الهاربون من الوهم
فتح ماثيو باب غرفته لهما، تستضيف ضيفًا اليوم على خلاف المتعاد، لم يهمه الأمر بقدر الحديث الذي يدور خارج الغرفة، بين آشوريا والسيدة جونز، وزوجها الذي انضم لاحقًا، كان الرجل هاربًا، ولايزال، ملاحقًا، علا صوت السيدة جونز تروي ما حدث معهما مرة أخرى بالتفاصيل التي أضافوها، تمدد ماثيو على فراشه مرهقًا، تتوارد أحداث اليوم في رأسه، «كيف له أن ينهض بعد ما تلقاه؟ إنه وحش.» سأل ريجي.
تمتم ماثيو وهو ينظر إلى السقف: «إنه كذلك، كان يهذي عن الانتقام.».
«لكن ممن؟» سأل والد ريجي، تتقاطع الأحاديث فتضيع عليهما جزءًا مما يقال خارجًا، أصغيا السمع مجددًا، حتى مل ريجي من الحديث المفرغ، لكن ماثيو استطاع سماع صوتها الضئيل المرتعب، كانت تشارك بوجهة نظرها الخاصة، «ماذا لو قصد ماثيو؟».
أمسكت السيدة جونز يدي آشوريا بين كفيها،
«لا تفكري بالأمر كثيرًا، المهم الآن أنهما بخير.»، ثم أكمل السيد جونز عنها، «لن يتكرر الأمر أبدًا..»، نالت آشوريا تلك العبارات المطمئنة، لكنها لم تكفي لإراحة بالها، لقد ضعف جدارها، وأخذت تلك الشكوك والأفكار الهشة تُأخذ على محمل الجد.تورم وجهها صباح ذلك الغد، يشدها التعب، كان يسمع ضجيج صحوتها الخافت تلك الليلة، كادت أن تمنعه من الذهاب إلى المدرسة، لكنها لم تفعل، ولم يكن ماثيو ليعاتبها، لم تنم.. كما لم ينم هو ذاته، كان النوم يهدد تحريك أحداث الليلة إلى خانة الذكريات، تراوده في رأسه.. نظرة الرجل والدماء التي تنسكب من رأسه، فباتت تقض مضجعه.
كان أغلب الأولاد يتناقلون أحداث البارحة، ينير الفضول هذا الصباح، كانت تكفيه أسئلته الخاصة، ما الذي أثار رعب والدته هكذا؟ يتشتت ذهنه عن الأستاذ، لولا الألم الذي ينبعث من يده كل فترة، ويعيده إلى صحوته.
اكتفى المعلم ذلك اليوم بالفترة الصباحية، كان الخوف مشتركًا بين الجميع، إلا والدته.. كان خوفها مختلفًا، لكنه منع نفسه من هذه المقارنة، وساوسه الكثيرة لا تجلب الحظ، مشى ماثيو إلى منزله، قبل أن توقفه يد عن إكمال مشيه؛ يد ريجنالد الذي تقدم ماثيو، ثم أشار له ليسيرا معًا، كان هواء الخريف يشتد برودة، «كيف كانت ليلة البارحة؟» سأل ريجي بسخرية قبل أن يركل حجرًا على الطريق.
ثم أكمل حديثه، «لم يجدوا الرجل البارحة، لازال البعض يبحث عنه، من المرجح أنه قد هرب إلى مكان بعيد..»
«من المؤكد أنه هرب، لا أعتقد بأنه ينتظر منا أن نمسكه.» علق ماثيو على الأمر، «هذا ما قلته صباح اليوم»، آمن كلاهما أن نجاتهما محض صدفة مقدرة، ظلام دامس وشجيرات خضراء..
انتظرته آشوريا خارج المنزل، حرصت على إغلاق الباب خلفه، الدخول بعده، وعلى جانب الممر اصطفت الحقائب، «لماذا كل تلك الحقائب؟» سأل متعجبًا.
أنت تقرأ
ضحايا المنتصف
General Fictionأحداثٌ تتكرر بلا هوادة.. وأمورٌ تثير ريبة النسيان، وتبقى الحقيقة طي الكتمان.. لا شيء يغير من حدة ماضٍ أليم، ولا أحد يبادر لتغيير مستقبل جديد، ويولد من رحم التقاعس ذات المصير، الذي واجهوه وعاشوا تحت وطأته جميعًا.