المُعَسّكَر.

145 10 0
                                    

" مَا الذّي يُمكِنُنِي أَنْ أَفعَلَهُ لَو ظَل ذَلِكَ الخَوفُ يَنبِضُ فِي جَسدي بَدلاً مِن القَلبْ ؟ "
______

دَاخِل المَلجَأْ، يَحتَضِنُ الصِغَارُ أُمَهاتِهِم، يَدفِنون تِلَكَّ الرُؤؤسِ الصَغيره فِي صُدُورِ الحَنونَاتِ، يُربِتنَّ عَلى ظُهورِهِم، ويُمسِكنّ بِدِمُوعِهنَّ، يّحافِظنَّ عَلى رَباطَةِ جَأشِهِنَّ رُغَمَ تَدهوِرِ الأُمور، قَليلٌ مِنَ الرَجَال مَن تَبقّى، مَغارّةٌ أُخرى قَد القّت مَا تَحمِل، صَوت القَذائِفِ يُفجِعُ السَمَع، حَتى بَدأ طِفلٌ البُكَاء بُقوّه.
.
" صغيري لا تبكي، سَنكونُ بِخَير "
تَكلمّتْ أُمُه بِصَوتُهَا الحَنونِ وشَدّتُهُ الى حُضنِهَا.
.
" أَسكِتيه، سنُقتَلُ إن وَجَدونَا "
نَطّقَ صَغيرٌ لا يَتجاوَز العَاشِرَه بِقَلق.
.
حَضَنّتِ الصَغير، وبالكَادِ هَدأ، نَظروا لِبَعضِهم، لَمّحَت عَجوزٌ مَعُهم مَن بَدآ عَليهِ شَاباً بَعيدَاً عَنهُم، مُتجنِبَاً الانَظَار.
.
" يَا للعَارِ عَليكَّ، مَن أَمرَكَ بِتَرك المَعرَكَةِ يا هَذا ! "
بالكَادِ نَطّقت العَجوزُ بنَبَرَةٍ مُستَهزِئَه.
.
لَم يُعِرَها إهتُمَامَاً، أخَذ وُشَاحَهُ وأخَفّى الجُزء السُفلّيَّ مُن وَجهِه، إرتَدى قُبَعَةً حَتى بالكَادِ يُمكُنِهم رُؤيَُة تّفاصيلُ وَجهِه، نَهضّت العَجُوزُ وَخرجَت وَسط إطَلاقِ القَذائِفِ، صَرَخَ إِبنُ العَاشِرَه وأمّسَكَ بِيدهَا وأدَخلهَا مُجَدداً، وبَكى الاطّفَالُ مُجَدداً.
.
" اللّعنَة، رأونَا ! "
نَطّقَ بِقَلق وخَوفٍ مَعاً.
.
بَدأ يَجوُل فِي المَلجَأِ مِراراً وتَكراراً بَحَثاً عَن مَخرَجِ او مَخبأٍ صَغير، لا مَفرّ، دَخل الجُنُود، أَطبّق الصَمتُ عَلى الجَمِيع، نَظراتُ تَوتُرٍ وخَوفٍ سَادَتِ المَكان، لُوحِظَ الشَابُّ مِنْ قِبَلِ أَحَدِ الجُنودِ، أَمسَك بِرأَسِهِ، رَماهِ ارَضاً بقُوه، رَكلَهُ بِقَدَمِه بُقوه، أشَار بِسلاحِه نَحو رأسِ مَن يتَأوَهُ بأَلِمٍ عَلى الأَرض.
.
" كَم تَبلُغ مِن عُمرِك ؟! "
رَكلَةٌ أُخرَى تَلتّهَا رَكلّة، وهُو يَنطِق بِصَوتِهِ الخَشِنِ تِلكَ الكَلِمَات.
.
" سَبعّةَ عَشرَ ! سَبعّةَ عَشرْ ! "
صَرَخَ وهُوَ يُحَاوِلُ الإفَلاتَ مِن ضَربَاتِ الآخَرِ.
.
سَحَبَ الجُنديُّ قبعَةَ الشَابِ وَرمَاهَا ارَضاً، عِندَها بَدآ لَلجَميعِ شَعرٌ ذَهبيُّ اللونِ مُلفِتٌ للآنظَار، مُلطَخٌ بِدمَاءِ فَمِهِ لا يُلحَظُ، قِلّةُ مَن يَحمِلُ شَعَراً كَهَذا.
.
" جُنَدّيٌ لَعيّن، وتُريدُ أَنْ تَكُونَ رَجُلاً بِشَعَرِكَ هَذّا "
سَحبَ الجُندِيُّ الَشاَبَّ مِن يَاقَتِهِ، وَقف الشَابُ بُصُعوبَةٍ إِثَرَ إصَابَةِ قَدمَهِ البَلِيغّة، وَضعَ يَدهُ فَوقَ رَأسِهِ تَحيّةً للجُندّي قَائِدِ المَجمُوعّة، خَرج الجُندّيُّ وَلَحِقَ بِه الشَاب، مُطأطِئَاً رَأسَهُ للاسَفَل ويَشتُمُ نَفسَهُ.
هَا قَد وَصّلَ للمُعَسْكَرِ، القَى الجَميّعُ التَحيّةَ عَلى القَائِد وَاقِفيّن، رُغُمَ إِصَابَاتِهِمْ.
.
" طَابَ يَومُكُم، أَحضَرتُ لَكُمُ مِسخَاً هَرَبَ مِن القَاعِدَة، تَعامَلُوا مَعه "
بِنَبرَةٍ سَاخِرَة تَحدّث، أَمسَك بالفَتى مِن شَعرِهِ الذَهبّي، وسَحبَهُ أمَامَهُ.
.
" أُحلُقُوه ! "
صَرخَ عَليهِم وَشدَّ بِشعَرِ الشَابُ بُقوّه.
،
" أَمْ أَقتَلِعُهُ بَنفِسِي ؟ مِسّخ "
نَطقَ بِبُرود ورَماهُ أَرضَاً وخَرَج.
.
" مَرحَبّاً بِعَودَتِك أَيُّهَا المِسَخ "
" بالمُنَاسبّة احَببتُ إسمَكَ الجَديد "
فِي مُحَاوَلَةٍ ليضَايقُوه، تَكلمَّ عَددٌ مِنهُم.
.
حَاوَلَ الوُقُوف لَكنَّهُ اسَتفَذَ طَاقَتَه كُلهَا، مَدَّ أَحدَهُم لَهُ يَده، أمَسّك بِهَا وَسَاعَدَهُ وَوَقفَّ بِصُعوبَةٍ.
،
" لا تَكّتَرِث لَهُم، أَرى شَعرَكَ رَائِع "
إبَتسَمَ الآخَرُ، بيَنمَا الاشَقَرُ لَم يَهتّم، ذَهَبَ لِيُعَالِجَ جُرحَهُ.
.
حَلَّ الليّلُ، الجَميعُ فِي سُبّاتٍ إِثَرَ اليَومِ المُتعِبِ المَليئِ بالرَصَاصِ، لَم يَستَبعِدَ الأَشقَرُ فِكَرَة الهُروبِ مُجدَداً، هَذِهَ المَرّه اَراد الرَحيل خَارِجَ البِلاد، لَكِنّه فَكرَ فَقطـ فِي انّه يَهرُبُ مِن الجَيش، الهَدْف الرَئيسِي، ذَلِكَ الجَيش اللعَيّن اللا إنَسانِي، جُنِّدَ مُرغَماً، ولا يُعامَلُ كَبَشريٍّ البَتّه، غَطَّ فِي نَومٍ عَميّق فَيومُهُ كَان مُرهِقَاً بَحِقْ، صَبَاحاً صُرِخَ عَليّهِ وأُوقِظَ مِن يَاقَتِهِ، فَتَحَ زَرقَاوتَاهُ بِصدَمّه، وخَوف، وإرتِعَاب، كَانُوا يُمسِكُون بِكلتَا يَديه، مُقيدِنَهُ ويُمسِكُونَ بِ مَاكينَةِ حِلاقَة، صَرخَ وَرفَض ذَلِكَ بِقُوّه، فَ هُو يُحِبُ شَعر والِدَتهِ، يَجعَلُهُ جَذابَاً، عَلى الأَقَلِّ لِنَفسِهِ، وانتَهى الأَمرُ بِرؤويتِهِ لَهالتِهِ الجَديدة كُليّاً، اللتِي لا يُحِبُها أَحَد.
____________

إنتهى.

‏[ Αθηνά & Άρης ] آثينا و آريز.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن