح أو الحزن لشفاؤه ، ولم أشعر حتى بالشماتة لما أصابه كل ما شعرت به هو الشفقة على شاب قد يصاب بعاهة باقي حياته بسبب تهوره. ظل مازن في غيبوبة بعد العملية والأطباء حائرون في سببها فليس هناك سبب طبي لها، كنت أتبادل أنا والملكة تواجدنا بجواره فكانت تقضي طيلة النهار وأقضي أنا طيلة الليل معه وهو غائب عن الوعي. كانت حالة الملكة النفسية سيئة جدا حتى اضطر الأطباء لإعطائها المهدئات وكانت تنام معظم الوقت على سرير أخر بجوار مازن وكنت أنا من ترعاهما. كان دكتورسامح متواجدا باستمرار بالتبادل مع دكتور خالد، وفي أول ليله عندما دخل بحجة متابعة حالة مازن وجدني أقرأ فظل يناقشني في الكتاب وفي حب القراءة بصفة عامة ، وتكررت زياراته وتكررت مناقشاتنا حتى اعتدت وجوده بل صرت أنتظره بابتسامته الرقيقة وبشرته الخمرية وعيونه السوداء وبساطته في الكلام والتعامل، لقد اعتدت على وجوده بجواري وحديثه معي حتى صرت أخشى من ذلك التعود على قلبي. ذات يوم قالت لي الملكة:
-يبدو يا ابنتي- وتلك أول مره تناديني هكذا- أن الله انتقم مني ومن ابني لما فعلناه بك فهل تسامحينا من قلبك ؟ من أجل أم ملهوفه على ابنها، أم ستموت لوفقدته؟
نظرت إليها وقد أثرت في قلبي دموعها فقلت:
-لقد سامحته من قلبي
احتضنتني وقالت :
-بارك الله فيك

تركتنا وعادت لبيتها لأول مره منذ أسبوع فجلست بجوار مازن ونظرت إليه لأول مره ورأيته بجسده الرياضي الطويل وبشرته البيضاء وشعره البني المنسدل على جبينه وقلت له:
-لماذا لم تكن لي زوجا يحاول أن نحيا في سعادة؟لماذا لم ترض بالقدر كما رضيت أنا؟ لماذا تتركني ضعيفة وفريسة لكل كلمه ناعمة وكل نظرة حنونة؟ لماذا لم تكن لي حصنا أتحصن به أمام مشاعر الأخرين؟ لماذا كل تلك القسوة؟ ماذا فعلت لأستحقها؟لماذا جعلتني أسيرتك لا حبيبتك؟؟ ترى هل نستطيع أن نبدأ معا من جديد أم أنك بمجرد شفاءك ستعود لقسوتك وعنفك؟ ليتك تشفى منهما وتعود إلي زوجا حنونا متفهما فقد ربطتنا الأقدار معا وليس لنا مفر.
لأول مره بإرادتي لمست يده وقلت له هامسة :
-لقد سامحتك ولكن عدني أن تكون لي حصني وبر أماني لا سبب هلعي وخوفي وكرهي للحياة
بقيت ممسكة بيده وبعد لحظات شعرت بحركة ضعيفة من يده، لم أصدق نفسي وظننت أني أتوهم ولكني شاهدت جفنيه يتحركان أسرعت لأقرع الجرس لدكتور خالد المتواجد بالمستشفى الذي جاء مسرعا فأخبرته بما حدث فقال:
-هذا مؤشر جيد سأتصل بطبيب المخ والأعصاب ليأتي حالا
بمجرد خروج خالد فتح مازن عينيه بوهن ونظر إلي ثم غاب عن الوعي، اتصلت بالملكة لأخبرها بما حدث فجاءت مسرعة وبقيت بجواره ممسكة بيده وقالت من خلال دموعها:
-مازن عد إلي يا بني فأنا لا أحتمل فقدك، عد إلى أمك حبيبتك أرجوك لا تتركني
قبلت يديه وبللتهمها بدموعها ففتح عينيه بوهن وقال:
-أمي لا تخافي
كانت فرحتها هيستيريه لعودته لوعيه ولكن الأطباء أخرجونا من الغرفة وأخضعوه للفحص الدقيق ، وبعد نحو نصف ساعة أخبرونا أنه استعاد وعيه بالكامل ويطلب رؤية أمه. تركتهما معا وذهبت لأجري إتصالا بسكرتير الملك وقلت له:
-أريد مكافأة كل طاقم المستشفى الذي تعب معنا حتى أفاق ولي العهد
-أمرك مطاع يا سمو الأميرة
-وأريد مكافأة خاصة للطبيب سامح أرجو إرساله في بعثة تعليمية خارج البلاد ليتعلم أكثر ويُفيد البلاد بعلمه وأن يحل محله طبيب أكبر سنا وأكثر خبرة فمستشفى القصر يجب أن يكون به أكفأ الأطباء حتى ولو كمجرد متابع
-أوامرك ستُنفذ يا مولاتي لكن هناك استفسار هل يسافر الطبيب سامح بمفرده أم سيصطحب زوجته وابنه؟
قالها بمكر وكأنه يعلم ما كان بيني وبين سامح فتحكمت في مشاعر الغضب التي اجتاحتني وقلت:
-بالطبع تسافر معه أسرته على نفقتي الشخصيه فتلك البعثة مكافأة على حسن عمله ورعايته لولي العهد وليست عقاب له ولأسرته، وعلى الطبيب الجديد أن يبدأ عمله منذ الصباح
-أمر مولاتي.
