عند العاشره ذهبت الكونتيسة الى النوم . ولم تكن لورا تشعر بالنعاس ,فخرجت الى الحديقة وفكت ازرار معطفها الاعلى وأخذت تتمشى . كانت قد استكشفت جزءاً كبير من الاملاك خلال نزهاتها مع ابن اختها في الحدائق . ولكنها بسبب دفعها لعربة الطفل دائماً لم تكن تنظر كثيراً حولها. وهي الآن حرة .
وبعد قليل لم يعد القصر يبدو لها , ولم تلاحظ كذلك أي ممر مألوف مما كانت تستعمله. وتوقفت محاولة استعادة حواسها . وفي مكان ما على الشجر سمعت صوت عصفور, صوت غريب جداً بدا وكأنه صوت انسان .وعلى الفور تقريباً قفز أمامها احد الاغصان, فاستدارات, وشعرت بقلبها يخفق وهي تحدق في الظلام لترى من يتقدم نحوها.
ولكن ليس من أحد هناك. وعاد صوت العصفور ثانية, ثم سمعت صوت قفز احد الاغصان ثانية, هل هو سبب تحرك العصفور, ام انه اشارة من رجل؟
وقالت لنفسها بصوت مرتفع "لاتكوني سخيفة" آملة ان يطمئنها سماع صوتها , ولكنها لم تسمع سوى الصدى في الظلام وجعلها هذا أكثر إدراكاً لعزلتها بين الاشجار من الممكن أن تُهاجم بينها دون ان يراها أو يسمعها احد.
وتراجعت بخطواتها بسرعة , ولكن بدلاً من ان تصل مكان مكشوف وجدت نفسها في جزء كثيف أكثر من الغابة. الاشجار هناك طويلة , اطرافها العالية ملتصقة ببعضها بحيث أنها لم تستطع رؤية السماء من فوقها . واقشعر جلدها, وتصاعد الخوف في نفسها. وصاح عصفور آخر. ووقعت بعض الاوراق الجافة على الارض , وسمعت نقيق بومة, كان قريباً جداً من أذنها
حتى اوشكت ان تسقط خوفاً, ولكن هذا لم يكن شيئاً امام الرعب الذي لفها عندما شاهدت شبحاً قاتماً يتحرك من وراء شجرة ليتقدم نحوها, فصاحت بصوت مبحوح:
-من هناك؟
كان ما تعلمته من ايطالية نسيته لحظتها تماماً, حتى انها بالكاد استطاعت التفكير بالانكليزية.
ارادت ان تركض, ولكنها تسمرت حيث هي . مثلها مثل الاشجار من حولها.
فقالت بصوت مهتز:
- اذا اقتربت مني أكثر... سا .... سأطلق عليك النار !
- بماذا؟ بشرارة من عينيك كما اعتقد؟
كان هذا صوت روبرتو , يأتي من الظلام, وبشهقة ارتعاب, رمت نفسها بين ذراعيه. واجفل عندما احس بجسدها يتلامس مع جسده, ثم مد ذراعيه وامسك بخصرها.
وقال:
- كنت مذعورة حقاً؟
كان في صوته رنو ضحك, ولكن كان فيه الاهتمام ايضاً, فقالت وهي لا تزال ترتجف, وتكوّر نفسها بين ذراعيه:
- كان هذا سخفاً مني !
- سخافة ان تأتي الى هنا لوحدك ... ولكنني اؤكد لك انك سالمة هنا .فالاراضي هنا محروسة جيداً
- صحيح؟... ولكنني لم ارى احداً.
- لقد مرت عدة اضواء إنذار ضمن نظام الامن الالكتروني....
وهزها قليلاً:
- كيف تظنين انني وجدتك؟
وقطبت جبينها وابتعدت عنه ونظرت حولها.
- وهل حراسك متنكرين على شكل شجيرات؟
وضحك وقال:
- لا.... ولكنها فكرة جيدة.
وانحنى قليلاً ليزيح احدى الشجيرات.
- هناك واحد من الاضواء السرية , لايمكن للعين البشرية رؤيتها.عندما يشير أي انسان من خلالها يظهر هذا على لوحة الانذار.
- اتمنى ان لايكون هناك ارانب كبيرة في الجوار.
- لا يوجد سوى من له آذان طويلة, ولكنها تنفع لابقاء الحارس متيقظاً!
وابتعد عنها قليلاً وقال بهدوء:
- لا بد انك سافرت كثيراً في العالم ... ومع ذلك فلا زلت رقيقة قابلة للانكسار.
- بالتأكيد انا لست هكذا عندما اكون مرتدية الجينز! فعندما اتيت لرؤيتي في ذلك المعرض هاجمتني وكأنني من الوزن الثقيل.
- السبب كان روحك المتحدية.. تجعل المرء ينسى حجمك.
وفي الظلام سمعت صوت ثقاب, وتوهجت الشعلة ثم انطفأت بالتدريج رائحة سيكار"هافانا".
وقال لها:
-أخي اشار مرة الى ان روحك مرحة, وليست متحدية.
- اخوك كان له عدة تسميات لي.
- اعلم....... الفتاة الذهبية واحد منها . اتساءل ماذا كان سيدعوك الآن؟
- زنجبيل ربما؟
-ابداً.... هذا يشبه لون سكان البور غاندي في فرنسا, كان بإمكان هوميروس ان يصفك بشكل ادق.ولكن هذا ترك لي.....لا استطيع تصورك شقراء, فهذا يخالف شخصيتك تماماً.
- لقد كنت ناجحة كشقراء.
-اعلم... ومختلفة الطباع ايضاً, عما انت عليه الآن.
- احاول ان اتناسب مع ما يحيط بي .
- لقد نجحت بهذا ابعد مما كنت اتوقع. لقد قالت لي امي الليلة انها تشعر بانها لم تكن اسعد حالاً ابداً منذ وصلتي. وهذا الكلام يصدر عن امرأه كانت عدوتك اللدودة مرة, هو انجاز رائع.
- انا سعيدة لأن والدتك تحبني , فقد احببتها كثيراً.
- وانا ؟ الم تحبني بعد؟
ودهشت للسؤال, وقررت انه يحاول مضايقتها:
-لا اعرفك جيداً بعد حتى احبك, في بعض الاحيان كرهتك!
- الكراهية قريبة من الحب.
- إذا ربما انا متعلقة بك!
وضحك وقال:
- عرفت انك لن تخيبي ظني.
- الجو جميل.
- وكذلك انت. انت تختارين ملابسك بشكل رائع يا لورا يجب ان تحتفظي بلبس البنطلون للشاطئ فقط الفساتين اجمل عليك.
- انا ارتدي ما أجده مريحاً , واذا استمريت بإطرائي ستجعلني اشعر بعدم الراحة.
- الست معتادة على الاطراء؟
وعضت شفتها, هذا سؤال مشحون بالمعاني, واذا لم تكن حذرة فستفضح امرها. كم سيكون مذهولاً لو اخبرته انها قد فعلت المستحيل لتتأكد من عدم تلقيها اطراءاً, وكم كانت مصممة على ان تعامل كمصورة ناجحة بدل معاملتها كفتاة جميلة.
- أنت تأخذين وقتاً طويلاً للاجابة عليّ يا لورا.
- بالطبع انا معتادة على الاطراء, ولكني لست معتادة على تلقيها من رجل مثلك!
- وهل اعتبر هذا اطراء لي.
- كم انت مغرور بنفسك!
- هذا لانني اعرف قيمتي؟
-تقديرك لتفسك قد لا يكون كتقدير الآخرين لك.
-وكيف تقدريني؟
-لقد اخبرتك, انا لا اعرفك بما فيه الكفاية لأكوّن رأياً عنك.
ولم تكن ترغب في متابعة الحديث, فاستدارت نحو القصر وبدأت تسير
فقال :
- الوقت متأخر للذهاب الى روما.
والتفتت لتواجهه , ولم ترى سوى الاحمرار المنبعث من السيكار.
- انت تسيرين نحو البوابة الرئيسية والقصر في الاتجاه الآخر.
واستدارت بسرعة, ففقدت توازنها وكادت ان تقع لو لم يسرع للامساك بها.
فقالت:
-شكراً لك على انقاذي من السقوط.
ولكن عندما حاولت تركه ومتابعة السير , اشتدت قبضته عليها.
وقال بغضب:
- ومن سينقذني؟
ودون ان تتوقع جذبها وعانقها بشدة. قبضته كانت قاسية ولكن شدّه على جسدها كان ناعماً ورقيقاً ولم يكون هذا التصرف تتوقعه منه مما اصابها بالدهشة.وحاولت تخليص نفسها من,ولكنه لم يتركها فارتعشت وهي تحس بحرارة انفاسه ودون ان تعلم ماذا تفعل استسلمت الى عناقه, وشعرت بأنها صغيرة ودون دفاع بين يديه, وعلمت كم من السهولة عليه ان يسحقها . قلبه كان يخفق بقوة, وكانت قريبة من صدره بحيث انها احست ان قلبه انما يخفق بداخلها . ولكن مجرد الشعور بأنها تدّعي بأنها ماري, جعلها تتوقف عن الانجذاب اليه, لقد كانت تتوق اليه ولكن كـ لورا وليس كـ ماري ليس كفتاة لم يعد لها وجود.
وهمست له:
- روبرتو انا لس...
- هس.... لا اريد ان اتكلم عن الماضي.. لقد انتهى.. انت هنا الآن , وسنفكر فقط بالمستقبل.
ومد يده الى شعرها يتخلله وقال:
- اشعر وكأنه نار على يدي , ومثل النار انت تحرقين قلبي.
- ولكن يجب ان اتحدث اليك, اريدك ان تعرف...
- لا يا لورا, لا اريد تفسيرات هذه الليلة.
وابتعد عنها ولكنه ابقى يدها بيده.
-لندخل الى المنزل.... الهواء رطب ولا اريدك ان تصابي بالبرد...
لم يكن قد أظهر الاهتمام بها من قبل وارتجفت من السعادة.
- احب كثيراً ان تعتني بي يا روبرتو.
- فقد قلت لك انني دائماً اعتني بافراد عائلتي.
- اهكذا تراني؟
وبدأ بالسير معها, خطواته واثقة, وكأنه قط يرى الظلام. ولم يرد على سؤالها, ولكن بقيت يده ممسكة بيدها, دافئة وقوية. وبعد قليل ظهر القصر امامهما, الاضواء المنبعثة من النوافذ تضئ الظلام في الخارج.
ووقف حارس مسلح عند الباب الامامي , ورأت واحداً آخر عند البوابة التي لم تقفلها عندما خرجت, لا بد ان غيابها لوحظ منذ ان خرجت, وشعرت بالاحراج بأنها كانت مراقبة بعيون غير مرئية. ترى الى أي مدى تستطيع هذه العيون ان ترى؟ كم تستطيع ان تخمن الحقيقة؟ انها حقيقة يجب ان تقولها لروبرتو قبل ان يكتشفها. ولكنه جعل الامر واضحاً بأنه لا يرغب في حوار جدي هذه الليلة.
وقالت وهي تشد اكثر على يده:
-ارجوك دعني اتحدث اليك في وقت قريب.
فرد همساً:
- غداً يوم آخر وسيكون امامنا الكثير من الوقت للكلام ....