إنّ اليقظة لا تقتصر على ما بعد النوم فقط، وإنّما ما يركب هذا النوم من يقظةٍ لانهائية لا تعطي للرأسِ حقّ الراحة، بل تُزيدُه نهشًا كلّ ليلة.
واجهتُ صعوبةً واضحةً بالآونة الأخيرة في النوم، عقلي لا يهدأ، رأسي ينبضُ بالوجع، الأرق يلازمني بشكلٍ حاد ولا يمهلني لحظةً لأغفو
أيُّ عالمٍ واسعٍ لا يعطيني منه مساحةً للنوم؟ إنّهُ عالمٌ ضيّق خُدِعنا بوسعه، فهو لا يتعدى مساحة غرفةٍ صغيرةٍ ونافذةٍ مغلقة.أودَعَتُ هاتشي عند آن، ليس لديّ الطاقة للإعتناء به بعد الآن، وليس له ذنب ليتحمّل إهمالي.
وآن باتت من شدّةِ الحزن كلما تراني تدمعُ عيناها، أعلم أنّني على حافةٍ ما من السقوط، ولا أعلم ما هيّ هذه الحافة حتى.
راجعت طبيبًا نمساويًا لأجلِ آن، وصف لي أدوية حرصت آن على تناولي إيّاهم يوميًا، لكن بلا فائدة
وصل الخبر إلى أمي، الّتي وبالفعل بدأتُ بنسيان وجهها هي ووالدي، وقد وصلت باليوم التالي محملّةً بحزنٍ يشقُّ الأرض على حالتي.
لم يصدق أحدٌ هذه الحالة، فأنا لا أنسى منزلي أو مقرّ عملي، ما أنساهُ مختلف عن هذا تمامًا." مورن"
ناداني أبي فتبسّمت بوجهه" تصبحين على خير"
قالها لي بحنوٍ لأومئ له ويغلق الباب وراءه، يومها وأخيرًا نمت.. لمدةٍ طويلة
لأستيقظ بعدها بكلِّ غرابةٍ غير عالمةٍ بما يجري
أين أنا؟ مالّذي جرى؟
أنا مورن، لكن مَنْ هؤلاء؟" هل تعرفينني؟"
" مورن، أنا والدتكِ"
" أنا آن"
" ذاك هاتشي"
جملٌ مختلفة مع ضمائر وأسماء إشارة، لكنني تهتُ في ملامح أصحابها، لما هم يحدِّقون بملامح.. مذعورة؟لم أقل شيئًا، منذ يومها ولسنواتٍ عدّة عن ما جرى لي في ذاك الصباح، فقد واجهتُ صعوبةً بمعرفتي رغم علمي بكونيّ مورن.
أعتقد بأنّي أعرف مَنْ أنا، لكن يخالجني الشعور بنسياني تمامًا، لما كلُّ هذا الضياع الّذي يحاصرني دومًا؟ من أين سأبدأ.. وكيف سأنتهي؟
لم أنساني، لأنّي بالأصلِ لم أتذكّرني.________
النهاية.متلازمة كورساكوف:
تتمثل أعراض هذه المتلازمة بفقدان الذاكرة بشكل خطير، ولاسيما الأحداث القريبة جدًا، أما تذكُّر الأحداث البعيدة فلا يتأثر إلا بشكلٍ محدود. ولكن بتطور المرض يصاب المريض بالخرف ونوبات من الخوف واللامبالاة.