فلم أشعر بالخوف هكذا من قبل .. فحاولت أن أقنع نفسي بأني أتوهم حتي أستطيع أن أجتاز ذلك الشارع ..و بمجرد أن عبرت ذلك الشارع شعرت بنغمة هاتفي فإذا المُتصل زميل لي و لكنه يكبرني بثلاثة أعوام ويعمل وكيل نيــّابة ..
، فطلب مني الحضور لتصوير مسرح جريمة .. لأن المصور الجنائي الذي يعمل معهم مُسافر !وبالطبع فإن ذلك غير مسموح لأي مُصور ، ولكن زميلي صرّح لي بأنه اتصل بي بناءاً علي سببيـن .. فالسبب الأول أني مرشح بقوة للعمل في النيابة فلا أعتبر خارج دائرتهم من الاّن ..
و السبب الثاني أن تصوير مسرح الجرائم يحتاج إلي حس إبداعي فالصورة يجب أن تخدم عدة أغراض فبالنسبة للأشخاص الذين كانوا في مسرح الجريمة الأصلية ستساعدهم الصور في تذكر الاحداث ، واما بالنسبة للأشخاص الذين لم يتمكنو من التواجد في مسرح الجريمة فالصور الفوتوغرافية تمكنهم من رؤية مسرح الجريمة والأدلة . وبالإضافة إلى ذلك، فإن صور الأدلة الجنائية يمكن استخدامها من قبل المحللون القانونيون الذين سوف يشاركوا في تحليل الجريمة، وكما تستخدم كأدلة عند عرض الجريمه للمحاكمة ..
، فكنت سعيداً جدا وأنا في طريقي إلي المكان الذي وصفه زميلي .. فمعني كلامه بأني علي بُعد خطوة واحدة من أن أتعين في منصب "مُصور جنائي" و بذلك أكون قد رضيت أبي وفي نفس الوقت حصلت علي العمل الذي أحبه .. فنظرت إلي الكتاب وهمست له "وشك حلو عليا" ..
،وحين وصلت إلي عنوان مسرح الجريمة وجدت نفسي في شقة فاخرة في حيّ الزمالك ..وحين دلفت إلي البهو وجدت علي الأرض جثة لفتاة لا تتجاوز منتصف العقد الثاني ، و هناك جرح مقطعي عند شريان يدها .. و كلام أختها ووالدتها أنها حالة انتحار ..!فوضعت الكتاب والزهور جانباً في مكان بعيداً عن مسرح الجريمة ثم مسكت الكاميرا و بدأت أستعد لإلتقاط الصور ، ولكن فجأة حدث شيء غريب للغاية فشعرت أن تلك الجريمة ليست انتحار و إنما جريمة قتل ..
فوجدت نفسي أتحدث مع وكيل النيابة و كأني مسحور فكأن الكلام يقفز علي لساني فقلت .." تلك الجريمة ليست انتحار و إنما قتل فشكل القطع علي يد القتيلة يدل علي أن شخصاً أعسر من قام به ، في حين أن القتيلة كانت تستخدم يدها اليُمني .."
فنظر لي الكل نظرات دهشة وسألني وكيل النيابة بإندهاش كيف عرفت ؟! ..
فبدا عليّ الإرتباك وقلت له بكلمات متعلثمة " لاحظت ذلك .."
فضحك وكيل النيابة وقال لي " شكلك طمعان تشتغل طبيب شرعي كمان مش بس مصور جنائي " ..وضحك جميع الضباط علي كلامه و ضحكت أنا ضحكة خرجت مني بالكاد مجاملة له ، وأنهيت عملي وانصرفت ..ولكن في طريق العودة كاد التفكير يمزق عقلي فكلامي عن تلك الجريمة لم تكن مهارة أو شفافية عالية كما أعتقد وكيل النيابة ..
بل ذلك الكتاب كانت حروفه تتحدث معي ، ولم يُصيبني الجنون كما سيعتقد البعض الاّن ..و لكني أقسم أن بعض الحروف في ذلك الكتاب كانت تُنيرفي عقلي حتي تكون كلمة و الكلمة تكون جملة و تقفز تلك الجملة إلي عقلي و من عقلي إلي لساني .. كما لو كانت تلك الحروف تتحدث معي .. وحاولت أن أقنع نفسي أن ذلك مجرد هلاوس من شدة الإرهاق ..ولكن شعوري بأن شخص ما يتتبعني ظل يرافقني رغم أن الشارع خاوي حتي وصلت للمنزل ..