المَاضِي.

102 9 2
                                    

"لِنبَقى مَعاً"
______
ضَحكّاتٌ تَملَئُ الحَي، تَرى تِلك الارَواحُ السَعيّدَة مِن بُعدِ أمَيالٍ وأَميَال، رُبمَا لانَها قَريّةٌ صَغَيرة، لا أّحد يَكَرهُ احَداً، مُتعاونِينَ كَعَائِلَه، لَا احَد سَيُفَكِر يَومًا بَأن كُلَّ شَيء سَيختَفي، فَرطُ مَرحْ أُستُهلِكَ ودُمِّر.
دُهِمَّتْ تِلكَ القَريّةُ الصَغيرَة، بِأَسلِحَةِ الحَربِ وجُنُودِهَا، والقَتّلُ سَريع لا يَترُكُ احَداً خَلفّه.
.
" زِيوّس ! زِيوّس ! "
صَرخَتْ هِيرَا بَحثّاً عَن زِيوس زَوجِهَا.
.
" خَبئِيه، لَن يَنجُو احَدٌ مِنّا سِوَاه ! لَن يَكفينّا مَخَزَنُ الطَعام "
دَخَل زِيوس المَنزِلَ وهُو يَصرُخُ تِلّكَ الكَلِمَات.
.
" أَستطيعُ الاختَباء انَا ايضَاً ! زِيوس انَا حَامِل، سَألِدُ قَريبَاً لا أُريدُ لِطفَلّيَّ المَوت ! "
أَمسكَت بِقَميصِهِ وهِي تَبكِي بِشدّة.
.
" سَألهِيهُم، خُذيه للدَاخِلِ واختَبُئُوا اتَوسَّلُ إليكِ ! أُحِبُكِ "
أَمسَكَ بِوَجنتيهَا، قَبَّلَهَا للمَرّةِ الأَخيرَة، وَخرَج بِإرَادَتِهِ للمَوت، ركَضّت هِيرا تَبحَثُ عَن إبنهَا ذَا الأَربَعِ أَعَوام، حَملتّهُ وخَبئَتْهُ فِي مَخزَنِ الطعَام واخَتبئَت مَعه.
.
" إينياليوس ،لا تُصدِر أَيَّ صَوت ! "
تَكلمّتْ وهِي تُجَهِّزُ لَهُ مَكانَاً واخَتبئَت.
.
وَبَعدَ سَاعَات، عِندمَا هَدأتِ الضَوضَاءِ خَارِجَاً، كَانت هِيرَا قَد نَامَت سَهواً، وإينياليوس  قَد شَعَرَ بالمَلّلِ فِي مَكانِهِ، تَحرّك ونَفضَ الغُبَارَ عَن مَلابِسِهِ، ووَقف أَمام البَابِ يَرى وَالدِتَهُ فِي نَومٍ عَميق.
.
" سَأرَى إِنّ كَان الجَميعُ بِخير، حَسنًا ؟ سَأعُود "
تَكلّمَ بِصَوتِهُ الطُفولّيِّ النَاعِمِ، مُبتسِمًا، بِنَبرَةٍ يُطمئِنُ مَن كَان نَائِمًا ارّضًا، خَرجَ بُخطواتٍ ثَقيلَة حَرِصٌ عَلى ألّا يُصدِرَ صَوتًا، خَرج مِن المَدخَلِ، ذُو البابِ المُحَطّم، ورَأى مَالا يُسِّرُ الأعيّن، سِوَى عَينَاه، بَدآ لَهُ مَشهَداً مُحبّبّاً، فَأنطَلَقَ لِجثّةِ والِدِهِ، ولَمسَ احَشائَهُ بيَده، تَلطخّت مَلابِسُهُ رُغم حُبِه الشَديد للنَظَافّة، أَصابَهُ الفُضُول الشَديد، فَلعَقَ إصبَعَهُ، فُضُولُ طَعمِ دَمٍ بَشري.
.
.
تِلكَ الطِفَلة قٍد وُلِدت بالفَعل مَرّت سَنتيّنِ عَلى تِلّكَ الحَادِثَة، الحَادِثَةِ التِي جَعلت الصَغيرّةَ يَتيمّة الأَب، سُميّت إِيريس، وهِي تَحمِلُ لَون عَينيَّ والدِهَا، فَاتِنّة جِدًا.
.
" إينياليوس، إِعتٍنِي بِأُختِك، سَأُحضِر لَنا الطَعَام، سَأعُود، إيّاكَ ان تَبرحَ مَكَانَك ! "
تَكلمّت هِيرَا وهِي تُمَرِرُ لَهُ الطِفلّة.
.
" أٍعِدُكِ أُمّي "
كَان مَشغولاً بِدُمَاه، لِكِنّهُ تَرَكهَا فَور وصُولِ الطِفلَةِ لِحُضنِهِ.
.
إبتَسَمّت، وَذَهبت بَعيدا حَتى اخَتفى أَثرُهُا، للأَبَد.
كَان عَلى إِينياليوس ان يَكون رَجُلا في طُفولَتِه، وأَنْ يكَون مَسؤولاً دَومَا وابَدًا عَن إِيريس أُختِهِ، كَان عَليهِ أن يُوفي بُوعدِه، الذِي قَطعٍهُ سَهواً، ونَدَمَ فِعلاً.

_____________
إنتهى.

‏[ Αθηνά & Άρης ] آثينا و آريز.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن