استفاقت لورا عند الفجر. وشعرت بالسرور للحياة الفاخرة التي تحياها عندما جلبت لها كبسة جرس الخادمة , ومعها كوب ملئ بشراب الشوكولا الساخنة , وقطعة " كرواسان" لا تزال ساخنة ايضاََ.
لم تعد بحاجة لأن تصحو في شقة باردة , أو تدخل الى المطبخ البارد لتحضر التوست والقهوة.واخذت ترتشف الشوكولا.... وتفكر بحقيقة مشاعرها نحو روبرتو. واعترفت على مضض بأنها وقعت في حبه.
الرغبة في إخباره حقيقة هويتها, والتي كانت قوية الليلة الماضية, تلاشت الآن بسبب تخوفها من ردة فعله. لو تستطيع التأكد فقط من انه يفهم لماذا تظاهرت بانها شقيقتها, ولكنها لم تكن متأكدة ابداً.
انه رجل ساخر ومتشكك حتى انه سيعتقد سريعاً بأنها ادّعت بأنها شقيقتها لتؤّمن لنفسها حياة فاخرة. وقد ينظر الى ترددها في المجيء الى هنا وكأنه تمثيلية قامت بها لخداعه . وكيف سيصدق بأنها فعلت هذا بدافع حبها لابن اختها , وتصميمها على عدم الافتراق عنه؟
ولكن روبرتو يحب الطفل ايضاً , وهذا بالطبع سيساعده على تفهم دوافعها؟
بعد ان استحمت , وغيّرت ملابسها, توجهت الى جناح الطفل . وهي تلعب معه,كانت ترهف السمع لتسمع صوت روبرتو . واخيراً لم تعد تطيق البقاء هناك, ونزلت الى الطابق الارضي , آملة أن تعلم اين هو . والتقت بالخادم آتياً ليخبرها بأن عدة صناديق قد وصلت لها.
فقالت له:
- انها غرفة التظهير .. ضعّها في الغرفة التي اريتني اياها. سأصعد الى هناك حالما انهي
درسي مع البروفسور... هل الكونت ماسيني في القصر هذا الصباح؟
- اجل سنيورا انه مشغول مع سكرتيره.
وهزت لورا رأسها , وتوجهت الى درس الأستاذ , وبذلت جهدها لتركز على درس القواعد بينما فكيرها كله مع روبرتو , مع وصول التصوير. كان الامر وكأن نصفين منفصلين من حياتهاسيعودان الى الاجتماع . واعطاها هذا الشعور مزيداً من الثقة . انها لورا ستيورات . وليست ماري ومن السخف ان تكون خائفة من اخبار روبرتو بالحقيقة.
بعدما ذهب الاستاذ , خرجت لتفتش عن الخادم , لتجد انه والكهربائي قد وضعا ها في الغرفة المظلمة الجديدة.
وقال الكهربائي:
- كل شيء سيكون جاهزاً بعد الظهر.
وتركتهما وهي سعيدة, ونزلت الى غرفة الجلوس , لتجد رزمة كبيرة موضوعة على الطاولة
ولاحظت خط ليندا عليها. لا بد انها شُحنت مع المعدات . وفتحتها لترى انها مجلات قديمة. وتمنت من كل قلبها لو ان ليندا لم ترسلها . كانت مجلات جمعتها ماري طوال سنين وكلٌ منها تظهر , مهمة مختلفة نفذتها عبر العالم. وجاءها صوت روبرتو:
- ماذا تنظرين. بهذه الدقة؟
ورمت المجلة من يدها وهي تستدير لتحييه . وبدا لها بأنه ليس متأكداً من مشاعرها كما هي
غير متأكدة من مشاعره, وابتسمت له ابتسامة واثقة:
- لم اكن اعلم انك ستتغدى في المنزل.
- لقد كنت مصمماً على الغداء هنا اليوم , اليست امي هنا؟
- لقد ارسلت تقول انها يمكن ان تتأخر.
- هذا يعني ان لدينا وقتاً للتحدث . ولكن لنرتاح قبلاً. لقد أمضيت الصباح بعمل مضني.
- يبدو عليك التعب.
- في الحقيقة انا اعاني من التعب . ولكنني في الاسابيع الاخيرة كان امامي الكثير مما يشغل فكري.
لهجته أشارت انه لم يكون يقصد المصانع التي يديرها, فخفضّت عينيها بقلق. وسار نحو طاولة
الشراب, فتذكرت على الفور ان المجلات هناك, فرفعت رأسها بحدة ولكن بعد فوات الأوان
فقد التقط احداها, وكانت صورة ماري على الغلاف الخارجي وانتظرت ان يتكلم وهي تشعر بالتوتر.
- من أين اتت هذه؟
- لقد ارسلتها صديقتي التي كنت اشاركها الشقة, لقد وصلت اليوم.
- انك تبدين غريبة بهذه الاوضاع .
- لاتزعج نفسك في التفرج عليها ،انها قديمة.
- ولكنك لست قديمة....
وتمنت لورا بقلق ان لا يلاحظ ان اختها اطول قامه منها, ولكن كلماته التي تلت بددت املها:
- انت تبدين طويلة هنا.
فأجابته:
- الرجل الذي الى جانبي كان قصيراًَ.
وحدّق روبرتو بالصورة مجدداً:
- لا بد انه متوسط القامة لا عيناك عند مستوى عيناه.
- لست ادري لماذا تظن ان من يعمل مودلاً يجب ان يكون طويلاً. انه كمن يظن ان مغنيات اولاوبرا يجب ان يكون عندهن صدر عريض !
فضحك , وارتاحت كثيراً عندما أسقط المجلة من يده ولكن الارتياح تلاشى عندما التقط اخرى واخذ يقلب صفحاتها. التغيير الفوري في تعبيرات وجهه جعلها تتساءل ماذا رأى يا ترى . اهي صورة لها مع ماري؟ وكأنما ازعجه ما رأى فرمى المجلة من يده. وحدّقت بها من بعيد . لتجد انها مليئة بصور ماري تعرض ملابس داخلية. كانت المرة الوحيدة التي عرضت فيها مثل هذه المنتوجات.
وقال روبرتو:
- هل كنت تقومين بمثل هذه الاشياء دوماً؟
- اية.. اية ... أشياء؟
- لا تقولي انك لا تتذكرين !
ورمى بالمجلة لها فالتقطتها . كانت تعرف ان ما اثار روبرتو هو الغيرة . ونظرت الى الصورة لتجد ماري ممددة على فراش مغطى بالمخمل الاسود و وقد كشفت الملابس الداخلية اكثر مما سترت, واحمّر وجه لورا وقلبت صفحة اخرى لتكشف عن وضع اكثر اثارة, فأدارت وجهها واغلقت المجلة ووضعتها على الطاولة بقربها.
- انها جزء من عملي... لا يمكن ان افكر بها اكثر من هذا.
- وهل قمت بتمثيل لها؟
- انها المرة الوحيدة.
- وما الذي جعلك تفعلين هذا؟
- لقد دفعوا لي مبلغاً ضخماً.
- ولماذا لم تفعلي غيرها؟
وبللت شفتيها, أسئلته أصبحت محرجة جداً, لا تستطيع الاجابة عليها دون فضح نفسها, ولكن ان تقول الحقيقة له في هذه اللحظات ليس بالأمر الحكيم , لأنه كان بادي الغضب , ولن يستمع اليها.
وقال مكرراً سؤاله:
- لماذا لم تفعلي غيرها؟
- لأنني .... لأنني غير مسرورة من هذه.... لم أكن أدرك انها ستكون هكذا....
- وكيف توقعتي ان يكون التعري اذاً؟ والالبسة الداخلية ملتصقة بك هكذا؟
- ليس هذا مهماً, لقد كانت عملية واحده يا روبرتو, ولم اكررها ابداً.
- ما يثير اشمئزازي أنك فعلتي هذا اصلاً ! هل كنت بحاجة الى المال كثيراً؟
- كنت بحاجة دائمة لمزيد من المال... ولم اكن اعلم انها ستكون فاضحة.
وسار بغضب الى حيث وضعت المجلة, واخذ يتفحص الصور, وينظر اليها وكأنه يقارنها بها.
وقال بخشونة:
- لم تترك هذه الصور شيئاً للخيال. على الأقل اذا نظر الرجل اليها سيعرف ماذا سيشتري !
- لا تتكلم هكذا ! هذه قساوة وغباء ! الرجال لا يقرأون هذه المجلات على كل الاحوال ...انها للنساء
- ولكن من التقط الصور رجل... ورجال من وكالة الاعلانات وافقوا عليها,ورجال من " اللانجري" حدقوا بها.. يا ألهي ألم يكن لديك أي خجل؟
- لقد كانت مهنتي !
- مهنتك !
وركز على الكلمة حتى بدت مهينة, لا شك في معناها.
- كيف تجروء على نعتي هكذا !
والتقطت المجلة وضربته على وجهه بها, وترك حد المجلة أثراً على خده.
