العفو أشد أنواع الأنتقام

58 14 3
                                    

دخلت اللين ﺳﺠﻦاﻟﻨﺴﺎء ﻟﺘﻘضي ﻓﻴﻪ المدة المقدرة ﻟﻬﺎ،ووﺿﻌﺖﰲ ﻏﺮﻓﺔٍ واﺣﺪةٍ ﻣﻊ«إﻳلي»اﻣﺮأةٍ ﻋﺠﻮزﺳﺎﻗﻄﺔ،ﻗﻀﺖ ﺟﺰءًا ﻋﻈﻴﻤًﺎﻣﻦﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا المكان المظلم القاتم ،ﺣﺘﻰ ألفته وجمدت عليه،فلم تعد تحفل بشئ في هذا العالم ولا تفكر إلا في الساعه التي يقدم فيها لها الطعام فتلتهمه التهامآ ،وهي تضحك وتتغنى ،كأنما هي سعيده وهانئه وكأنها ابعد الناس عن الهموم والاحزان ،فذعرت اللين حين رأتها ذعرآ شديدآ،وتسللت الى زوايه من زوايه الغرفه فقبعت فيها واستسلمت ل همومها وأحزانها ولم تدع قطره من الدموع في عينها إلا ذرفتها وأبت ان تتناول الطعام الذي قدمه إليها السجان فوضعه بين يديها وتركها وشأنها ،فبكت ما شاء الله أن تفعل حتى هدأ بعض ما بها ،فعمدت إلى كتاب صغير من كتب الاخلاق كانت لا تزال تحتفظ به في جيبها ما تفارقه فأخرجته وأخذت تتلهى بتقليب صفحاته فكان اول ما وقع عينها عليه من كلماته هذه الكلمه (العفو أشد انواع الانتقام) فأنتفضت عند قرأتها أنتفاضآ شديدآ وعلق نظرها بها ما ينتقل عنها وأخذت تراجع الحوادث التي مرت بها وتستعرضها واحده بعد الاخرى وتفكر في المظالم التي نالتها ونالت أباها وما اقترفا ذنبآ ولا جنيآ على أحد حتى أوردتهما هذ المورد من الشقاء فشعرت بدبيب الشر في نفسها للمرة الاولى في حياتها وظلت تقول في نفسها :إن الذين مرت على ألسنتهم أمثال هذه الكلمات إنما كانوا يعيشون في عصر غير هذا العصر ،وبين ناس غير هؤلاء الناس ولو أنهم عاشو بيننا لكان لهم في العالم وأهليه غير هذا الرأي ولما أجترءوا على المجازفه بتدوين هذه الافكار في كتبهم ؛لأن العفو لا يكون أنتقامآ إلا من اصحاب الضمائر الطيبه الطاهرة التي يقلقها الذنب ويخجلها العفو والتي تصدر عنها سيأتها زلات وهفوات، وإﻧﻬﺎﻟﺬاﻫﺒﺔٌ ﻫﺬه المذ اﻫﺐاﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﰲ ﺗﺼﻮراﺗﻬﺎ و ﺧﻴﺎلاﺗﻬﺎ إذ دﻧﺖ منها جارتها العجوز تختلس الخطى أختلاسآ حتى وقفت وراءها ونظرت ل الصفحه التي تنظر إليها فوقع نظرها على تلك الكلمة التي تنعم النظر فيها ،فقهقهت ضاحكه بصوت علي وغريب،فارتعدت (اللين)،والتفتت خلفها صارخه ،ماذا تريدين يا سيدتي؟
فقالت؛لا تخافي يا بنيتي ولا تراعي، فما أنا بمجنونه كما ظننت وكما يظن سكان هذه الدار ،ولكني رأيتك مستغرقه في هذا الكتاب لا ترفعين نظرك عنه فجئت لأقول لكي ؛دعي الكتب وشأنها فلا تحفلي بها ،ولا تعولي على شئ فيها فإن أصحابها الذين وضوعوها غرباء هذا العالم لا يفهمون من شؤونه شيئآ إلا كما نفهم نحن من شؤون عالم الجن أو سكان المريخ بل هم قوم معتوهون ممرورون، قضوا أيام حياتهم في معتزلاتهم الخاصه المظلمه التي لاتوجد فيها نافذه واحده تشرف على العالم وما فيه فملوا وسأموا وأرادوا أن يروحوا على أنفسهم ويتلهوا بما يسري عنهم مللهم وسأمتهم، فأخذوا يدونون هذه المبادئ التي انتزعوها من جوانب أدمغتهم لا من طبيعة المجتمع الذي يحيط بهم ويقررون الارتء التي يستحسنونها ويعجبون بها ،لا التي تتفق مع طبيعة الكون وخصائصه فهم ينصحون المجرم أن يقلع عن إجرامه ثم يخيل إليهم أنه قد أقلع وقد نزع فيطلبون إلى من أجرم إليه أن يعفو عنه قائلين له(العفو أشد انواع الانتقام)كأن الفضيله عندهم هي الحاله السياسيه للنفوس وكأن الإجرام عرض من أعراضها للطارئه عليها، لا تلبث أن تهب عليه نسمة من نسمات العظه و الأعتبار حتى تذهب به،فما أسخف عقولهم وما أقصر أنظارهم وما أبعدهم عن فهم حقائق الحياه وطبائع النفوس!،دعي الكتب يا بنيتي ولا تنظري فيها وأنزعي همومك واحزانك ،وكلي الطعام الذي يقدم إليك هانئه مغتبطه لا تلوين على شئ مما وراءك فسيأتي قريبآ أو بعيدآ ذلك اليوم الذي يفتح لك فيه هذا الباب الموصد دونك، فتخرجين إلى الأنتقام من الرجل الذي آساء اليك وساقك الى هذا المكان وتنالين منه فوق ما نال منك ،كما سأفعل انا يوم خروجي بالرجل الذي ساءني وأفسد علي حياتي ،فليس العفو أشد انواع الأنتقام كما يقولون بل الأنتقام اعظم ملاذ الحياه،،فهدأت نفس اللين قليلآ ،واستطاعت أن تأكل شيئآ من الطعام الذي قدم لها ،، إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ إذا ﺟﺎء اﻟﻠﻴﻞ رأت أﺑﺎﻫﺎ ﰲﻣﻨﺎﻣﻬﺎ ﻳﻘﺎﳼ أﻧﻮاع اﻟﻌﺬاب وﺻﻨﻮف اﻵﻻم ﰲ ﺳﺠﻨﻪ ،ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺑﺎﻛﻴﺔ ﻧﺎدﺑﺔً ،ﻻ ﻳﻬﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻻﻣﻬﺎ ﺑﻌﺾ ،اﻟﺘﻬﻮﻳﻦ إﻻ ﺛﺮﺛﺮة ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺠﻮز و ﻫﺬﻳﺎﻧﻬﺎ ،، ﺣﺘﻰ ﻧﺎﻣﺖ ذات ﻟﻴﻠﺔ ﻓﺮأﺗﻪ ميتآ ﻋﲆ سرﻳﺮ ﻣﻦ أسرة ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﺴﺠﻦ تحيط ب جثته ﺷﻤﻌﺘﺎن ﻣﻀﻴﺌﺘﺎن ،ﻓﺎﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻓﺰﻋﺔً ﻣﺬﻋﻮرةً ﺗﺒﻜﻲ و ﺗﻨﺘﺤﺐ ،و ﻣﺎﻫﻲ إﻻ ﻫﻨﻴﻬﺔ حتى دخل عليها السجان يدعوها ل مقابلة مدير السجن، فذهبت إليه فأبلغها أن أباها قد توفي الليله في المستشفى ،فصعقت صعقه كادت تذهب ب نفسها ،ثم أستفاقت فإذ هي في غرفة سجنها، ﻓﺈذا ﻫﻲ أﺷﺪ ﻋﺒﺎد ﷲ ﺑﺆﺳًآو أﻋﻈﻤﻬﻢ ﺷﻘﺎءآ .
#أمنه كمال الجراي
لو لقيت تفاعل راح أنزل باقي الروايه♡♡♡♡

أنتقام برئ🔱💫{مكتمله}حيث تعيش القصص. اكتشف الآن