الحلقة الخامسة

244 19 1
                                    


حلَّ الصباح وتوسط الشمس سماء الليلة ذاتها حاملة دفئها وحنيّة ضوئها ناقلةً إياه لروح ذلك النائم بعمق ،

أستيقظ ماداً ذراعيه بتقطيبة شابت ملامحه الوسيمة إثر نومته الغير مريحة فوق الأريكة ذات الشخصين ، فطوله لا يتناسب ولا يتسع بحجم الأريكة الصغيرة .. غير أنه لاينكر تعمقه وتلذذه بنومته تلك ، وهو الذي لا يذكر أخر مرةٍ نام بها ليلاً حتى شروق الشمس دون أن يعاني ليله كله متقلباً من أرقه .

حرك رقبته ممسداً إياها جالساً ، وعينيه تلتقطان الطاولة على يمينه وكِينزي تحتل إحدى كراسيها تتناول إفطارها بروتينٍ تام .. لم يستغرب بأنها لم توقظه أو تشاركه الفطور ، فهي كما فهم في اللقاء الأول بأنها إمرأةٌ حذرة جداً .. ولا تثق بالغرباء .. وهذا شيءٌ جيد .. رغم انه شخصٌ لا يهمه كثيراً ما يبديه الآخرين له إلا أن تلك المرأة ، على نحوٍ غريب أدهشته .. ولفتته بتفرديتها !

وقف بدوره متجهاً نحو غرفة الإستخدام الخاصة ناظراً لها بطرف عينيه متذمراً من قلة الذوق الذي يتلَّبسها ، دخل مغلقاً الباب خلفه ولا زال العبوس الطفيف يكتنف ملامحه الجميلة ثم أشار بيده نحو المراءة المعلقة فوق المغسلة هاتفاً بحنق :
-أما كان عليها ان تكرم الضيف ، أعلم هي لم تتركني أنام بالخارج ولكن لا يعني أيضاً أيها الوسيم بأنها دعتك للداخل ، أنت تتحرك في منزلها وكأنه ملك لك .. حتى أنك أرتديت إزارها الخاص !

لينظر لروب الإستحمام الليموني الذي يعود لها .. ثم صفق بيده لمرة مردفاً :
-حسناً ، فلتركز بالأهم الأن يا إيّاس ، حاول إقناعها بالمذكرات وجد حلاً لمأزقك .

خرج عائداً نحو الأريكة لتقع زيتونيتيه فوق ملابسه المطوية بترتيبٍ جعله يبتسم تلقائياً نافياً قلة ذوقها الذي تحدث عنه قبل قليل .

تلقف ملابسه عائداً بها حتى يرتديها .. ثم أتى جالساً أمامها قائلاً :
-شكراً لك كرمك وسماحك بالمبيت بمنزلك ، أريد أن أقرأ مذكراتك ، أنا في حاجة لان أعرف سبب وصولي لقريتك .

تنهد مطولاً حين طال انتظاره لإجابتها ويده تلامس شعره في ضيق هامساً :
-إنِّي أشعر بالضياع .. ما لم أشعره طوال حياتي .

أنتهت كِينزي من تناولِ إفطارها دون أن ترفع عينيها نحوه أو ترد شكره ، وقفت حاملة طبقها للمغسلة ثم وضعته وأبتعدت نحو طرفِ الطاولة مناولةً إيّاس يومياتِها ، لا يحتاج الإنسان للتردد مطولاً حين يسمع بضياع شخصٍ في شعوره .. فشعور التيه قد إقتاتَ عَ قلبها مطولاً حتى باتت تتعرَّفه جيداً من نبرةِ صوتِ ، ذات النبرة التي تكلم بها إيّاس في توه ..

-أملُ أن تجد ما تحتاجُ لمعرفته .

شكرها إيّاس وفتح الكتاب بين يديه دون أن يضيعَ الكثير .. شرع في قراءة الصفحات الأولى وكِينزي تراقبُ ملامحه بهدوئِها المعتاد بعد ان عادت للجلوس امام الطاولة ، وكأن هنالك حروباً تقام فوق تقاسيمه ، مرةً يخبو بريقُ عينيه بلونِ الزيتون الفاتح .. وتارةً تغمق وكأنه الزيتون الأسود وتارةً أخرى يطولُ في شروده دون أن يقلبَ الصفحة التالية ، وكأنه يعيشُها لايقرأها فقط .. يا للعجب لم تصادف في حياتها رجلاً مثله يغرق في تركيزه بهذا العُمق .

إمرأة من شمس ( عن الرّوح والكتب ).  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن