كان قد حل الصباح عندما استيقظت وبدا لي أنه بدلاً من الخروج إلى عالم من السلامة فقد دخلت في كابوس مرعب ، فقد فاضت الشمس الإفريقية عبر النوافذ الكبيرة التي لا ستائر لها وانكشف كل تفصيل من تفاصيل المهجع الكبير العاري المبيض بالكلس قاسياً وواضحاً ، وكان يقف أمامي رجل صغير أشبه بالقزم ذو رأس منتفخ ضخم كان يثرثر بالهولندية
بانفعال ويلوح بيدين مريعتين بدتا لي كإسفنجتين بنيتين ، وخلفه وقفت مجموعة من الناس الذين بدوا مستمتعين بالموقف بشدة لكن انتابتني قشعريرة عندما نظرت إليهم، إذ لم يكن أيُّ منهم كائناً بشرياً طبيعياً ، فكل واحد منهم كان ملتوياً أو منتفخاً أو مشوهاً بطريقة غريبة ما وكان سماع ضحك هؤلاء المسوخ الغريبة أمراً مخيفاً.
بدا أن لا أحد منهم يستطيع التكلم بالإنجليزية لكن الموقف كان يحتاج إلى توضيح لأن المخلوق صاحب الرأس الكبير كان يزداد غضباً بشراسة وأثناء إطلاقه صيحاته كوحش بري كان قد وضع يديه المشوهتين علي وكان يسحبني من السرير لا مبالياً بالتدفق الجديد للدم من جرحي ، كان المسخ الصغير قوياً مثل ثور ولا أعلم ما كان ليفعله بي لو لم ينجذب رجل مسن من الواضح أنه في موقع السلطة إلى الغرفة جراء الهرج والمرج ، قال بضعة كلمات صارمة بالهولندية فتراجع مضطهدي ، وبعد ذلك استدار نحوي محدقاً بي بأقصى درجات التعجب
”كيف أتيت إلى هنا"؟ سأل بذهول وأكمل : انتظر قليلاً أرى أنك منهك وأن كتفك المجروح ذاك
يحتاج إلى رعاية ، إنني طبيب وسأضمَدك حالاً لكن أيها الرجل الحي! إنك في خطر شديد هنا أكبر مما كنت عليه أبداً في ميدان المعركة ، فأنت في مشفى الجذام ولقد نمت في سرير شخص مصاب بالجذام.
- هل أحتاج لإخبارك بالمزيد يا جيمي؟ يبدو أنه في ضوء اقتراب المعركة تم إجلاء كل هؤلاء المخلوقات البائسة في اليوم الذي سبق، ثم - ومع تقدم البريطانيين - تمت إعادتهم من قبل هذا - مشرفهم الطبي - الذي أكد لي أنه - رغم اعتقاده بأنه محصن ضد الداء - لم يكن ليجرؤ أبداً على فعل ما فعلته . وضعني في غرفة خاصة وعالجني بلطف وفي غضون أسبوع تقريباً نُقلت إلى المستشفى العام في بريتوريا .
ها هي مأساتي لديك، كنت ما أزال متفائلا لكن عندما وصلت إلى البيت أعلمتني تلك العلامات المرعبة التي تراها على وجهي بأنني لم أنجُ ، ماذا كان على أن أفعل؟ كنت في هذا المنزل المنعزل، وكان لدينا خادمان نستطيع أن نثق بهما تماما، وكان هناك منزل يمكنني أن أعيش فيه ، وتحت تعهد بالسرية تمت تهيئة السيد كينت الذي هو جراح للبقاء معي بدا
الأمر بسيطاً كفاية في هذه الناحية ، فقد كان البديل مخيفا ، عزلا مدى الحياة بين غرباء .
أمل بالخلاص أبداً، لكن السرية المطلقة كانت ضرورية وإلا حتى في هذا الريف الهادئ قد
يحدث احتجاج ويجب أن أُجر إلى هلاكي الفظيع ، حتى أنت يا جيمي حتى أنت كان عليك أن
تبقى في إطار التعتيم ، ولا يمكنني أن أتصور لماذا تراجع أبي عن قراره.
