هدوء يعم المكان، ذلك المكان الذي شهد اروع اللقاءات، تلك التي تكون مفعمة بالشوق و اللهفة، تلك التي نتسلل اليها مختلسين لحظات نختلي فيها ببعضنا البعض، تلك التي نبذل من اجلها الكثير في سبيل بعض النظرات المرحة و بعض الاحاديث التي لم تكن يوما مهمة، بل فقط لكسر ذلك الحاجز الذي يفصلنا، كانت قد اتخذت مكانها على ذلك الشاطئ، تنتظره بفارغ من الصبر، حماس يتملكها و يكاد يخنقها، لا يجب عليها ان تتحمس و ما كان يجب أن تقبل المجىء، ها هي ذي تراه آت من بعيد، تشعر بقربه، تحس ان القلوب تتعانق كلما خطى نحوها، كلما اقترب منها، لكنه لم يكن ذلك الذي احبّت، البشوش اللطيف، صاحب الابتسامة الاخاذة، ذاك من اسرها بعشقه، ذاك من احبّته لجنونه، ذاك من يشاركها ابسط تفاصيله، لم يبدو بخير، لقد تغير كثيرا رغم انه لم يمر الكثير منذ اخر لقاء لهما، خافت حقيقة ان تسأل عن السبب، فهي تعرف لما، لم ينبس ببنت شفة فقررت المخاطرة و ألقيت على مسامعه بعض الهمهمات التي استغربها فقالت بوضوح :
- ماذا حصل؟ لمَ خطّت السنين اثاراها على وجنتيك؟
-... أيمكن أن تكوني السبب؟
- أنا؟!..
- ماذا لو قبلت الآن أن نبحر الى عالمنا، عالم الهدوء و السكينة، ماذا لو قبلت الزواج مني و ذهبنا الى بيتنا، أضمك الى صدري و انام و رائحتك لا تفارقني، ماذا لو سمحت لي أن أطبع على وجنتك قبلة لطيفة سريعة، دعك من هذا، ما رأيك لو تثقين بي و تخطين معي الى هذا البحر، نتشارك حديثنا، لهونا و سعادتنا، نمحي الامنا ، في خضم هذا الجو العظيم ألا يمكن أن نحظى بفرصة جديدة؟
- تعرف أنني من أصحاب المبادئ، و قد أعلمتك سابقا أني لا أميل الى هذه الافعال، و لست من اللواتي يرقصن على وقع القلوب في الليالي الدجى
- اذا لم قبلتِ المجيء؟
- أردت رؤيتك، ألا يحق لي الاشتياق، أم أنك وحدك من تحب؟
- أترين أني أهلكت من هيامي و عليّ أن أتخلص منكِ و أنساكِ؟
- لا يمكنني أن أقرر عنكَ لكني لست التي ستستطيع انتزاعها من روحك بسهولة، ها انا ذي اقول
- لم تجعلين الامر يبدو اصعب
- لانها الحقيقة، جربت من قبلك و لم انجح، احببتك و انت تعرف و رغم ذلك لم انجح في اقتلاعك مني، لا تقلق، هذا ألم لا يزول، سيقتلك العجز، سيستأصل منك القدر مفهوم الانسانية، ستهيم دون هدف، و لكن ستنسى لو كان هذا فعلا ما تريد، لو أنك لا تخدع نفسك
- أتساءل حقا، كيف تنجحين بهذا؟
- بماذا؟
- بالمكابرة
- لم أكن الخائنة
- ما القصد
- تعرف ما أعنيه
-أخبرتك أني لم أفعل
- لم آتي الى هنا للحديث بشأن هذا الموضوع
- و لكن لمَ
- لاني تجاوزته، رغم اني عافرت كثيرا، لكني استطعت، أنصحك بالمثل
- لا فائدة، أليس كذلك؟ لن أحصل عليك مجددا؟
- لا أظن
- من هو؟
- لا أحد
- سأصدقك
-لست بحاجة الى ذلك
- أستسلم
- لم؟ مازلنا في البدايات
- أنسحب اذن
-لا يمكن، لا انسحاب من معارك الحب، ان بدأتَ ستُنهي هذه الحرب
- هي حرب اذن
-لنقل انها ليست كذلك، ما يمكن ان تكون ماهية هذا العشق؟
- لا ادري
- لذا هي حرب
- دعينا من الحروب الآن، الحرب التي في داخلي، تلك التي شنها قلبي على عقلي تكفيني حاليا، أود أن أعرف
- ماذا
- لما لا تنظرين الي، لم تتجنبين اعتناق نظراتنا ، لم تهربين عينيك عني؟
- أخشى الشعور بالضعف
- أطلقي العنان لقلبك اذن
-لا يمكن
- لم
- لاني فعلتها سابقا و لم أجني سوى الجراح، و الألم فقط
- أعدكِ أنه لن يحصل مجددا
- قلتُها سابقا و أعيدها، لا أقبل
- أرجوك
-لا تضعني في مثل هذه المواقف
- حسنا، أتودين الانفصال فعلا؟
- لا
- لن أسأل ما سبب هذه التناقضات ، لكني اريدك الى جانبي
- لن أكون، لقد انفصلت ارواحنا منذ ذلك اليوم اساسا
- أنظري إلي،لا أفهمك، لكني أرجوك، لا ترفضي، أنت تتألمين الآن، انها المرة الاولى التي أراك فيها تبكين
- لست أبكي
- لم كل هذا البرود
-....
- ما بامكاني فعله؟
- لا شيء فقط غادر حياتي بهدوء كما دخلتها، لا تصدر ضجيجا، أحاسيسي لا تحتمل
-أتطلبين مني الرحيل؟
- ما رأيك، هل أمزح بهذا؟ ارحل عني فقط، هذا يكفيني
- حسنا...
أتمشين معي لآخر مرة على هذا الشاطئ، مرة اخيرة اودعك فيها ثم لن تريني مجددا
-... حسنا
طال صمتهما، يتبادلان النظرات في خجل، كأنهما غريبان في حجرة مغلقة، بدأت أشعة الشمس تكتسح الأفق، وقف أمامها، بنظراته الحزينة، اقترب منها، كم ودّت لو تبتعد لكن قلبها لا يخضع، أمسك وجهها بكلتا يديه، و قبلها قبلة محمومة عبر فيها عن كل ما يختلج في صدره، عما يُكِنه لها من وله، عن اعتذاره و طلبه لفرصة اخرى، ختم قبلته بكلمة لطالما عشقتها " أحبك" سرت برودة في جسمه، ابتعد عنها بهدوء كما طلبت، و ها قد غاب عن رؤياها
أنت تقرأ
خواطر
Romanceليس بمقدوري مصارحة أحد عما يحمله كياني من أحاسيس خامدة ، أخاف من أن أشارك خصوصيتي مع الآخرين ، يمكن أن أكون أيضا ممن لا يريدون مشاركة شيء يعنيهم مع أناس لا اهتمام لهم بما تشبعت روحي به ،عقلي في خدمة قلبي ، و قلبي لا عمل له سوى الشعور و لا أعرف من أي...