كان روبرتو صادقاً بكلمته , فقد ابتعد عن طريقها , وخلال اسبوعين لم يلتقيا سوى عند العشاء وهذا ايضاًً لم يكن باستمرار . لانه ادّعى الانشغال عدة مرات, ولم يتعشى في المنزل . وعلقت الكونتيسة على غيابه , اذ يبدو انه حتى عندما يكون لديه عشاء عمل , كان يدعو ضيوفه الى منزله.
وقالت للورا بعد ظهر احد الايام وهما تغادران غرفة الطعام:
- لم يكن يتغيب هكذا ابداً من قبل , ولم يكن بهذه الطباع السيئة.
- الرجال من ذوي الطاقة والذكاء عادة متقلبوا الطباع.
- هناك فرق بين حدة الطباع وسوء الطباع . روبرتو لا يتحمل الاغبياء ابداً. ولكنه يتحملني
والآن حتى انا . هذا مستحيل.
ودخلتا غرفة الجلوس واخذت الكونتيسة مجلسها المفضل. كانت تعمل في التطريز, وكانت الابرة تلمع وهي تدخل القماش وتخرج منه.
ثم تابعت حديثها:
- لقد تغيرت انت ايضاً في الاسابيع الاخيرة , انت نحيلة ويبدو عليك التعب. ولا تقضين الكثير من الوقت في المنزل- ربما لانه ليس منزلي.
- لقد تأملت لاعتبار القصر منزلك.
- لن استطيع هذا فأنا غريبة هنا , وانا باقية فقط بسبب...
- بسبب خوفك ان يأخذ روبرتو منك جوليو اذا لم تفعلي !...
هذه اول اشارة تصدر عن الكونتيسة بأنها تعرف تهديدات ابنها لها. واحبت لورا ان تعرف ما اذا كانت المرأة تشاركة بالامر منذ البداية . معرفتها بهذا قد يكون سبباً لتصرفها القاسي ولتغيير العطف الذي شعرت به نحوها.
- أعتقد انك موافقة معه؟
- لقد وافقت معه الى ان عرفتك... ولكنني لن اوافق على هذا العمل بعد الآن.
- ولكن روبرتو موافق.
- اخشى هذا. منذ ان اتيت لتسكني معنا . تصرفاته معك اصبحت قاسية ولم تتغيرولست ادري السبب.
هاهنا فرصة ذهبية امام لورا لتقول لها بعضاً من الحقيقة !
- انه يعارض خروجي مع بيدرو بالليل . يشعر ان عليّ البقاء في حداد. ولكنني لا استطيع ان استمر في الحزن لما تبقى من حياتي.
- من غير الطبيعي ان تفعلي هذا . روبرتو لا يستطيع ادراك ان الحياة تستمر . الانسان لا ينسى الاموات, ولكنه لا يستطيع ان يعيش لهم. والدين لا يطلب بأن ترمي الارملة نفسها في قبر زوجها . امامك حياتك يا لورا . وارجو يوماً ان تتزوجي وتنجبي المزيد من الاولاد الرائعين. رغم اسفي انهم لم يكونوا اولاد جوليانو.
وتهدج صوتها من الانفعال , واقتربت لورا من الكونتيسة وركعت امامها , ووضعت يدها الدافئة فوق المسنة المرتجفة.
- ماكان يجب ان اقول ما قلته, جوليانو ولدك وستحزنين عليه الى الابد. ولكنني... اوه ياكونتيسة !...
وبعاصفة من البكاء وضعت لورا رأسها في حجر الامرأة.
منذ مدة طويلة لم تبكي امام احد. ولكن سيطرتها على نفسها خانتها وانفجر الحزن واخيراً توقف البكاء, ومع انها بقيت مرتجفة وضعيفة الا انها لم تشعر بالخجل لان دموع الكونتيسه اختلطت بدموعها . والحزن الذي تشاركتا به جعلهما قريبتان من بعضهما بطريقة ستبقى معهما مهما ابتعدت بهما الطرق ومهما فرقتهما في المستقبل.
وقالت الكونتيسة:
- اذا كنت ستكونين سعيدة اكثر بالعيش مع جوليو في منزل لوحدكما. فسأكلم روبرتو بالامر.
- لن يوافق ابداً.. واذا تكلمت معه سيكرهني اكثر لاننى كدّرتك
- لا اعتقد ان روبرتو يكرهك يا طفلتي. انه يحارب نوعاً مختلف من المشاعر.
واشاحت لورا بوجهها . فقد كانت تعرف ان الكونتيسة تعني الحب . كل الجرأة التي كانت لديها لاخباره حقيقة هويتها ماتت تلك الليلة منذ اسبوعين عندما قال انها حتى ولو كانت ماري فأنه سيحتقرها ايضاً. خلفياته وتقاليده ستقوده للايمان بأن ما وسم على العظام سيخرج الى اللحم.
قد يعتبر نفسه مختلفاً عن اخيه , ولكنه يؤمن انهما من نفس الطينة والشعور، لو كانت شقيقه عادية لماري لكان امامهما فرصة ان تجعل روبرتو ينظر اليها كشخص له حقوقه الخاصه. ولكن لانها توأم لها فسوف يؤمن على الدوام انها في داخلها تشابه
فكرة العيش في القصر كل حياتها كان اكثر مما تتحمل التفكير به , وعلى الرغم من حبها العميق لابن اختها, فهي تعرف انها في النهاية يجب ان تغادر, ولو عنى الامر ان تتركه هناك.
وذّكرتها دقات الساعة الكبيرة ان امامها موعداً في الطرف الآخر من روما لتصوير طفلين توأمين للكونيل في سلاح الجو الامريكي , الذي ت زوجته عبر السيدة ويليامز, هذه المرأة الرائعة التي لولاها لوجدت لورا الاسابيع الاخيرة مستحيلة الاحتمال . ولم تكن تصدق
انها تستطيع تصوير هذا العدد من الاطفال في مثل هذه المدة القصيره, وما بين الثانية والنصف والسادسة والنصف من كل بعد ظهر كانت مشغولة على الدوام.