34

12.4K 361 28
                                    

في الصعید... كانت البلدة تعج بھدوء لا یحمل غیر
ً الخوف لسكانھا... كانت الحیاة قد عادت ظاھریا
لطبیعتھا و ان كان الترقب و التأھب شعار الجمیع...
ّ في دوار الدمنھوري كان حامد قد اصبح بلا منازع
كبیر العائلة و یاسر ابنھ لا یُغادر مجلسھ و لا یتركھ
ً فبات كظلھ... یرید ان یحجز مكانھ استنادا لوضع ابیھ و
مكانتھ.. كان یؤرقھ عدم انجابھ رغم زواجھ من اثنان
حتي الآن منھم امرأه كانت متزوجة قبلھ و لدیھا صبي
من زوجھا السابق... كان یشعر بالنقص لذلك فكان
یعوضھ بزواجھ من امرأة أو فتاة حتي اذا ما مر عام
... وبخھ ابوه لمثل تلك ُ دون ان تنجب كان یُطلقھا
ُ الافعال التي تحط منھ فرضخ لأوامره و ابقي علي ذمتھ
زوجتان فقط.. تتعالي صیاحھم و یتعاركان و یتشاتمان
ً فیأتي ھو و یبرحھم ضربا حتي تتورم وجوھھم و
.. اما خدیجة ُ اجسادھم و ھكذا كل بضعھ ایام تعاد الكره
ُ فقد احتضنت ابنھا و قررت ان تعلمھ و جعلتھ یلازم
جده لابیھ الذي كان لھ مجلس لا یستھان بھ في القریة
برغم انھ قد تنازل عن ادارة الاموال لحامد... رفض
سعد زیارات ابنھ لھ في السجن و اكتفي ان یبعث لھ
برسائل شفھیھ على لسان ابیھ في زیاراتھ المتباعده ...
سعد لا یرید لابنھ ان یشعر بضعفھ و قلة حیلتھ و ھو
وراء القضبان.. لا یرید ان یكسر نفسھ.. یرید ان یكون
لقائاتھم بلا موعد و لا یحكمھ زمن ... یرید ان یحتضنھ
و یبكي دون ان یتابعھ عیون المُخبرین و العساكر
المتراصین في اماكن الزیارة... یرید ان یراه مرفوع
الرأس و القیمة و لا یراه یتعرض للسب علي لسان
ظابط او عسكري و ھو یجره بعد انتھاء الزیاره... لیتھ
ِعلم انھ ظلمھ بفعلتھ... لیتھ یعلم ان رفضھ رؤیتھ و
زیارتھ قد كسر نفسھ و مزق فؤاده... ُ كان سلیم نسخة
من سعد فقد رباھم نفس الرجل و ھو جابر... كان رجل
یحترمھ كل من یعرفھ رغم حداثھ سنھ و ھدوء طبعھ...
كان یرافق جده في زیاراتھ یعود المریض و یعزي في
المیت و یحضر الاعراس یمشي في ركب جده.. لم یكن
سلیم یحب التعلیم و المدرسة لكنھ رضخ لارادة امھ و
التحق بھا... .. كان یشعر بالخجل و ھو یحمل الكتب
و یذھب للمدرسھ... فترك المدرسة في المرحلة
الاعدادیة.. و لزم جده لابیھ..
ّ كان الدوار ھادئ حین دوى صوت یاسر في اركانھ..
ظن الجمیع انھ یضرب إحدى زوجاتھ فلم یتحرك احد
من مكانھ... حتي سمعوا صوت یعرفوه لكنھم لا یألفوا
نغمتھ العالیھ... انھ سلیم...
ً یاسر بغضب : انت ایھ اللي جابك اصلا
سلیم بأنفعال : یعني ایھ یا خالي... ھو انا مش منكم و
من حقي..
: حقك ایھ... یاتك كسر حُقك انت ً یاسر مقاطعا بغضب
و امك و اللي جابك
سلیم بغضب : متجبشي سیرة امي و ابوي احسن لك
یاسر و قد مسك بتلابیب سلیم : احسن لي یا ابن خدیجة
... ایھ ھتضربني
سلیم و ھو یُحرر نفسھ بعصبیة : انا ابن سعد
الدمنھوري.. و متجبشي سیرة امي تاني
كان سلیم قد حرر نفسھ من یاسر و نفض یده بعیدا
بعنف فثار حمیة یاسر و رفع یده لیصفعھ فأتي صوت
ألجمھ
حامد بغضب : یاسر
نزل یاسر یده بسرعھ و ھو یرمق سلیم بنظرات مشتعلھ
و سلیم یبادلھ بنظرات لا تقل عنھا حدة
حامد بغضب : في ایھ صوتكم جایب لاخر البلد
یاسر بأنفعال : ابن خدیجة بیقولي احسن لي
سلیم بغضب : قولت اسمي ابن سعد و..
: بس منك لیھ... ھو انتم من دور ً حامد مقاطعا بأنفعال
بعض عشان تتناطحوا..
ثم اضاف و ھو ینظر لسلیم : ایھ یا ابن سعد خلاص
بقیت راجل و محدش مالي عینك
سلیم و ھو یرمق یاسر بنظرات غاضبھ : یا سیدي انا
كنت بدور علي سیدي جابر و مشیت لارضنا اللي علي
الراتب.. لقیتھم بیوزنوا الرز اللي درسوه و محتاجین
حد بیعرف یكتب عشان یسجلوا اللي بیتوزن... خدت
الورقھ اسجل... جھ خالي یاسر قدام الكل و مسك
الورقھ من ایدي رماه علي الارض و سحبني من ایدي
كیف البھیمھ لحد ھنا و بیقول لي ایھ اللي جابني
ھناك... ھو انا مش من الدمنھوریھ ولا ایھ..
جابر بثبات و قد كان یسمع لسلیم و لم ینتبھ احد
لحضوره : انت سلیم سعد جابر الدمنھوري.. ابن سعد
الدمنھوري و حفید سلیم الدمنھوري... زینة شباب
الدمنھوریة.. و ابن كبیرھم
ثم اضاف وھو یوجھ نظره لحامد : ولا ایھ یا حامد
حامد بثبات : كلامك صح یا جابر و میتعیبشي.. و مش
ده اللي یاسر قصده... یظھر ان في حاجة غیرھا شیلتھ
من ابن اخوه
ثم اضاف و ھو ینظر لیاسر بغضب : صح یا یاسر
یاسر بتلعثم : سلیم معدشي بیبص ف وش حد و لا
بیعتبرنا و انا كنت
: خلصنا احنا مش ھنشمت فینا ً حامد مقاطعا بحسم
الخلق و نفرجھم علینا..
ثم اضاف و ھو ینظر لسلیم : تعالي بوس علي راس
خالك یا سلیم و استسمحھ
نظر سلیم لحامد و نقل بصره نحو یاسر و تنھد و
تحرك نحو یاسر الذي ارتسم علي وجھھ ابتسامة شماتھ
بخطوات متثاقلھ.. ما ان اصبح بینھ و بینھ خطوه...
جاء صوت جابر
جابر بثبات : تعالي یا سلیم انا عاوز افرحك..
توقف سلیم مكانھ و ھو یتطلع نحو جده جابر الذي
ظھرت البسمھ علي محیاه و ھو ینقل بصره بین اخوه و
ابنھ... كانوا متأھبین لیعرفوا ما سیقولھ جابر.. حُبست
الانفاس..
: ابوك ھیخرج مع اللي بیخرجوا بعد نص ً جابر مبتسما
المدة
ُ اتسعت عینا حامد و یاسر و شخصت و اختفت
الابتسامة من علي وجوھھم و تجمدوا من الصدمة...
اما سلیم فقد اسرع نحو جده یحتضنھ و یُقبل یده و رأسھ
في سعاده و غادرو المكان تاركین یاسر و حامد و كأن
علي رؤسھم الطیر...
........
في مكتب راقي للمنشئات الھندسیة... مكتب یحمل اسم
احد رجال الانشاء العظام في مصر... محمود الناجي و
شركاؤه... كان شركاؤه ھم یحیى الدمنھوري زوج ابنتھ
و صدیق عمرة جلال نور الدین... بعد سفر یحیي
لالمانیا و استقراره ھناك... بات المكتب تحت ادارة
جلال نور الدین في مصر و مشاركة یحیي بمجھوداتھ
و رؤیتھ و ھو في مقر غربتھ بألمانیا... كان جلال قد
ألحق أبنھ خالد الـ مُعید بكلیة الھندسة للعمل بالمكتب..
لیتحمل عنھ قلیل من اعباء العمل بعد وفاة یحیي و
... ُ انشغال ابنھ أدھم بالتدریس في كبري جامعات ألمانیا
جلال كان في مكتبھ یراجع بعض الاوراق حین دخل
علیھ ابنھ خالد..
خالد بمرح : السلام علیكم
جلال بأبتسامة : علیكم السلام.. ادخل عاوزك
خالد بترقب : خیر في مشاكل في الشغل
جلال و قد اتسعت ابتسامتھ : لا انا قررت اسیب الشغل
خالد بصدمة : نعم انت بتھزر صح
ً.. البركھ
جلال و ھو ینھض من علي كرسیة : لا طبعا
فیكم بقھ
خالد و قد شخص بصره : بابا بالله عليك مش بحب
الھزار ده
جلال بحسم : قلت مش بھزر
خالد : بس یا بابا انا مش فاضي انا عندي جامعھ و..

جعلتنى ملتزما " مكتملة "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن