02

259 24 104
                                    


الأم والابن

لقد كان جسده ينتهي إلى مرفقها، تحمله بذراع واحدة لشدة ضآلته، قليل البكاء، وضيفًا مؤقتًا على هذا المنزل، ثم طال الأمر، وانقطعت الانتظارات، أصبح قادرًا على الزحف والعبث في الأرجاء، كانت الأيام تمضي سريعًا، إلى الحد الذي تصبح فيه الأمور المؤقتة مؤرقة، حتى انتهى الأمر، وأرسلت تطلب الاعتناء بماثيو على الدوام، إن لم يمانع، ولم يمانع.. أرسل رجل تلك الليلة، موافقته، وترك التفاصيل لها، كان قلقها يتحول من هيئة إلى هيئة، من طرقات الباب.. إلى الكلمات التي عليها أن تنطقها، عندما يعي هذا الطفل، لقد كانت تفاصيل كثيرة، يتطلب تغييرها الكثير من الحذر.

وهكذا لم تتخذ إجراءً ما، لم تخبر ماثيو بحقيقة كاملة قط، كان تدع الأمور تأخذ مجراها، كان رضيعًا تلك الليلة، ثم بدأ يمتد بخجل إلى الأعلى، يزداد تفردًا ووجودًا، وتتضح كينونته، أما الآن فهو فتى، صبي، ينير بذات الطباع، ويحمل في نفسه شرارة الطفولة، ذاتها التي تدفعه إلى الركض في الأرجاء. كان لديه طقوسه الخاصة، يدخل كل فترة من باب المنزل بجريدة جديدة يفردها على الأرض أمام المدفئة وسط الآرائك، يتمدد على بطنه، ويختفي وجهه فيها، لم تكن تشعر بوجوده في هذه الأوقات، إلا إذا كان يتمتم، كانت تلك التمتمات الصغيرة تعلو وتتحول إلى كلمات، وتعلق على شعره البني.

كان الفتى محصورًا بطريقة ما، فقط يزداد طولًا، حتى يخيل إليها بعض الأحيان.. أنه عالق عند سن معين، لا يكبر بعده، ذات الحجم الصغير، وذات الحساسية المفرطة التي يكون عليها أي طفل، تفتح الباب له، عائدًا من المدرسة، وبينما تعد طعام العشاء، كان يجلس على المائدة، يتكأ برأسه على راحتي يديه أو مرفقيه، يحكي لآشوريا فعاليات يومه، كيف أن الأستاذ ضرب ريجينالد لأنه افتعل بعض المشاكل في الحصة، وكيف أن صوت الطبشور كان مزعجًا، كان يملأ حديثه بالتفاصيل الصغيرة فقط، تلك التي يمكن إهمالها.

وبينما تستمع هي إليه، كان هو يراقبها براحة بال، كان شعرها أبيضًا، يتجمع في جديلة قصيرة على ظهرها، وابتسامة لطيفة تعلو محياها، تلتف أحيانًا لتسأله سؤالًا ما، وتبدي اهتمامها، ذلك الاهتمام الوحيد، الذي يحملانه لبعضهما.

ينتهيان من الطعام، ويعود الهدوء ذاته، كانت آشوريا تحيك وتخيط في الصالة، يذهب ماثيو إليها أحيانًا، ويضع رأسه على حجرها، يمسك لها كرة الصوف إذا كانت تحيك، تتعلق عيناه بتلك الابتسامة الدافئة التي تظهر بين حين وآخر، لقد فتح عينيه على هذا الجانب منها، ذلك الوجه المبتسم والمهتم، وذلك الصمت المهيب، الذي يتشرب الهموم، ويحيط بالكثير من الأمور، والأسرار المتراكمة خلف ذلك الباب المفتوح، سؤال واحد يكفل له إجابة واضحة، لكن الغرفة ليست ملكًا له وحده.. كانت ملكهما، تنذر بالشؤم، والمراهنات، لكن رهانه الوحيد كان آشوريا، يكفيه وجودها، وضعت يدها على جبينه، ثم أخذت تمسح رأسه ببطء، تنجذب أفكاره إلى راحة يدها، وتتحرك بعيدًا عنه.

ضحايا المنتصفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن