تَغيُرّات.

71 10 0
                                    

" الصَمّتْ، الهُدوء، كَبحْ الغَضَبْ، عَدمُ الصُراخَ،
أتَظُنُ أن ذَلِكَ سَهلاً ؟
ليس سَهلاً ابدَا ".
________

" لا أُرِيد أَنْ أَكُونَ فَردّاً فِي الجَيّش، سَيدّي "
تكلّم الفَتى الذِي خَسِرَ شَعرَهُ الحَريري بالأَمس، مُوجِهَاً كَلامَهُ للقَائِد عَلى الكُرسِي.
.
" عُذرَاً ؟ "
رَجعَ بِكُرسيّهِ الدَوَارِ لِلوَراء، ونَظر بِسُخرِيّة للفَتى وتَكلّم مُجَدّداً.
" تَعرِفُ أَنّك تَطلُبُ الإِعدَام بِنَفسّك ؟ "
.
" لَمْ أَقصِد.. "
لَم يُكمِل الفَتى كَلامَهُ حَتّى، قَاطَعهُ صَاحِب النَدبّه بِصَوتٍ صَارِم، وَتَوجّهَ للبَابِ.
.
" لا بَأسْ، تَعَالَّ مَعِي "
فَتَح البَابَ وأبَتسّمَ وأَشَارَ للفَتّى بِأن يَخرُج، بَقي الفَتى مَكَانّهُ، فَقَد سَئِمَ مِن التنَمُر، سَئِمَ أنّ لا يَكُونَ لَهُ صَوتْ، رَفَعَ رَأَسَهُ عَاليّاً، وَازدَادَتْ نَظرَاتُهُ حِدّه.
.
" لا أَتحَدّثُ مَعْكَ "
بَقي فِي مَكانِهِ، وارتَاحَ فِي وَقفَتِهِ أكَثّر، لَم يَقِف وَقفّةَ جُندِيٍّ مُحتَرَم، وَقف وكَأَنَهُ يَتحَدثُ مَع جُرَذِ مَجَارٍ.
.
" هه مَعْ مَن تَتَحدّثُ إِذَاً ؟ "
تَرَكَ مِقبَض البَابِ ونَظرا لِبعِضِهِمَا بِحدّه.
.
" لا تُسمّي نَفسّكَ قَائِدَاً حَتى، أَنتَ حُثَالة لا غَير"
إبَتسَمَ بِسُخريّة وأَراحَ وَقفَتَهُ أَكثَر.

" لَعيّن ! "
أرَاد أنْ يُسدِدَ لَهُ الضَربَة، حَتى أَوقفَهُ صَوتٌ مِن الوَراء.

" مَالذِي يَحدُث ؟ "
يُمِسِكُ بِمنشَفة، يَبدو أنّهُ خَرج لتوِهِ مِن المَرحاض.

" سَمِعتُ ضَجيجَاً "
وَضع المِنشفّة عَلى الطَاوِلةِ بَعدَ أَنْ تَقدّم بِضعَ خُطُوات، مُشيرَاً الى البَابِ بإصبَعِهِ السَبابّه، يَقصِدُ الآخَر.

" مِن فَضلِكَ "
خَرجَ ما يُسمي نَفسَهُ قَائِداً، وتَبقى مَن كَان اسمَرَ البَشرَةِ وجَلّس عَلى كُرسيّه.

" مَالذِي تَرغَبُ بِه ؟"

_______________

" اللعَنّة غَارَةٌ أُخرى، اختَبِئ ! "
احتَمى صَاحِبُ الشَعرِ الذَهبيِّ بِرفَقةِ صَبيٍّ مَا كَان مَعهْ.
.
يَبدُو أَنَّ بَعْضَ الأُمورِ قَدْ تَغيّرَت، الجُندِيُّ المُخلِص أَصبَحَ مُزارِعاً يَعيشُ عَلى مَحصوُلهِ، رُغم عَدّمِ تَوافُرِ المَاء فِي مُنتَصَفِ تِلكَ الحَربُ الدَاميّة، كَان يُحاوُل جَاهِداً ان تَبقى حَبّاتُ الطَماطِمِ حَمّرَاءَ قَدرَ الإمّكَانِ، وأن يَعتَنِي باليَتيمِ ايضَاً، اصبّحَ شَخصَاً مَسؤولاً اكثر، شَخْصٌ فِي قَلبِهِ الحُب، يَشعُر بِكُلِ مَا حَولهِ، ويَهتّم كَثيراً.

يَبدُو ايَضًا ان شَعرهُ قَد نَمى، رُغُم انّهُ مُتسِخ، يُمكِنُكَ رُؤيةُ بَريق اللونِ الذَهَبي، ذَلِكَ ما يُميزُه.

" مينيرفا، أيُمكِنُ أن نَتنَاوَل اللازَانيا اللَيلّة ؟"
تَحدّثَ ذُو الشَعرِ المُجَعّدِ البُنيّ بِنَظرَةِ الجَرو اللطيِف، مُوجِهَاً حَديثُهُ لصَاحِب الشَعرِ الذَهبي.
.
تنَهّدَ مينيرفا، ونَزلَ الى مُستوى الطِفل ووَضعَ يَدهُ عَلى كَتِفِه مُبتَسِمَاً.
" تَعرِفُ القَواعِد، لِيسَ عَلينّا استِهلاكُ الطَعَامِ، الحَرُبُ لا تَزالُ قَائمّة"
.
" لَكِن.. لا بَأس لَستُ جَائِعَاً "
أَنزَلَ عَينيهِ يُخفي دُموعَهُ، إبتَسمْ بِخفّة.
.
" غَايا عَزيزي، لِنُعِدَّ بَعض اللازَانيا سَويًّا "
لَمْ يَستَطِع الصَغيرُ أَنْ يَبقى هَادئِاً فصَرخَ مُعلِنَاً سَعادَتَهُ بِصَوتٍ عَالٍ، حَملَهُ مينيرفا واعَدّا اشَهى لازانيا كَانا قَد تذَوقَاها.
_________
إنتهى.

‏[ Αθηνά & Άρης ] آثينا و آريز.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن