الفصل الخامس والعشرون قبل الأخير
ها قد عادت روحه الى جسده ..
عادت زينة وعاد الأمل يزدهر فى قلبه الميت من جديد ..
كاد يفقد الأمل .. بل أن هناك أوقاتا مرت به كان قد فقده فعلا وما أبقاه حيا هو تلك البقية الباقية من نفسه المتمسكة بالحياة .. غريزة البقاء ..
كان فراس وحميد قد أسرعا اليها بصخب يسألون عن أحوالها ووقف آدم يحدق بها عاجزا تماما عن التحرك أو النطق واكتفى بالنظر اليها متعطشا عطش السنين لملامحها .. لم يمر الكثير عن آخر مرة رآها ولكنه أفتقدها وكأن قد مر عشرات السنين .. أفاق من جموده عندما لاحظ ان فراس وحميد قد تراجعا وأصبحا بجواره ينظران الى زينة بحذر والتي قالت بنبرة حازمة راضية
- هكذا أفضل .. ما حدث من قبل لن يتكرر .. هناك حدود سأضعها ولن أقبل بتخطيها .
ثم نظرت الى آدم
- سأذهب معك الى اسبانيا لأعمل عند والدتك كما كنت قد خططت من قبل .
لم تكن تريده أن يقترب منها وقد شعر بذلك فألتزم بمكانه وسألها والفضول ينهشه
- وزوجك ؟
كانت الكلمة ثقيلة على لسانه ولكنه أراد أن يفهم
- مات .
ساد الصمت المذهول للحظات طوال .. أبتلعت زينة ريقها بصعوبة وهي تتذكر اللحظات المرعبة التي مرت بها وكيف أنفجر اليخت ومات خالد وهو يحاول أنقاذها مضحيا بنفسه من أجلها ثم أفاقت وهي في المشفى وظلت لثلاثة أيام فاقدة للذاكرة اثر الخبطة التي تلقتها من قائم طار من اليخت بسبب الأنفجار وارتطم برأسها .. وعندما عادت لها ذاكرتها دخلت فى نوبة بكاء وانهيارا عصبيا .
رفعت وجهها الشاحب اليهم تمنع عقلها عن التفكير بما حدث وقالت بأنفعال
- عمري فقط خمسة وعشرون عاما.. أصبحت أرملة عذراء .. وتيتمت مرتين .. وقد رأيت من هذه الدنيا أبشع ما فيها ومن فيها .. فقدت براءتي بأقسى طريقة يمكن أن تمر ببال أحد .. تلونت عيناي باللون الأسود فلم أعد أثق بأحد ولا أريد أن أنتمي لأحد .. هل هذا مفهوم ؟
تنهدت بتثاقل وتابعت وهي تنظر للوجوه التي تراقبها بحذر
- الشئ الوحيد الذي مازلت عاجزة عن مواجهته .. هو الخوف من أن أصبح وحيدة بلا أحد .. لا أريد أن أبقى وحدي .
دمعت عيناها رغما عنها وارتعشت شفتها السفلى .. التظاهر بالقوة والشجاعة توقف عند هذا الحد .
أقترب منها آدم وهو يتألم لألمها .. لم يعد يفكر فى نفسه الأن وأنها قد عادت اليه وأصبحت حرة من جديد وفوق كل ذلك لم تمس .. ولكن كل ذلك أصبح فى المرتبة الثانية .. لقد مر ملاكه بالكثير من الحزن والألم وما يريده حقا هو أن يواسيها ويخفف عنها عذابها ..
مد يده اليها بحذر مخافة أن تصده ولكنها لم تفعل بل قربت رأسها من يده ووضعت وجنتها على كف يده .. أغلقت عيناها بتعب وارتجفت فأخذ رأسها على صدره وارتعشت أنفاسه وهو يضم جسدها الضعيف اليه بقوة ..
بكت بين ذراعيه ولم يستطع أن يمنع دموعه من مصاحبة دموعها .. بكت بنشيج مرتفع وبكى هو فى صمت .****الروايه خاصه بصفحه مملكتي احمد محسن للروايات
تكورت زينة فوق فراشها الصغير وهي تشعر بالراحة والأمان من جديد ولكنها لم تعد تؤمن أن الأمان دائم وخاصة لها ..
رفضت أقتراحهم أن تأخذ الحجرة التي كانت لجليلة لتقيم بها وأصرت أن تنام في غرفتها الصغيرة ..
كانوا يحومون حولها يرجون راحتها ولكنها صدت كل محاولاتهم حسنة النية وعاملتهم بجفاء شديد بما فيهم آدم .. لحظات ضعفها بين ذراعيه لن تعيدها مرة أخرى أبدا .
حاولت أن تنام ولكن ذكرياتها الأليمة كانت مصرة على الطفو فوق عقلها .. تحقيقات الشرطة اليونانية أرهقتها وقد كانوا قساة معها في البداية لأنها الشخص الوحيد الذي نجا من الأنفجار ولأن ذلك اليخت كان مشبوها وقد حدثت فيه حادثة وفاة من قبل فأصبح الأمر مريبا ولم يطلقوا سراحها والسماح لها بالسفر الا بعد صدور تقرير الطب الشرعي عن سبب الأنفجار وتأكدوا أن فتاة صغيرة مثلها لا يمكن أن يكون لها دخل بالتخطيط للأمر وأنها كما أدعت كانت ضيفة هي وزوجها والأنهيار الذي عانت منه جعلهم يظنون أن حزنها على وفاة زوجها السبب .
عادت الى مصر وكانت المأساة الأكبر هو رد فعل نبيلة على موت خالد .. اتصلت بها زينة من شقة خالد وطلبت رؤيتها دون أن تطلعها على شئ .
أنهارت نبيلة تماما ولم تصدق زينة ما وصلت اليه حالتها عند سماعها بخبر موته .. راحت تصرخ بلوعة وتبكي بحرقة عليه .
جلست زينة بجوارها على الأرض وسألتها بأشفاق
- هل كنت تحبينه ؟
رفعت لها عينيها الغارقتين بالبؤس
- أكثر من روحي ولكنه لم يهتم بي أبدا .. كيف سأعيش من دونه الأن ؟
- هو لم يكن لك أبدا .. عيشي من أجل طفلك وربيه بطريقة جيدة ليكون أفضل منك ومنه .
ثم وقفت وقالت وهي تنظر حولها
- هذه الشقة لكما .. وكل شئ تركه هو لك ولطفلك لن آخذ منه شيئا .
وقفت نبيلة تقول بمرارة
- ولا أنا .. سوف أربي أبني بمال حلال .
- لخالد ميراث من والده لم يدخله أبدا بعمله الآخر .
هذا ما أخبرها به محاميه وهو يستقبلها بالمطار ولم تعرف كيف عرف بعودتها وبرقم رحلتها وهي لم تسأله ولأنها لم تعتبر نفسها أبدا زوجة حقيقية له قررت التنازل عن حقها لنبيلة وطفلها بعد أن تتخلصا من المال الحرام أولا وما سمعته من نبيلة أراحها فقررت أن تترك لها الأمر لتتصرف فيه وحدها .
وصل جثمان خالد أو ما تبقى منه وقامتا بدفنه سويا ودعت له زينة بالرحمة وأن يتقبل الله توبته .
طلبت زينة من المحامي أن يأتي لها بتأشيرة سفر الى اليونان ومن هناك استخدمت جواز سفرها الأسباني الى مونت كارلو لكي تقطع أي صلة لها بماضيها الى الأبد وقالت لنبيلة وهي تودعها
- أهتمي بأمي جيدا .
نظرت اليها نبيلة بوجهها الذابل
- وأنت أهتمي بنفسك يا زينة وعودي الينا في أي وقت ولن أكون تلك الشريرة مرة أخرى .
بالكاد استطاعت زينة الأبتسام لها فلم تجد لديها القدرة على مسامحتها بشكل كامل ولكنها دعت لها بالهداية .
الروايه خاصه بصفحه مملكتي احمد محسن للروايات
****