وصرخت ثانية:
- كيف تجروء ان تكلمني بهذه الطريقة؟ الذين يرون بأن هذه الصور سيئة, هم رجال لهم افكار قذره مثلك.! وهل تنظر الى فن " روبن" او "غويا" باحتقار؟
- لا تستطيعين مقارنة الفن الحقيقي بهذه , ولا تستطيعين مقارنة صور "بلاي بوي" بفن " روبن" ! فالرسامون الحقيقيون , الفنانون الأصليون, يرسمون من شعورهم الحقيقي. هذه مجرد صور ية رخيصة مصممة لإثارة المخيلة!.
- وهذا بالضبط ما تفعله معك !
- ولماذا لا؟.. فأنا رجل !
وقبل ان تعرف ماذا سيحدث جذبها بحدة الى ذراعيه, يد تمسك برأسها والاخرى تحيط بها.
لم يكن هناك أي حنان بقبضته فقط تصميم على امتلاكها بالقوة اذا لزم الامر. واحتاج الى
القوة فعلاً, لأنها أخذت تضربه بقبضة يدها, تدير رأسها من جانب الى جانب , في جهد لتجنب النظر الى وجهه. وتصاعد الدم الى رأسها , واخذ قلبها يخفق بصوت مرتفع حتى انه طغى على كل صوت, وشعرت وكأنها ستفقد وعيها من غضبها , عندما دفعها فجأه عنه ,
وانهارت في مقعد وهي ترتجف.
- لمن هن مثلك , فقد قمت بتمثيلية رائعة للبراءة. ولكن يلزمني أكثر من المقاومة كي أخدع.
- لا احد يستطيع خداعك؟ ..وهل تعتقد انك تعرف كل شيء عني؟
- أجل ......اعرف , وما أعرفه لا يعجبني!
وأحست بخطواته الغاضبة تقطع الغرفة, وصفق الباب وراءه, فأنهارت ووضعت رأسها بين يديها.
ودخلت الكونتيسة الغرفة, وأسرعت لورا لإخفاء دموعها ومحاولة لملمة المجلات, ولكنها تأخرت اذ وضعت الكونتيسة يدها على احداها ونظرت ثم رمتها على الطاولة فأسرعت لتضعها مع باقي المجلات على الطاولة.
- هل ترغبين ان تريها جوليو عندما يكبر؟ انا شخصياً افضلك كما انت الآن. فلديك الآن شخصية محددة. يقولون ان الكاميرا لا تكذب, ولكن في حالتك أظن انها تكذب.
- انت متفهمة جداً يا كونتيسة.
- اعتقد ان ابني لم يكن كذلك. لقد التقيته غاضباً في الردهة.
- لم تعجبه الصور , انه لا يفهم أنني عندما كنت موديلاً لم أرى نفسي أكثر من علاّقة للملابس.
- روبرتو ينظر اليك كامرأه شابة وجميلة , ولا يحب ان يفكر بالرجال وهم يشتهونك.
- انك تجعلين الأمر يبدو وكأنه يغار عليّ.
- أظن انه كذلك .... ولكنه لا يدرك. لقد شجعتيه, وسيقع في حبك !
وحاولت لورا ان تفكر بكلمات مناسبة. هل ماتقوله الكونتيسة هو شيء تخاف ان يحصل؟
هل تأمل بوضعه ضمن كلمات تستطيع ان تمنع حدوثه؟ من الصعب تصديق أنها تقول واقعاً,
وسترحب بنتيجته.عندما يظهر.
وأجبرت نفسها ان تنظر الى المرأة مواجهة:
- اعتقد انك اردتِ من روبرتو ان يتزوج اوليفيا؟
- هذا ماتتمناه اوليفيا , واذا لعبت اوراقها جيداً قد يكسب ما يشتهيه قلبها .ولكن هذا لا يعني ان روبرتو لا يشعر بك . لقد استحوذت عليه بطريقة لم تفعلها امرأة من قبل.
- ولكنه يحتقرني . لقد أخذ عني فكرة, ولا شيء اقوله او افعله يمكن ان يغير هذه الفكرة.
- اتركي هذا للزمن.
وصمتت لورا, وهي تعلم ان الزمن انما يعمل لصالح اوليفيا.
- انك تتكلمين وكأنك لا تمانعين اذا.... لو انني وروبرتوو....
وتوقفت عن الكلام , وتذكرت ماري التي مًُنعت من القدوم الى القصر, مع ان ابنها الآن يعتبر
احد الورثة.
- كان من الأفضل لو اظهرتم تفهماً اكثر عندما اراد جوليانو ان يأتي بي الى هنا.
- القليل من البشر يُعطى فرصة لإصلاح اخطاءه. ولكنني اُعطيت هذه الفرصة , بإمكانك تسمية هذا إراحة لضميري, اذا شئت.
- لن تجدي روبرتو متساهلاً هكذا. فهو يكرهني.
- هكذا قلت منذ لحظات. ولكن الكراهية تشير الى شعور ما, وعندما تكون مثل هذة المشاعر موجودة بين رجل وامرأه فقد تقود الى العديد من الأشياء.. لو كنت مكانك....
وتوقفت عن الكلام عندما دخل الخادم ليقول ان الغداء جاهز.وسرّت لورا لتجنب المزيد من الحديث , لأنه لو استمر لوجدت صعوبة في اخفاء حبها لروبرتو. لم تكن تعرف إذا كان سيتناول الطعام معهما.
ولكنها شعرت بالغبطة والاضطراب معاً عندما رأته في غرفة الطعام. وهذا يعني أن رأيها به صحيح, فمهما كان الانفعال الذي سببته له, فلن يدع قلبه يتحكم بعقله.
ومنعها الأدب ان تغادر الطاولة الى ان ذهبت الكونتيسة الى غرفتها , ثم ذهبت الى جناح الطفل لتراه وأشارت روزا الى دمية دب الباندا من الحجم الكبير من زاوية الغرفة:
- انها هدية من الكونت.
وظنت انها لعبة قد تساعد الطفل على الوقوف , فذهبت لتتفحصها فوجدت انها دمية عادية.
وقالت روزا:
- الكونت قال لي ان الاطفال يحبون ان يعانقوا لعبة في الفراش معهم !
- هذه لعبة لطفل عملاق !
- انها هدية من القلب.
كلماتها هذه جلبت الدموع لعيني لورا. فروبرتو يحب الطفل حقاً . ومن الحماقة انكار هذا. وليس الكبرياء وحده الذي يدفعه للاحتفاظ بالطفل. وفُُتح الباب ودخل الكونت. وكانت مسرورة لانها كانت تحمل الطفل, واستدارات لتواجهه مستغربة اختياره لهذه اللحظات لدخول جناح الطفل في وقت يعلم بأنها تكون هناك.
وأدرك ان وجوده لم يكن متوقعاً فقال:
-لقد سمعت صوت الصبي , ودخلت لأراه. ألا تخرجين معه عادة بعد الظهر؟
- لقد كان عنده حرارة خفيفة اليوم.
ونظر روبرتو الى روزا وتكلم بالايطالية , وأجابت لورا فوراً قبل إن تجيب روزا:
- لا لزوم لدعوة الطبيب. انه رشح عادي. لقد أُصيب به من قبل وسيكون على مام غداً.
- ولكن لو استمرت الحرارة.....
- أرجوك لا تثير مشكلة.
- ولماذا لا أثيرها؟ انا عم الطفل.
-وأنا امه.. دعوة الدكتور كلما عطس ستحوله الى مريض بالوهم.
- في سن الثامنية اشهر لن يعرف حتى انه طبيب.
- الأطفال يتصرفون على اساس المشاعر والجو.
وكانما ليثبت وجهة نظرها اخذ جوليو بالتململ بين ذراعيها واصبح على وشك البكاء.
فقالت له:
- ما رأيك بالركوب على الباندا؟
وحملته, وبدأت تهزه صعوداً ونزولاً. وتقدّم روبرتو من خلفها قائلاً:
- انه ثقيل عليك هكذا.
ووضع يده قرب يديها وامسك بالطفل من وسطه, وتراجعت لورا على الفور
وقالت بجفاء:
- اذا كنت ستبقى لتلاعبه, فسأعود فيما بعد .
- ارغب في التحدث معك يا لورا.
- لقد قلت مافيه الكفاية.
- لا .... انا .... ارجوك.... لن نستطيع الكلام هنا, سأذهب الى غرفة جلوسك.
واسرعت بالخروج, متخوفة مما يريد ان يقوله. هل سيطردها من القصر؟ لو كانت تعرف ماهو موقفها القانوني , وما اذا كانت بوصفها خالة جوليو , لها نفس الحقوق عليه مثل روبرتو.
وقرع الباب ودخل, وشعرت بقلبها ينخلع من مكانه . وقال على الفور:
- ارغب اولاً ان اعتذر لأنني فقدت اعصابي معك... لم يكن لدي حق ان اقول ماقلته.
- لقد قلت ماكنت تشعر به !
- وهذا لايجعله حق . تصرفي معك لم يكن له عذر.
- انسى الأمر. لقد نسيته انا . انت رجل عالمي يا روبرتو... ولكن بطريقة ما لا زلت ساذجاً
- الأنني اؤمن ان على المرأه ان تحافظ على احترام نفسها؟
- أنا لم اخسر احترامي لنفسي.. وها انت تعود الى اهاناتك!
- آسف .. لا اعرف ما بي .. لم أتشاجر ابداً مع امرأة من قبل كما فعلت معك .. لا استطيع ان افهم لماذا؟.
- هذا لاننا مختلفان جداً
- ممكن, ولكنه اختلاف يجب ان نحاول نسيانه.
- لن نتمكن من نسيانه ابداً.
- لصالح الصبي يجب عليّ ان انسى. الا اذا كنت راغبة في تركه هنا؟ سأتاأكد من حصولك على كل شيء حتى تستطيعين ان تبدأي حياة جديدة , ولا حاجة لأن تعملي موديلاً بعد الآن. أو حتى تزعجي نفسك بالتصوير.
الفقرة الاخيرة من كلامها ازعجتها اكثر من الاولى ... لا تزعج نفسها بالتصوير , وكأنه شيء تعمله لتمضية الوقت بدل ان يكون موهبة تعمل على تطويرها لتصبح في القمة .
فقالت ببرود شديد:
- لا تستطيع شراء جوليو مني , اذا بقي هو, سأبقى. ولكن من الواضح أنك لا توافق بقائي معكم .لذا من الافضل أن تتركني اعيش بمفردنا, وسأبقى في روما اذا كنت مصراً , واوافق على استبقاء روزا ايضا.
- من الاسهل عليّ السيطرة عليك وانت هنا, فأنت لوحدك فتاة ت مع المحيط. وما هي نوع الحياة التي ستعيشينها لوحدك؟ كأرملة ماسيني الثرية ستكونين هدفاً لكل محتال!
- تتكلم وكأن لا رأي لي في المسأله. أي نوع من الفتيات تظنني؟
- لن نخوض بهذه المسألة !
وارتفعت ذراعها, ولكن نظرته الغاضبه جعلتها تمنع نفسها فأدارت له ظهرها!
- اخرج من هنا يا روبرتو.. لقد أتيت لتعتذر, ولكنك جعلت الامور أسوأ مما كانت.
-أعلم... انت فتاة خبيرة وتضعيني دائماً في موقع المذنب . يجب علينا ان نتعلم السيطرة على انفسنا اكثر.
- انا لم افقد اعصابي ابداً.
- ما عاد الليلة الماضية.
وتوقف تنفسها في حنجرتها , وكانت مسرورة لأنها لم تكن تواجهه.
وقالت:
-هذا مخالف لكل الأعراف الأخلاقية يا روبرتو.
- انا ارفض ان أعتذر لك دوماً!
- في هذه الحالة أقترح ان لا نرى بعضنا قدر المستطاع . وهذا على الاقل سيمنعك من الاعتذار ثانية.
- هل كنت عنيفة هكذا مع اخي؟
- لم أكن بحاجة لهذا . لم يتصرف معي ابداً كما تفعل انت.
ولم يقل اية كلمة, وبعد لحظات سمعت صوت الباب يفتح ثم يغلق. وأخذت الكاميرا والفلاش وذهبت نحو جناح الطفل وأمضت الساعة التالية بالتقاط سلسة من الصور, امام ذهول روزا وسرورها.
- ألا تحبين ان يرتدي ثياباً اخرى؟
- اريده مرتاحاً قدر المستطاع. ستكون الصور رائعة . أنت تبدين وكأنك غير راضية.
- ارجوك سنيورا ... انا راضية
وبينما هي تنظر الى الاعلى , التقطت لها لورا صورة وأنهت الفيلم الثاني. واخذتهما الى الغرفة
المظلمة , وبدأت تظّهرهما, كم سيكون روبرتو مندهشاً لو انه رآها؟ وتركت الافلام في صينية
التظهير, وذهبت الى غرفتها لتغير ملابسها استعداداً للعشاء.
من المدهش ان هذا اليوم الذي بدأ بالتعاسة, ينتهي بالسعادة . لا السعادة ليست الكلمة الصحيحة ،انها الرضى, هذا مناسب اكثر.وأدركت باقتناع ثابت ان الطريقة الوحيدة للبقاء هنا هو الاستمرار في عملها. ولكن هناك حد للاوقات التي تستطيع فيها تصوير ابن اختها. وهذا يعني ان عليها ان تجد مواضيع اخرى للتصوير . ولكن كيف ستجد هذا وهي غريبة في مدينة غريبة؟ وبقي السؤال عالقاً, والرد عندما سيأتي سيكون غير متوقع ومفاجئ.