أشار الكولونيل إمسوورث إلي.- هذا هو السيد الذي أرغمني . فتح قصاصة الورقة التي كنت قد كتبت عليها كلمة
"الجذام .
- بدا لي أنه إن كان يعرف ذلك فالأكثر أماناً أن يعرف كل شيء وهذا ما كان.
قلت "من يدري فقد يأتي خير من هذا؟ إنني أفهم أن السيد كينت وحده قد رأى المريض ، هل لي أن أسأل يا سيدي إن كنت مرجعاً حيال شكاوى كهذه والتي هي مثلما أفهم - استوائية أو شبه استوائية بطبيعتها؟ .
- لدي المعرفة الاعتيادية التي لدى الرجل الطبي المتعلم . علق بشيء من القسوة.
- ليس لدي شك يا سيدي بأنك مؤهل تماماً لكنني متأكد أنك ستوافق على أن رأياً ثانياً قيم في حالة كهذه، وأعتقد أنكم قد تجنبتم ذلك خوفاً من وضع ضغط عليكم لعزل المريض .
"هو كذلك." قال الكولونيل إمسوورث
- تنبأت بهذا الوضع، أوضحت "وقد أحضرت معي صديقاً يمكن الوثوق بتكتمه بشكل
مطلق، وقد تمكنت ذات مرة من إسداء خدمة مهنية له وهو مستعد للنصح كصديق أكثر منه كاختصاصي، اسمه السير جيمس سوندرز .
إن توقع لقاء مع اللورد روبرس لم يكن ليحرّض سروراً وتعجباً لدى ملازم أول غر أكثر مما انعكس الآن على وجه السيد كينت.
"سأكون فخوراً حقاً." تمتم .
- إذاً سأطلب من السير جيمس أن يأتي إلينا ، فهو حالياً في العربة خارج الباب ، وربما نستطيع في هذه الأثناء أن نتجمع في مكتبك أيها الكولونيل إمسوورث حيث أستطيع أن أقدم شروحاتي الضرورية
وهنا أفتقد صديقي واتسون ، فمن خلال الأسئلة البارعة وهتافات التعجب كان يستطيع رفع مهارتي البسيطة - التي هي ليست إلا إحساساً سليماً مُمنهجاً - إلى مصاف المعجزات فعندما أقص قصتي لا أحظى بمساعدة كهذه ، ورغم هذا سأقدم عملية تفكيري مثلما قدمتها
لجمهوري الصغير الذي اشتمل على والدة غودفري في مكتب الكولونيل إمسوورث.
بدأت تلك العملية" قلت "لدى الافتراض بأنه عندما تكون قد حذفت كل ما هو مستحيل فإن ما يتبقى - مهما كان غير مرجح - يجب أن يكون هو الحقيقة ، قد يكون جيدا بقاء عدة تفسيرات وعندها يجرب المرء اختبارا وراء اختبار إلى أن يحظى واحد أو أخر منها بمقدار مقنع من التأييد ، والآن سنطبق هذا المبدأ على القضية المدروسة، فمنذ أن تم طرحها لي في البداية كانت هناك ثلاثة تفسيرات ممكنة لعزل هذا السيد أو حجزه في منزل خارجي في بيت
والده ، كان هناك التفسير بأنه كان مختبئاً بسبب جريمة أو أنه كان مجنوناً وأنهم يرغبون
بتجنب وضعه في مشفى للأمراض العقلية أو أن لديه داء ما أدى إلى عزله ، لم أستطع التفكير
بأية حلول ملائمة أخرى ، إذاً ينبغي غربلة هذه الحلول وموازنتها تجاه بعضها بعضاً .
******************************
أنت تقرأ
الجندي المتبيض '' THE BlANCHED SOLDIER ''
Misterio / Suspensoإحدى روايات شارلوك هولمز للمؤلف آرثر كونان دويل وهي من قسم مذكرات شارلوك هولمز