كنت أنا وكاظم سكرتير الملك نفهم بعضنا جيدا بدون كلمات، فهو مخضرم في العمل السياسي ، شديد الذكاء، قليل الكلام لكن كلامه في الصميم، ورغم تخطيه الخمسين من العمر إلا أنه مازال يحمل قدرا من وسامة زائلة ومع ذلك لم يتزوج، ولا تفوته صغيرة ولا كبيرة في القصر الملكي إلا ويعرفها ، كذلك عنده حل سريع لكل مشكلة. يبدو أن الحل الذي اخترته لوأد علاقتي بسامح في مهدها أعجبه وأراد أن يخبرني بدهاء بخبر زواجه ، لا أعلم لماذا تألمت من ذلك هل لأن سامح أخفى ذلك عني؟ أم لأنه كان يُبدي إعجابه بي وهو متزوج؟ ألم أكن أنا أيضا متزوجة؟ أتراه كان يظنني من النساء اللاتي يبادلن أزواجهن الخيانة ؟ أم أنه كان يخدعني؟ أو أراد أن يثبت لنفسه أنه استطاع الإيقاع بسمو الأميرة ليُرضي غروره؟ أيا كانت نيته فقد خرج من حياتي بنفس السرعة التي دخلها بها.
عدت لغرفة مازن فقال بوهن:
-لا أريدك هنا أخرجي هل جئت لتشمتي بي؟
فقالت الملكة :
-كفى يا مازن هي من كانت تقضي الليل ساهرة بجوارك وهي من بشرتني بأنك استرددت وعيك
فقلت:
-سأتركك معه الأن يا جلالة الملكة وسأعود في الصباح عندما يهدأ لأنك تحتاجين للراحة
تركتهما وعدت للقصر وأمرت الخدم بإعداد غرفة في الدور الأرضي ملحق بها حمام وأمرتهم فوضعوا بها سريرين صغيرين ودولاب ومنضدة وكرسيين وشرفتها تطل على حديقة القصر لأقيم بها مع مازن حتى يكتمل شفاؤه. ظل مازن بالمستشفى عدة أيام ثم تم نقله للقصر وخلال تلك الأيام كان يتجنب الحديث معي إلا للضرورة فقط لكن عندما عدنا للقصر وصار هو يتنقل على كرسي متحرك كان مجبرا على التحدث معي وزادت عصبيته بسبب إقلاعه الإجباري عن الخمروالتدخين وبسبب شعوره بالعجز وربما خوفه من ألا يسترد صحته، لكني احتملت عصبيته بهدوء واستشرت طبيب المخ والأعصاب المعالج فكتب له بعض المهدئات الخفيفه. أصبح يتعامل معي بشكل مختلف فهو يعتمد علي في كل شيء ،في حركته وفي علاجه وفي استقباله حتى للزائرين ، ورغم ذلك كان شديد العصبية فيبدو أنه يكره اعتماده علي واحتياجه لي.
ذات يوم بينما كنا نستعد للنوم- وبعد أن ساعدني الخادم على وضع مازن في سريره – قال لي:
-لم تفعلين هذا؟
-أفعل ماذا؟
-تخدمينني رغم أني أعلم تمام العلم أنك تكرهينني؟ كذلك لماذا لم تستغلي نبأ خيانتي للتشهير بي وطلب الطلاق؟ هل أنت ملاك؟ أم أنك طامعة في الحكم؟ أم لك أغراض أخرى؟
-أنا لا أكرهك لكني أكره عنفك معي وإهانتي، وبالفعل فكرت في استغلال الخيانة للتخلص منك لكن نظرة واحده في وجه الملك ذلك الأب المكلوم في ابنه ، الذي طلب مني كأب لا كملك أن أسامح ، وكذلك رجاء الملكة لي التي كانت ترجوني كأم تخشى فقد ابنها ،جعلتني أتراجع عما فكرت به، كما أن مصلحة الوطن لاتحتمل الفضائح والخلافات الشخصية فنحن لسنا زوجين عاديين بل نحن شخصان مسئولان وعلينا أعباء كثيرة وإن كان أحدنا لا يقدر المسئولية فعلى الأخر أن يتحملها.أنا لست ملاك ولا طامعة في الحكم لقد اختارني القدر لألعب دورا وأنا أؤديه بكل جهدي بإخلاص كما وعدت الملك وعندما أشعر بالفشل سأنسحب وإن كنت لا تريدني فعليك الانفصال عني أما أنا فلا أستطيع تركك لأني أسيرة ذلك الزواج.
نظر إلي للحظات ثم أغمض عينيه ونام. فكرت في كلامه كثيرا وسألت نفسي هل أنا ملاك أم أنا فتاة مغلوبة على أمرها تؤدي الدور المرسوم لها باحتراف وتتجاهل مقابل ذلك مشاعرها ورغباتها وترسم على وجهها ابتسامة كاذبة لتوهم الجميع بسعادتها؟ هل حقا أنا طامعة في الحكم؟ أم أنا فتاة تحلم بالحرية والتحليق بعيدا عن كل تلك القيود والمظاهر الكاذبة؟ لا أعلم لقد ضاعت حقيقتي منذ أن دخلت هذا القصر وبهتت شخصيتي لكني لن أسمح بتكرار ذلك لابد أن أستعيد نفسي.




الأميرة الأسيرة كاملة بقلم نجلاء لطفي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن