0

14.7K 404 119
                                    

«البداية».
| السَّماءُ رَماديَّةٌ ومُلَبَّدَةٌ بالغُيومِ |.

**

هَلْ كانَ حِقدًا؟ أَم كُرهًا؟
أَم أنَّهُ شَيءٌ لا يَملِكُ لُغةُ البَشَرِ كَلِماتٍ لِوَصفِه؟
رُبَّما لَمْ يَكُنْ أيٌّ مِنهُما.

رُبَّما كانَ شُعورًا أَكثَرَ عُمقًا،أَشبَهُ بِبُحَيرةٍ ساكنةٍ تَحتَها تَيّاراتٌ عَنيفة. شَيءٌ يَختلِجُ في صَدرِكَ حينَ تَكونُ عَلى حافَّةِ الانهِيار،حِينَ لا تَستَطيعُ التَّمييزَ بَينَ الغَضَبِ والحُزنِ والإرهاق.

في النِّهايَةِ،ما الفَرقُ بَينَ الحِقدِ والكُرهِ عِندَما يَتَسَرَّبانِ إلى عِظامِكَ كَسُمومٍ بَطيئة؟. رُبَّما كانَ السِّرُّ هو أنَّهُما لَمْ يَكونا مُجرَّدَ مَشاعِر... بَلْ كانا جُزءًا مِن ذلِكَ الصَّمتِ الثَّقيلِ الذي استَقَرَّ كَسَحابَةٍ سَوداءَ تَفصِلُ بَينَ جَبَلَين.

لَمْ يَكُنِ الصَّوتُ أوَّلَ ما انكَسَر... بَلِ الثِّقَةُ. 
فِي لَحْظَةٍ عابِرَةٍ،شَيءٌ ما فِي العالَمِ انحَرَفَ عَنْ مَسارِهِ. 
ساعَةٌ وَقَفَتْ،نَظْرَةٌ تَغَيَّرَتْ،بابٌ أُغلِقَ ولَمْ يُفتَحْ بَعدَها أبَدًا. 

النَّاسُ يَتَحَدَّثونَ عَنِ الخِيانَةِ وكَأنَّها فِعلٌ بَسيطٌ... كِذبَةٌ،خَنْجَرٌ،دَمعَةٌ. لَكِنَّهُمْ لا يَفْهَمونَ حَقيقَتَها. 
فَهِيَ لَيسَتْ مُجرَّدَ حَدَثٍ،إنَّها زِلزالٌ صامِتٌ،يَهْدِمُ داخِلَكَ دونَ أنْ يُصدِرَ صَوتًا. 

كانَ يَجِبُ أنْ تَنْتَهِيَ القِصَّةُ هُناكَ. 
أنْ تَموتَ الأَسرارُ معَ مَنْ حَمَلوها. 
لَكِنَّ بَعضَ القِصَصِ لا تَنْتَهِي بالمَوتِ... بَلْ تَبدَأُ مِنهُ. 

وهَذِهِ القِصَّةُ؟ 
لَمْ تَكْتُبْها الأَقْدارُ بَلْ كَتَبَها الحِقْدُ. 
والكُرْهُ... لَمْ يَكُنْ شُعورًا،بَلْ قانونًا. 

**

"مينهو،هَذِهِ آريا!. آريا،ذَلِكَ مينهو." 

صَوتُ المُحامي يَتَدَحْرَجُ في الغُرفةِ يُقَاطِعُ حِدّةُ أفكاري. شَفَتَيهِ المُرتعِشتَينِ تبسمت وهو يُحاوِلُ إضفاءَ بَعضِ الدِّفءِ على المَوقف... لَكِنَّ الدِّفءَ يَحتاجُ إلى أوكسجين،وهُنا لا يوجَدُ إلا ثاني أكسيد الكربون.

نَظَرْتُ إلى الواقِفِ جانِبِي،فَكانَ ساكِنًا جِدًّا يَداهُ في جَيبَيهِ،وعَيناهُ تَحدِّقانِ في لاشَيءٍ مُحدَّد،كَأنَّهُ يَحْمِلُ على أكتافِهِ كُلَّ ما لَمْ يُقَلْ.

نَظَرَ إلَيَّ بِنَظْرَةٍ خالِيَةٍ... لا كُرْهٍ،لا فُضولٍ،فَقَطْ فَراغٌ. ابْتَسَمْتُ في المُقابِلِ بِمُجامَلَةٍ مَشْروخَةٍ،نِصفُها سُخريةٌ مِن هذا المَشهدِ المُهزلي،والنِّصفُ الآخَرُ دِفاعٌ عن نَفسي أمامَ بَردِ نَظراتِه.

كُنتُ مَرهقَةً مِنَ التَّمْثيلِ،لَكِنَّهُ يَبْدو بارِعًا فيهِ واكْتَفَى بإيماءَةٍ... بارِدَةٍ. رَفَعْتُ حاجِبَيَّ بِدَهشَةٍ،فَقَليلٌ مِنَ الأدَبِ لَمْ يَكُنْ سَيُؤذِيهِ. 

على أيّ حال. الجَوُّ كانَ مُتوَتِّرًا،ثَقيلًا،كَما لَوْ أنَّنا نَسْتَنْشِقُ الحَقيقَةَ المُخْتَنِقَةَ خَلْفَ سُتورِ الكَلِماتِ. ثُمَّ خَرَجَ صَوتُنا في آنٍ واحِدٍ،بِنَفْسِ النَّبْرَةِ المُتَذَمِّرَةِ: "ادْخُلْ في اللَّعْنَةِ،سونغمين!". 

هَزَزْتُ رَأْسِي وأنا أُراقِبُ المُحامِيَ المِسْكينَ يُصارِعُ كَلِماتِهِ.  أَرَدْتُ أنْ أَصْرُخَ فيهِ،أُحَرِّضَهُ على الكَلامِ،لَكِنَّهُ سَبَقَني بِنَظْرَةٍ مَنْهَزِمَةٍ وصَوْتٍ مُتَهَدِّجٍ: "لَدَيْكُما... وَصِيَّةُ تَأمينِ حَياةِ هيونجين ويوري."

زَفَرْتُ زَفرةً عَميقةً تَملؤها السُّخريَّة.  
هَذا كُلُّ ما في الأَمر؟. هَذا ما أَخَّرَني لأُسْبوعٍ؟ 
وَصِيَّةٌ؟ تَأمينٌ؟ 
كَأنَّ المالَ قادِرٌ على تَرْميمِ ما تَهَدَّمَ. 

أَنا لا أُبالِي. كُنتُ سَأَتَبَرَّعُ بِكُلِّ ذَلِكَ بِاسْمِ هيونجين. 
رَفَعْتُ شَعْرِيَ الَّذِي بَدَأَ يُضايِقُني— سَأَقْصُهُ قَريبًا. 
لَكِنْ لَحْظَةً... 

مَنْ تَكونُ المَدْعُوَّةُ "يوري"؟ 
هَلْ كانَتْ مَعَهُ... في نَفْسِ الحادِثِ؟ لَمْ أَحْتَجْ أنْ أَسْأَلَ. 

فالكَلِماتُ خَرَجَتْ مِنْ فَمِهِ كَصَفْعَةٍ: "الأَمْرُ أنَّ يوري وهيونجين... كانا سَوِيًَّا."

قَفَزتُ مِن مَقعَدي كَأنَّ جِسمي تَحرَّكَ قَبلَ عَقلي،على وَشْكِ الرَّحيلِ. 

هَذا ضَياعٌ للوَقْتِ! 
هَلْ كانَ عَلَيْهِ أنْ يَسْتَدْعِيَني لِيَقُولَ هَذِهِ القَذاراتِ؟ 
أَلَمْ يَكُنْ بِإمكانِهِ إرسالُ رِسالةٍ نَصيَّةٍ أو بَريدٍ إلكتروني على الأَقَلِّ؟ 

لَكِنَّهُ أَجْهَزَ على الباقِي: "أَعْني ذَلِكَ حَرْفِيًّا!. كانا في عِلاَقَةٍ غَيْرِ شَرعِيَّةٍ... وَوَضَعا تَأمينَ حَياةِ طِفْلِهِما تَحْتَ وَصايَتُكُما." تَسَلَّلَتْ كَلِماتُهُ إِلَيَّ بِبُطْءٍ مُؤذٍ،كَأَنَّ السَّماعَةَ في أُذُني خانَتْ وَظيفَتَها،وَبَدَلَ أَنْ تُعِينَني عَلَى السَّمْعِ،اخْتارَتْ أَنْ تُـمَرِّرَ الألَمَ.

رَفَعْتُ يَدي لا إِرادِيًّا،وَضَغَطْتُ عَلى طَرَفِها بِرِفْقٍ. لَمْ تَكُنْ مُعَطَّلَةً… وَلَكِنِّي أَنا مَنْ لَمْ يَعُدْ يَحْتَمِلُ الاسْتِماعَ.

| THE HATING GAME |.

¡! ❞ "أُبْعِدُكِ عَنِّي،لَكِنْ أَحَدًا لَا يَمْلِكُ الحَقَّ فِي أَخْذِكِ مِنِّي

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

¡! ❞ "أُبْعِدُكِ عَنِّي،لَكِنْ أَحَدًا لَا يَمْلِكُ الحَقَّ فِي أَخْذِكِ مِنِّي. حَتَّى أَنْتِ."

لُعبةَ الكَراهِيَّة || THE HATING GAME حيث تعيش القصص. اكتشف الآن