١

55.5K 479 70
                                    

-
•••••••••••••••••••
~ أنا هُــنا ~ .
تحت أنقاض العجز الدائم
و تحت أمال الأطفال المسروقة
و بجانب أسوار الحقول المحترقة
و على ضفاف الأنهار الجــافــة ؛
تُولدُ في ميدان المآسي باكيه
تـحكي لأيامهــا تنهيدات أُمٍ
ساهرة يداعب خدها نسمات
ليل باردة تطوي تناهـيــد
أحلامِها الـ راحــِلــة !..
هُنا وُلِدت أشلاءُ قِصتي المتراميه
هُنا بُعثرت أحلام توأمٍ قـادِمــه
هُنا أُنتُـشِل مني حُب دنياي
الواهيـه ، و هُــنـــا سُفكت
دِماء أخـــي الغالِــية .
•••••••••••••••••••
~ حَملّتُ إخّوتي ~ .
نامت بعد أخِر صرخاتِها المتألمة
تاركه أبنائها بلا حليبٍ أو رائِحةٍ باقية !.
رأيت والدي على عتبات البابِ جالساً
تشكي كَـفُهُ لـ خدِهِ فقدان زَوجٍ غـالِـية .
آه ليت والدي لما تركت اُمي ناظِراً
و أُسر قبلهم بِـ بضع قُــبلاتٍ دافئة .
حَملّتُ إخوتي و دموع خدي الحارقة
تغشي غريق الهمّ في سراديب ظآلِمة
بِنتٌ لـ خمس سنين ماضية
كيف لـ حظي رمي أكهالهُ
القـــاضــيـــــة ؟.

.
(أُذكُروا الله كثيراً لَعلكم تُرحمون) .
.
.

الساعة ١٠:٣٩ صـَباحاً .
اشعة شمس العاصمة السعودية حرقت بشرتها
البيضاء وجعلتها تبدو كما لو كانت خرقة قماش
حمراء ، اخرجت اخر مجموعة (روائح سيارات)
وهي تقترب من إحدى السيارات الفارهة عند إشارة
المــرور المتوقفة بصوت حاد وهي تشوف صاحب
السيارة يناظر عيونها بـ نظرة اربكتها ، بصوت غريب
اختلطت فيه نبرة تعب و جفاف ريق ، تصاحبه بحة
متألمة : أخوي تبي ولا لا ؟.
أردف وهي يناظرها بـ نفس النظرة : باخذها بـ ريال .
زفرت وهي تتلفت على اشكال السيارات كانت
اخر سيارة في هذا الشارع فقد جالت على الجميع
التفتت وهي تحاول تساوم شخص طماع ، رأى من
الدنيا الكثير ولميشقى ولو لوهلة لـ يحصل على
رغيف يومة يساؤمهافي بضع ريالات وهي انثى
في منتصف الشارع والشمس تحرق خلاياها
وتصهرها ، زفرت بقوة وهي تحاول كبح رغبتها
العارمة في ضربه : فكر فيها ترى كلها ثلاث ريال
لو نقصت ريالين انا وش بستفيد من بيعها هاه ؟.
برطم وهو يتشدق والمكيف قد اثلج كل السيارة
ولم يشعر ولو بالقليل مما تعانيه : قلت لك تبين
بـ ريال عطيتك وهت ما تبين اذلفي انتي و فواحاتك .
هنا بلغ السيل الزبى و تلفت اخر أعصابها
وهي تحاول الصبر ، من أي صخرٍ خُلقت
ضمائر هؤلاء البشر ؟!.
رفعت نقابها بلا وعي وهي تستجمع في فمها
ما ظنته سـ يلجم هذا المتعجرف ، لـ تكافئـه
على دنائة خُلِقه بـ ( تفلة ) أتته في منتصف
جبينة ، أنصدم و قد تغيرت ملامحه كُليـاً .
أدركت موقفها ، لتضع كل الفواحات او الروائح
في حقيبتها السوداء الصغيره وترفع عبايتـهـا
وتهرب ، لـ سوء حظه ، و حسن حظها فُتحت
الإشارة وهو من الصفوف الاولى ويجب عليه
الحراك ، خرجت من كامل الشارع وهي بالكاد
تلتقط انفاسها ، توجهت الى احدى لوحات المحلات
الكبيرة وهي تجلس تحت ظلها ، مسحت وجهها
بـ تعب ، لـ يُقاطعها اتصال ، اخرجت هاتفها الصغير
اول نوعية سامسونج في السوق ، محطم نصفه .
المتصل ( ملآك ) ، زفرت وهي تستعد لـ توبيخها
و تأهب نفسها لأي عبارة قد تخرجها من طورها .
بصوت هادئ يغلبه نبرة التعب : ههلا ميمي .
هاجمت بـ صرخة كاد يثقب اذنها : وينك ؟؟؟؟! .
زفرت وهي تحاول تدخل المحل لكي لا يظهر
ضجيج السيارات والشارع القريب ، وهي تولي
من في المحل ظهرها فـ هو محل نسخ مفاتيح
لا تعلم كيف وصلت اليه ونظرات العمال لها
وكأنها في وكر اسود : في المحل وين بكون يعني !.
ملآك بـ نبرة حادة وهي تحاول تهديدها بـ قدر
الأمكان واخافتها : الحين الحين ترجعين ولا لي تصرف ثاني .
بسرعة قاطعتها : قلت لك الشغل زين كل الي معي حريم .
لحظة صمت بلغية والكل يستمع لمكالمتها
لفت بسرعه و عيونها بعيونهم ، زفرت وهي
تحاول تلاشيهم : انا بجيب الغداء طيب .
تنهدت ملآك بأستسلام : لا تطولين برسل لك مصعب .
وكأنها رشت النار بالبنزين ، نطقت وهي تصر
على سنونها : لا تدخلينه فينا ، الحين جاية ما بتبلعني الأرض .
ملآك : طلع من عندي من زمان وجاي للمحل .
شهقت وهي تغطي فمها " المحل !!! لا لعنك يا ملآك ".
قفلت بسرعة وهي ترفع عباتها وتركض ، بعد
جهد بليغ وقفت امام لوحة كبيرة في شارع
ضخم يعتلي اسم اللوحة الوردية ( لؤلؤة الأسر المنتجة ).
تلفتت وانفاسها تسابقها وصدرها يعلى ويهبط
بسرعة ، حمدت ربها مليون مرة لم يكن قـد
وصل بعد ، جلست على اقرب درج وهي تحاول
التقاط انفاسها ، بعد مرور خمس دقايق سمعت
صوت دبابه المزعج جداً ، رفعت راسها وهي تشوفه
يناظرها ، نزلت الدرج بسرعة وركبت خلفه وتشبثت
بالحديد تحت المقعد ، قاطعها : ميلآف تمسكي فيني .
سفهته وهي تتمسك بقوة آلمت كفوفها
لكن يكفي ألا تستند على أي شخص فهي
يجب أن تبقى قوية دون أحد ، فلا أحد يدوم .
وصلوا وهي تنزل ، همس بـ هدوء : رد علي صاحب
الأستراحة و يقول أنه في وظيفة بس الراتب ما يسر .
لفت بسرعة : كم ؟ و وش الوظيفة ؟.
شد بـ كفه على مقود الدباب وهو يشوف إصرارها
على هالموضوع ، لكن بأجبار منها سـ يضطر لـ كشف
ما تريده مرغماً : ٣آلاف في الشهر ، والشغل شامل
يعني أي شي يضيعوا فيه وما يلقوا من يسويه ينادونك
و ممكن يرفع السعر يعني قابل لـ التفاوض بسبب أنه
رجع يفتح الأستراحة وعلى موسم يعني بيرتفع دخلها
و بالتالي دخل العاملين فيها .
زفرت : طيب شكراً ، روح .
ولته ظهرها لكن حست بـ كفه على معصمها
نفضت يدها بسرعة و بقوة ، وهي تلتفت عليه
و ترميه بنظرة حادة أعتادها من عيونها العسلية .
نزل رأسه و بنبرة هادئة معتادة في صوته وخطابه
معها : ميلآف غلط ألي تسوينه ترى وهالضعيفة
ما تدري بشيء ، لو درت ممكن تزعل مني للأبد .
بـ صوت حاد و أنفاسها تتصاعد : ألزم حدك وخلك في حالك .
تركته يتأمل طيف ذهابه كما في كل حين
دخلت وهي تفسخ عباتها ، وترميها وبصراخ
: ملآكككك الغداء يلا .
خرجت من المطبخ ، وهي تتوجه لها وعلى
عيونها السود نظرة حادة غاضبة لم و لن
تلبق على ملامحها في يوم مهما حاولت جاهدة .
ملآك : وش قلت لك أنا ؟.
جلست وهي تسفهها وتشمر ساعدها وتمد
السفرة ، بدت تأكل متعمدة عدم النقاش
حول أي أمر ، زفرت صاحبة الوجنات الوردية
وهي تجلس بسرعة يعتلي ملامحها الشامية الغضب .
ملآك : ميلآف أنتي أكيد تكذبين علي شوفي بشرتك
كيف صايرة ! متأكدة أصحاب المحل مخلينك معهم
ولا مطلعينك توصيل ؟ لو ما قلتي ما رح أسامحك .
كـ عادتها لا رد وإن سُرِد أمامها مئة أمر .
تنهدت بأستسلام وهي تمد كفها وتتغدا
مع أختها ، وعيونها تتجول على الحروق
الغريبة في يديها ، سمعوا خبط قوي على
الباب ، رفعوا رؤوسهم و ألتقت عيونهم
ملآك بـ نبرة خوف : لا أشوفك تقومين أنا بكلمه .
ما إن حاولت رفع نفسي من فوق الأرض
حتى تجاوزتني ميلآف بطولها الذي يتجاوز
طولي ، وأنا التي أكبرها بـ خمس سنين .
بسرعة سحبت عبايتي أحاول اللحاق بها
وصلنا للباب ، صرخت ولا زال في فمها
بعض الأكل : محمود روح في حالك مافي فلوس ألحين
لا لقينا بنجيبها ما رح نستغلك هون على نفسك شوي
كل يوم تزورنا حتى ملك الموت ما يشوفنا كثر ما تشوفنا انت .
أجاب من خلف الباب بـ لهجة مصرية
بحتة : واللهي واللهي يا ميلآف يا كزابة
لو ما يقيني الأقار بتاع الشهور الفايتة
بكرة ، لـ تكونوا ورى الباب أبل الفجر
و أولي ما أولت لك يا نصابة .
لفت لي و هي تطق رقبتها دلالة على الغضب
و كلي أمل في أستطاعتها كبح أنفجارها : طيب أذلللف .
فعلاً أختفى صوته ، عدنا للغرفة الصغيرة
المتهاوية المتغير لون جدرانها من الأبيض
إلى البيج المتسخ ، اقفلنا الباب الذي يكاد
أن يتهاوى و دمعتي تسبق تهاويه .
ألتفتت لي ذات الملامح الحادة الجامحة
وتلك النظرة ذاتها على عسلياتها الذائبة
ببياضها الأشد مني ، و طولها ، و شعرها
الأشبه بـ شعر الصبيه ، بصوت حاد وعيونها
تنخر عظمي : لو نزلت هالدمعة طلعت عينك وراها .
بسرعة اصغيت وأنا أمسح دمعي بسرعة
قطعتني وهي تدخل لـ الحمام المتهالك
أكرمكم الله وتقفل الباب بقوة ، بدون
مقاومة تركت دمعي ينسكب وأنا أعلم
بأن كلتانا تبكي في جهة دون علم الأخرى بها .
كيف لنا أن نقاوم حياةً نحن فيها بلا سند
من كان سندنا ذهب ، ولم يبقى منه سوى
نسخته ، التي تحاول قدر أمكانها أن تجعلنا
نعيش كالباقي ، حرمت نفسها هي الأخرى
من الدراسة لكي تسندني ، فأنا واهنة ضعيفة
ذات حيل مهدود ، و قدر يقص ظهر سامع قصتي .

رواية حقيقة خلف سياج الانتظارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن